• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
56 كيف نقوّم ظاهرة ثقافة الاحتياطات التي تنتشر بين بعض المتديّنين؟ 2014-05-12 0 1865

كيف نقوّم ظاهرة ثقافة الاحتياطات التي تنتشر بين بعض المتديّنين؟

السؤال: نجد فكرة الاحتياط في الدين ـ انطلاقاً من بعض الأحاديث الشريفة، مثل الاحتياط طريق النجاة واحتط لدينك ـ قد سيطرت على العديد من المتديّنين والمتشرعين فغدوا يحتاطون في ما أباحه التشريع فضلاً عن غيره. ألا يعدّ ذلك من قول الإمام علي عليه السلام في حقّ الخوارج: (إنّهم ضيّقوا على أنفسهم فضيّق الله عليهم)؟ وألا يتنافى هذا مع تصريح القرآن بأنّ الدين دينُ يُسر لا عسر؟! (أحمد اللواتي، سلطنة عمان).

 

الجواب: ينطلق العلماء المسلمون من قاعدة يرون صحّتها تقول بحُسن الاحتياط على كلّ حال، وأنّ الاحتياط سبيل النجاة، ويرون العقل حاكماً بذلك على مستوى حُسن الاحتياط لا وجوبه، إلا في بعض الحالات التي يحكم فيها بالاحتياط لزوماً لتفريغ الذمّة من التكليف المتوجّه إلى العبد.

وقد اشترط علماء أصول الفقه في الاحتياط ـ لكي نحكم بحُسنه ـ شرطين أساسيّين:

الشرط الأوّل: أن لا يكون الاحتياط منافياً للاحتياط، بمعنى أن لا يبلغ احتياط الإنسان حدّاً يكون احتياطه مؤدّياً إلى وصوله لارتكاب ما يحكم الشرع أو العقل بحرمته أو قبحه مثلاً، كأن يحتاط في الأكل من الأطعمة لشبهة الحرمة فيبلغ باحتياطه حدّ الموت، فإنّ هذا خلاف الاحتياط، أو أن يحتاط في التعامل مع ابنه بما يؤدّي إلى أذية ابنه الآخر، وهكذا..

الشرط الثاني: أن لا يؤدّي الاحتياط إلى الهرج والمرج والعسر والحرج الشديدين المخلَّين بالنظام العام، فلو أنّ أهل السوق مثلاً احتاطوا جميعهم في معاملاتهم الماليّة في كلّ مورد فيه أدنى احتمال لشبهة، فمن الممكن أن تتعطّل الحياة بين الناس. ويمكننا ـ بطريقة أو بأخرى ـ أن نرجع الشرط الثاني إلى الأوّل، ليكون أنموذجاً من نماذجه لا أكثر.

إنّ الذي يحصل في ممارسات الناس للاحتياطات الشخصيّة أنّنا نفكّر بالاحتياط بالذهنيّة الفرديّة فقط، فيما للاحتياط وجهٌ اجتماعي عام أيضاً، وهذا ما يفرض علينا أن ننظر للموضوع بمستوى شمولي أوسع، فلو فرضنا مثلاً أنّ مكلّفاً احتاط في كميّة الماء المصبوب على أعضاء بدنه في الوضوء أو الغسل، وقام كلّ المكلفين بالنحو نفسه، فاستهلكوا كمّيات كبيرة من الماء، فقد تكون النتيجة هي نقصان المياه على مستوى الأجيال القادمة، مع العلم أنّ هناك اليوم مشكلة كبيرة في المياه… هذا مجرّد مثال قد لا يكون دقيقاً، لكنّه يجلي لنا الصورة، وهذه الفكرة ـ أي النظر إلى الاحتياط على مستوى البُعد الاجتماعي ـ ممّا أكّد عليه أيضاً السيد محمّد باقر الصدر والشيخ مرتضى مطهّري في عدّة مواضع، مصرّحاً ـ أي الصدر ـ بأنّ الاحتياط لا يمكن أن يكون وظيفة عامّة تمارس بطريقة اجتماعية وجمعيّة، ويمكن مراجعة كلامه في هذا الموضوع عند حديثه عن دليل الانسداد في علم أصول الفقه.

