السؤال: إحدى المؤمنات من معارفنا مقيمة في بريطانيا، وقد اكتشفت وجود فئران في المنزل الذي تقيم فيه، ولاحظت وجود براز هنا وهناك من مخلّفات تلك الفئران، وتعيش هاجساً بخصوص طهارة المكان، وهي بالأساس تعاني من الوسواس القهري منذ عشرين سنة وربما أكثر. ما الحكم الفقهي المناسب لحالتها بحيث تطمئن لطهارة المكان وتسير حياتها بشكل واقعي ومقبول؟ ما القدر الكافي في تطهير المكان لمن في وضعها؟ وما القدر المنهيّ عنه من الاحتياطات المذمومة التي عادةً ما يتّخذها الذين يعانون من مقدّمات الوسواس القهري، بل يعانون منه بشكل مزمن منذ مدّة طويلة كما في حالتها الشخصيّة؟
الجواب: يحكم بطهارة المكان إلا في الموضع الذي يكون فيه بول أو غائط من الفأرة، وندرك ذلك بنحو العلم أو الحجّة الشرعيّة، وهنا يكون التطهير برفع عين النجاسة وتطهير المكان مرّة بالماء الكثير ومرّتين بالقليل. ويبنى على الطهارة فيما عدا ذلك.
وأمّا حالة الوسواس التي يعاني منها بعض الناس فيجب علاجها من خارج الفقه أيضاً، وذلك أنّ علاج هذه الحالات التي تصاحب الموضوعات الدينية والشرعية يكون عبر سبيلين مجتمعين:
أ ـ السبيل الديني، وهو رفع مستوى الوعي الديني بحيث يكتشف الذي يعاني من الوسواس أنّ الدين لا يريد هذا كلّه، فنطلعه على قواعد التسهيل في الشريعة الإسلاميّة مثل قاعدة الطهارة والاستصحاب (في بعض موارده) وكثير الشك وحكم الوسواسي والبراءة وغير ذلك، ونعلمه أنّ الله سهّل على عباده، وأنّه يمكنه أن يعمل بقواعد التسهيل هذه، والتي تغطّي مساحات واسعة من الفقه الإسلامي، وهنا يأتي دور العلماء والمبلّغين والدعاة والخطباء والمدرّسين في تقديم صورة متوازنة للشريعة، بدل خلق فضاء متشدّد يدفع بالإنسان إلى مزيد من القلق وهو يمارس الفرائض الدينية. إنّ الاحتياطات التي تؤدّي بالإنسان إلى الوسواس وارتباك الحياة هي احتياطات نعلم من الشريعة أنّها مرفوضة أو على الأقل غير مرحّب لها.
ب ـ السبيل النفسي، وإنني أقترح هنا مراجعة مختصّين في علم النفس والذهاب إلى عيادات الأطبّاء النفسيّين الموثوقين، وعدم الحياء من هذا الأمر، لاسيما في الحالات التي يكون فيها الوسواس القهري متجذراً مستحكماً قديماً ومتفشياً في حياة هذا الإنسان، فعلماء النفس مختصّون بهذا، وثقافتنا العربية التي ترى من العيب الذهاب إلى الأطباء النفسيين؛ لأنّها تفهم المرض النفسي على أنّه جنون، والمريض النفسي على أنّه مجنون، مع أنّه لا يكاد أحدٌ منّا يسلم من مرض نفسي غالباً، هذه الثقافة العربيّة هي ثقافة وهميّة غير واقعيّة ولا متواضعة.
إنّ حلّ هذه المشاكل يكون بتعاضد الثقافة الدينية مع الثقافة العلميّة للوصول إلى صيغة تحرّر الإنسان من هذه الأزمات التي قد يكون منشؤها الوعي المغلوط للمسائل الدينية والشرعية، وقد يكون منشؤها من مكان آخر في حياته أو طفولته، وتمّ إسقاطها النفسي على المجال الديني كما على مجالات أخر.