السؤال: سماحة المحقّق حيدر حب الله، نشكركم جزيل الشكر على هذا المنبر النوري والمعرفي الذي كلّنا نستفيد منه. ما هي صورة الروايات المتواترة عند الشيعة، مثلاً: علي بن إبراهيم القمّي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن الصادق عليه السلام، قال كذا وكذا، مثل هذا الحديث يرويه ضعيفٌ، عن ثقة، عن متهم، عن غال، عن الصادق، وهكذا إلى عشرة وعشرين حديثاً بهذا التنوّع السندي مع اختلاف الدرجات بينهم، هل هذا هو الحديث المتواتر عند الشيعة؟ (حميد كنعان).
الجواب: المتواتر من الأحاديث لا فرق فيه بين المذاهب، فالتواتر في الحديث ليس أمراً مذهبيّاً، وإنّما يعني أن يكون لهذا الحديث الواحد في اللفظ أو في المعنى طرقٌ وأسانيد ومصادر ومخارج متعدّدة تبلغ حدّاً لا يكون من المنطقي معه افتراض اتفاق كلّ هؤلاء على الكذب في النقل، وهذا التواتر كما نجده عند الشيعة نجده أيضاً عند السنّة، وكما أنّ بعض الأحاديث التي ادّعي تواترها عند الشيعة ليست متواترة لو دقّقنا، كذلك الحال في بعض الأحاديث التي يدّعى تواترها عند أهل السنّة فإنّ البحث فيها يعطي عدم تواترها. ولا فرق في التواتر بين أن يكون الرواة ثقاتاً أو غير ثقات، نعم كلّما كانت الطرق والأسانيد والمصادر مشتملةً على ثقات، ولم تشتمل على من شُهد عليه بالوضع والكذب، وكان متنها سليماً، كان حصول التواتر المفيد لليقين أسرع.
هذا، والمثال الذي ذكرتموه لم يتضح لي وجه التوصيفات التي ذكرتموها فيه، فقد وصفتم ـ إذا صحّ فهمي ـ عليَّ بن إبراهيم القمّي بأنّه ضعيف، ولا أدري كيف حكمتم بضعفه مع أنّه يوجد اتفاق شيعي على توثيقه؟! ولو كان كتاب التفسير هو الذي أوجب تضعيفه عندكم فإنّ هذا الكتاب لا يُعلم نسبته إليه، والتفصيل في هذا الموضوع يمكنكم مراجعته في كتب الحديث والرجال عند الإماميّة. ووصفتم ابن أبي عمير بالمتهم، ولا أدري كيف كان ذلك ولماذا كان متهماً مع الإجماع الشيعي على توثيقه؟! كما وصفتم هشام بن الحكم أو هشام بن سالم الجواليقي بالمغالي، وفي أيّ موضوع كان ذلك؟ ولعلّ توصيفاتكم هذه ناشئة من المصادر السنّية التي لها موقف من هؤلاء الرواة، ولا يصحّ أن نقصر نظرنا على المصادر السنيّة في تقويم الرواة الشيعة، وإلا لصحّ من الشيعة قصر نظرهم على تقويم رواة السنّة من مصادرهم، وبهذا لن يكون البخاري بنفسه ثقة أصلاً؛ لعدم توثيق أحد من علماء الإماميّة له، ولا الكليني ثقة أساساً لعدم توثيق علماء السنّة له، فالأفضل أن ندرس الأمور بطريقة محايدة أو من داخل المذاهب نفسها ووفق أصولها ونظام عملها.