عندما آخذ احتياطي الشخصي منفصلاً فأنا حرّ في ذلك ولي قراري الشخصي، لكن عندما نريد تحويل الاحتياط إلى ثقافة عامّة شعبيّة وعُرف إيماني سائد في مفاصل الأمور، فهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار التردّدات الطبيعيّة لذلك، وحساب هذه التردّدات حساباً يضعنا ضمن موازنة المصالح والمفاسد، لنعرف هل الاحتياط بهذه الدرجة وعلى هذا المستوى يظلّ على حسنه أم لا؟ سأعطي مثالاً بسيطاً آخر، لو كنّا في بيوتنا ووسط أسرنا وعوائلنا ولدينا أطفالنا، وأردنا أن نمارس الاحتياط في مجالات كبيرة، فنحتاط في أيّ أمر يأتي على التلفاز، أو على النت، أو نحتاط في الأطعمة والأشربة أو.. أو في العلاقة مع فلان أو فلان (وأؤكّد أنّني أتحدّث هنا عن الاحتياط غير الملزم به شرعاً) فيجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن لا يترك ذلك أثراً موجباً للضيق من التديّن على أولادنا، فيرتدّ ذلك سلباً عليهم، وقد رأينا ذلك عند بعض الناس، وأفضت بعض الإفراطات إلى تنفّر الجيل الجديد من الجيل القديم داخل الأسر والعوائل، هذا هو معنى حساب الأمور بطريقة تفاعليّة مع المحيط، وليس الحكم العقلي مطلقاً هنا في كلّ الدوائر، ولا حتى النصوص، ما دامت هذه الأمور التي أشرنا إليها تمثل مقيّدات لبية عقلائية ومتشرّعية أيضاً.

وتبرز هذه الصورة أكثر وضوحاً عندما يدخل الفقيه المجتمع كلّه في سياق احتياطي، فلو استطاع الفقيه أن يطلّ على المجتمع من مستوى أعلى مبتعداً عن الفردية في طرح المسائل، لتوصّل إلى أنّ إلقاء هذا الكمّ الهائل من الاحتياطات في الرسائل العمليّة ـ في حال عدم ثبوتها عنده، بل ثبوت عدم الحكم الإلزامي في كثير من الموارد لديه ـ سيؤدّي بالنظرة الاجتماعية إلى مزيد من العسر والمشاكل، فمثلاً عندما أقول: إنّ الأحوط عدم حلق اللحية، أو الأحوط نجاسة أهل الكتاب، مع أنّ الثابت عندي في أبحاثي الفقهية هو الجواز أو الطهارة، فإنّ ذلك بالنظرة الفردية جيّد وحسن، بل وحتى بعض أبعاد النظرة الاجتماعيّة، إلا أنّه ينبغي أخذ الأبعاد الاجتماعية الأخرى بعين الاعتبار أيضاً، فإنّ الحكم الأوّل قد يؤدّي إلى أن يخسر الإنسان العديد من الوظائف في بلده، فقد لا يُسمح للجندي أن يكون ملتحياً، وكذا من يعمل في مجال معيّن آخر كبعض البنوك، وهذا ما سيؤدّي إلى تراجع المتديّن ـ وربما المسلم عموماً ـ عن النفوذ داخل أجهزة الدولة أو في الوظائف العامّة والهامّة في بعض البلدان، الأمر الذي ينبغي لنا أن نأخذه بعين الاعتبار أيضاً.. والأمر كذلك في مسألة نجاسة الكتابي. إنّ تقليل هذا الكمّ من الاحتياطات يجعل التواصل مع المتديّن أسهل وأفضل.. إنّ الموضوع يحتاج إلى دراسة مستوعبة من قبل الفقيه المتصدّي للمرجعيّة، فقبل وضع الرسالة العملية علينا أن ندرس المجتمع المسلم وتبعات وضع الاحتياطات عليه، لا أن ندرس تردّدات رفع الاحتياط في الداخل الحوزوي وعلى مستوى التعقيدات الحوزويّة فقط، فإنّ هذا قد يخرج عن الحالة الرساليّة في بعض الأحيان.

