السؤال: حينما نقرأ الروايات التي تحث على تلاوة القرآن وختمه في شهر رمضان يتبادر سؤال: كيف نوفّق بين ختم القرآن أكثر من مرّة وبين أن لا يكون همّ أحدنا آخر السورة؟ والحال أن من ينوي ختم القرآن أكثر من مرّة من الطبيعي عادة أن ينشغل ذهنه بآخر السورة؛ لأنّه يحمل همّ ختم القرآن ثلاث أو أربع مرات في شهر رمضان الكريم.
الجواب: لا تنافي بين الأمرين؛ لأنّ النصوص الداعية إلى تلاوة أو ختم القرآن الكريم في شهر رمضان أو في غيره إنّما تحث على ختم القرآن، وهي غير ناظرة لكيفيّة القراءة وشروطها أو مستحباتها؛ بينما النصوص الداعية إلى أن تكون قراءة القرآن بالطريقة الفلانية أو تلك تعدّ مبيّنةً وشارحة للطرق المثلى في قراءة القرآن الكريم؛ وهذا يعني أنّها مقدّمة حكماً على نصوص أصل التلاوة أو نصوص ختم القرآن، فهذا مثل النصوص الآمرة بالصلاة عموماً، وتلك المبيّنة لكيفية الصلاة بالكيفية الواجبة أو المستحبّة، حيث تؤخذ النصوص المبيّنة بوصفها الحاكمة على النصوص الأوّلية، تبعاً للوجوب أو الاستحباب.
ومعنى هذا الكلام أنّ المستحب مثلاً هو ختم القرآن الكريم، لكنّ أفضل الطرق لختمه هو أن يتحقّق منك الختم له وأنت تكون قد قرأته بأفضل الطرق، والتي من شروطها أن لا يكون همّك عندما تقرأ أن تُنهي السورة، وهو تعبير كنائي عن عدم تدبّرك وتأمّلك وترويّك وتأثرك بالقراءة؛ لأنّ من يقرأ قاصداً آخر السورة غالباً ما يكون مستعجلاً في القراءة غير متأمّل ولا متأثر بالمعاني والمضامين، فمن يقرأ القرآن بهذه الطريقة المثلى المتدبّرة ثم يوفّق لختم القرآن فإنّه يكون قد استوفى أكمل ما عليه. ودائماً ـ من خلال مذاق الشارع سبحانه وتعالى ـ نعلم أنّه يُفضل الفعل العبادي الذي يحوي تفاعلاً روحيّاً وعلائقياً مع الله على الفعل العبادي الصوري الشكلي المظهري، فتتقدّم مفاهيم التأمّل والتدبّر والتروّي والتفاعل حال التلاوة على مفاهيم الكم والمقدار المقروء، ما لم يرد نصّ خاص في مورد معين على العكس.