السؤال: كيف نفهم تبرير الشارع المقدّس للقاصر في الأحكام الشرعيّة، ولا نجد التبرير لمن يبذل قصارى جهده لكنّه يقع في الأخطاء، لا سيما في العقائد؟ (أحمد).
الجواب: من يبذل قصارى جهده دون تقصير في المقدّمات ليصل إلى الحقيقة فهو معذور عقلاً، لأنّ حجيّة القطع واليقين تشمل مثل هذا الشخص، فتكليفه بغير ذلك ضربٌ من التكليف بغير المقدور، وتحريكه للبحث بعد يقينه بما توصّل إليه لا مبرّر موضوعي له حتى يطالب به، وخصوصية عذر القاصر ليست سوى عدم قدرته على الوصول لما كلّف به، وهو حاصل هنا، وهذا ما ذهب إليه أيضاً بعض العلماء، مثل الإمام الخميني، حيث يقول في بعض أبحاثه بمعذوريّة أغلب الكفار، وهو الموافق لقواعد العدليّة وأصول الاجتهاد الإسلامي، فهو يقول ما نصّه: (…لا لكون الكفار غير مكلّفين بالفروع أو غير معاقبين عليها، فإنّ الحقّ أنّهم مكلّفون ومعاقبون عليها، بل لأنّ أكثرهم ـ إلا ما قلّ وندر ـ جهّال قاصرون لا مقصّرون. أما عوامهم فظاهر؛ لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب، نظير عوام المسلمين، فكما أنّ عوامنا عالمون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب من غير انقداح خلاف في أذهانهم لأجل التلقين والنشؤ في محيط الإسلام، كذلك عوامهم من غير فرق بينهما من هذه الجهة، والقاطع معذور في متابعة قطعه، ولا يكون عاصياً وآثماً، ولا تصحّ عقوبته في متابعته. وأما غير عوامهم فالغالب فيهم أنه بواسطة التلقينات من أول الطفوليّة والنشؤ في محيط الكفر، صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة بحيث كلّ ما ورد على خلافها ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ من بدو نشؤهم، فالعالم اليهودي والنصراني كالعالم المسلم لا يرى حجّة الغير صحيحة، وصار بطلانها كالضروري له، لكون صحّة مذهبه ضروريّة لديه لا يحتمل خلافه. نعم فيهم من يكون مقصّراً لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجّته عناداً أو تعصّباً، كما كان في بدو الإسلام في علماء اليهود والنصارى من كان كذلك. وبالجملة إنّ الكفار كجهّال المسلمين منهم قاصر، وهم الغالب، ومنهم مقصّر) (الخميني، المكاسب المحرّمة 1: 133 ـ 134).
ويبدو أنّ العلماء الذين رفضوا وجود القاصر في العقائد ـ غير القصور الطبيعي مثل الطفولة والشيخوخة الموجبة لضعف التفكير ـ انطلقوا في بعض الأحيان من فطريّة العقائد الإسلاميّة، بيد أنّ هذا الأمر يصحّ في الأمور الفطريّة المحضة كوجود الله سبحانه، لا في غيرها من سائر الأمور الكلاميّة فضلاً عن غيرها، حتى لو كانت المسائل الكلامية الأخرى موافقةً للفطرة؛ فإنّ الموافق للفطرة غير ما هو فطري تجبل عليه النفوس جميعاً، فالشريعة عندهم موافقة للفطرة لكنّ النفوس ليست مجبولة عليها، بمعنى أنّه لا يدركها الجميع بالفطرة والبداهة لتكون حجّةً عليهم في مقام الذات.