وأحبّ هنا أن أنقل نصّاً دالاً للفقيه الشهيد السيد محمّد باقر الصدر، فقد قال في رسالته إلى السيد كمال مرتضوي ما نصّه: (جناب حجّة الإسلام والمسلمين الحاج السيّد كمال مرتضوي دامت بركاته. السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. أرجو أن تصلكم هذه السطور وأنتم وسائر من يتعلّق بكم في أفضل الأحوال من سائر الوجوه، كما أسأل اللَّه سبحانه وتعالى أن يرعاكم بعظيم لطفه ويديم لكم التأييد والتسديد، وإنّي أتفقّد أحوالكم وأعتزّ بما أسمع عنكم وعن خدماتكم الجليلة للدين طبقاً لما أعهده فيكم منذ عرفتكم من صفات الكمال والورع والغيرة على الدين الحنيف. نكتب إليكم هذه السطور بمناسبة رسالة شفهيّة وصلتني من سماحتكم بتوسّط الفاضل الألمعي الشيخ عبد اللَّه الخنيزي حفظه اللَّه تعالى، فقد ذكر لي أنّكم كلّفتموه بتبليغي ملاحظتكم حول الفتوى بطهارة المنتحلين للإسلام ممّن يحكم بكفرهم شرعاً، وطلبكم منّي الاحتياط في ذلك. وكان بودّنا أن تكتبوا إليَّ بذلك، فإنّي أتلقّى كلّ ما تتفضّلون به بكلّ اعتزاز وتقدير. وعلى أيّ حال، فإنّي اثمّن ملاحظتكم الشريفة وأعتزّ بها لثقتي من ناحية بأنّها نابعة من ذلك المنبع الديني الطاهر الذي يعمر به قلبكم الزكي، ولما تعبّر عنه الملاحظة من اهتمامكم بهذا الجانب؛ لأنّ النصح والإرشاد إحسان ورعاية وتفضّل، فلكم الشكر على ذلك، ولا حرمنا المولى سبحانه من أمثالكم ومن نصائحكم وأدعيتكم، غير أنّي اريد أن أشرح لكم بهذه المناسبة واقع الخصوصيّات الدينيّة والملاكات الشرعيّة التي ألحظها في هذا المقام وفي أمثاله، فإنّي أعرف أنّ مجرّد تماميّة الميزان العلمي والدليل الفقهي على حكم لا يستلزم التصريح به، وأعرف أنّه في حالة قيام الدليل الشرعي على فتوى مخالفة لما هو المعهود في أذهان المتشرّعة يمكن للفقيه أن لا يبرز تلك الفتوى رعايةً لعواطف جملة من الأخيار والأبرار، واجتناباً لما قد يصيبه من تأثّرهم وانكماشهم عنه، أنا أعرف ذلك، ولكن في مقابل ذلك قد توجد جهات وحيثيّات لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار؛ إذ تنعكس عليَّ أوضاع الشيعة في مختلف أنحاء العالم ومدى ما يمكن أن يكون لفتوى معيّنة من أثر في رفع الحرج عن جملة منهم في جملة من البقاع في الدنيا، أو من أثر في تأليف قلوب من حولهم أو رفع الأذى عنهم. فعلى سبيل المثال: أنا أعرف كثيراً يا عزيزنا المعظّم عن أوضاع الشيعة في عمان ومسقط وهم يعيشون في كنف الخوارج وفي ظلّهم ويقاسون من البناء على نجاسة هؤلاء الشدائد في حياتهم العمليّة والإحراجات المستمرّة، بل يواجهون في كثير من الأحيان ردود الفعل وعكس العمل من قبل الآخرين، فإذا تمّ لدى الفقيه الميزان الشرعي للفتوى بالطهارة أليس يدعوه وضع أمثال هؤلاء إلى التصريح بذلك رفعاً للحرج عنهم وحفاظاً على كرامتهم؟! وهكذا الأمر في جملة من المواقع الأخرى. وكذلك الحال في الغلاة الذين يمكن تقريبهم نحو التشيّع الحقيقي، ويكون للتعامل معهم على أساس الطهارة أثر في هذا التقريب، أفليس هذا الأثر يدعو الفقيه إلى إيثار الإعلان عمّا تمّ عليه الدليل في نظره بينه وبين اللَّه تعالى؟! وأتذكّر أنّ شخصاً من أجلّة علماء تبريز ومن المحبّين والمخلصين لنا قد كتب لنا بعد صدور تعليقتنا على منهاج الصالحين يطلب السكوت عن فتوى طهارة أهل‏ الكتاب‏ وتبديل ذلك بالاحتياط. وذكر دامت بركاته أنّ جملة من الأخيار في تبريز تعوّدوا على استخباث أهل‏ الكتاب‏ ونجاستهم، فهم ينقبضون عمّن يقول بالطهارة، وقد كتبت إليه دامت بركاته أنّي أعلم بذلك، ولكنّي ألاحظ في نفس الوقت الآلاف ممّن يهاجر إلى بلاد أهل‏ الكتاب‏ ويقعون في محنة من ناحية القول بالنجاسة، حتّى حدّثني الثقات أنّ جملة من المتديّنين الذين هاجروا إلى هناك تركوا الصلاة وخرجوا تدريجاً من التديّن رأساً لأنّهم يرون النجاسة محدقةً بهم، فيرفعون يدهم عن أصل الفريضة، فلو أوقفني المولى القدير سبحانه وتعالى للحساب بين يديه وقال لي: كيف سبّبت بعدم إبرازك للفتوى التي تراها لانحراف هؤلاء وإحراج الكثير من الناس واستدراجهم إلى المعصية، فماذا سوف أقول؟ إنّني أيّها السيّد الجليل أعاني نفسيّاً وروحيّاً معاناة شديدة في مثل هذه المواقف، وأخشى كثيراً أن أتصرّف تصرّفاً أؤثر فيه مصلحتي الخاصّة على مصلحة الدين، فأنا أعلم أنّ هناك عدداً من الصالحين والمتشرّعة الأبرار قد أخسرهم شخصيّاً بسبب إبراز الفتوى المذكورة التي هي على خلاف المعهود في أذهانهم، وقد يقولون: ما لنا ولهذا الفقيه ولنتركه. ولكنّ هؤلاء إذا قدّر لهم أن تركوني فلن يتركوا الدين، وإنّما يتركوني إلى فقيه آخر، لن يتركوا الصلاة، لن تتهدّد كرامتهم بشي‏ء. إذن فلن يخسرهم الدين، وإنّما أخسرهم أنا شخصيّاً إذا لم يوجد من يشرح لهم واقع الحال ويرفع ما في نفوسهم. وأمّا أولئك الذين يقعون في ضائقة من القول بالنجاسة ويصيبهم الضعف الديني تجاه ذلك فيتحلّلون تدريجاً من واجباتهم، فإنّهم سيخسرهم الدين رأساً. وعلم اللَّه أنّي وقفت في لحظات عديدة أوازن بين الخسارتين، وكانت نفسي أحياناً تقول لي: حافظ على وضعك، ولكن أحسّ من ناحية اخرى بأنّي بحاجة إلى جواب أمام اللَّه تعالى. وهكذا تجدون أيّها السيّد الجليل أنّ ما صدر منّا من فتوى لم يكن لمجرّد الرغبة في أن نبرز كلّ ما تمّ الدليل عليه ثبوتاً، وإنّما هو نتيجة معاناة من هذا القبيل، ولأجل الموازنة بين أوضاع الشيعة وحاجاتهم ومتطلّبات ظروفهم في مختلف الأماكن والبقاع، وحفاظاً على جملة من المصالح الدينيّة العامّة ولو بالمجازفة ببعض المصالح الخاصّة، فالاحتياط والتخوّف من أن أؤثر ذاتي على ديني هو الذي جعلني أقف من حيث الفتوى بالطهارة الموقف الذي ترون، وإنّي أؤمّل من لطف اللَّه تعالى وحسن رعايته وعلمه بنيّة هذا العبد أن يعصمنا من السلبيّات والمنفيّات التي قد تتولّد من ذلك، ويقيّض من العلماء الصالحين من أمثالكم من يوضح وضعي. هذا وإنّي أرجو أن لا تنسوني من أدعيتكم الصالحة في مظانّ الإجابة، كما لا أنساكم إن شاء اللَّه تعالى، وأن لا تبخلوا عليَّ بأيّ إرشاد أو توجيه. والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. محمّد باقر الصدر. 8 شعبان 1397..) (موسوعة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، ج17، ومضات، ص 485 ـ 489). هذه هي الذهنية المسؤولة التي نتحدّث عنها. رحم الله هذا الشهيد العظيم.

يضاف إلى ذلك كلّه، ما جاء في الحديث النبوي: (إنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه) (جامع أحاديث الشيعة 14: 576، ومجمع الزوائد 3: 163)، فمن غير المعلوم أنّ الله يحبّ من العبد فقط أن يعمل بالفرائض ويترك المحرّمات، بل هو يحبّ أيضاً أن يعيش العبد الرخصة والفسحة في أمره في دائرة ما لا حرمة فيه عليه منجّزة؛ وقد يكون ذلك لأنّ الرخص تقوّي الإنسان على فعل الواجبات وترك المحرّمات وتُوازن حياتَه. وقد ذكر علماء أصول الفقه أنّ الإباحة في بعض الأحيان تكون اقتضائيةً، بمعنى أنّ الله تعالى هو الذي يريد الترخيص، لا أنّ الرخصة معناها عدم وجود مبرّر للحرمة أو الوجوب فقط، بل قد يكون الترخيص في بعض الأحيان لرغبةٍ من المولى في إطلاق العنان للمكلّف؛ لأجل وضع توازن بين المباحات والمحظورات في حياته، والشريعة قائمة بحدّ ذاتها على هذا التوازن.

بل من وجهة نظري الشخصيّة، أشكّ في أنّ بعض الاحتياطات المذكورة في الرسائل العمليّة هي من الاحتياطات الموافقة للمعنى الأصولي الذي ذكرناه؛ لأنه في بعض الأحيان تجد الفقهاء يحتاطون، في حين أنّ المورد من الموارد التي يدور فيها الأمر بين الحرمة والوجوب وفقاً للحساب المتقدّم. ولو راجعنا القواعد الأساسيّة للدين لوجدنا أنّ العديد منها ترخيصيّة من قبيل: قاعدة سوق المسلمين، وأصالة الصحّة، وقاعدة الفراغ والتجاوز، وقاعدة الإلزام، وقاعدة نفي الحرج، وقاعدة نفي الضرر، وقاعدة لا تعاد، وقاعدة لا شكّ لكثير الشك، وقاعدة معذوريّة الجاهل، وقاعدة عدم الفحص في الشبهات الموضوعيّة، وأصالة البراءة، وقاعدة الائتمان، وقاعدة الإحسان، وقاعدة الجبّ، وقاعدة التقيّة، وقاعدة الدرء، وقاعدة الاضطرار، وغيرها من القواعد الفقهيّة والأصوليّة، والقليل من القواعد يدعو إلى الاحتياط.. وهذا أيضاً مما يدعو الفرد المسلم إلى توازن نظرته لقضية الاحتياط والتساهل، علماً أنّ علماء أصول الفقه قد بحثوا في روايات الاحتياط، وذكر الكثير منهم أنّ غالبيّتها الساحقة ضعيفة السند، وأنّ فكرة الاحتياط في الدين تجذّرت في العهد الإخباري عند الشيعة الإمامية (القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري)، حيث كان الإخباريّون يقولون بوجوب الاحتياط في الشبهات التحريميّة، وهو ما ساعد على تأصيل هذه الفكرة وغرسها في الأذهان.

وأخيراً، فإنّني أدعو إلى الاحتياط في حفظ حرمة الرخص الشرعيّة وقدرها ومكانتها، وأن لا نهدرها، وأرفض بشدّة في الوقت عينه قيامة التشريع على الرخص المبعثرة، وهي الطريقة التي يريدها بعضٌ منّا اليوم للتفلّت من الأحكام الشرعيّة، فيجمع متناثر الرخص في فتاوى العلماء كي يخرج بحياة متحرّرة من الإلزامات الشرعيّة!

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36679533       عدد زيارات اليوم : 3425