السؤال: يقول بعض الكتّاب المعاصرين، وهو السيد….: إنّ القرآن إمّا له نفس أو ليس له نفس، فإن كان له نفس فسيموت؛ لأنّه يقول: (كلّ نفسٍ ذائقة الموت)، وإن لم يكن له نفس فهو ميّت. ما هو تعليقكم شيخنا على هذا الكلام؟ (أسامة، العراق).
الجواب: يمكن التعليق بعدّة أمور:
أولاً: وهو إشكال ذو طابع نقضي، حيث نسأل السؤال عينه عن الله تبارك وتعالى، فإمّا له نفس، فسيموت، أو لا نفس له فهو ميّت! فبماذا يجيب صاحب هذه الإشكاليّة عن مثل هذا الكلام؟ وهل يحتمل أنّ القرآن الكريم عندما قال: (كلّ نفس ذائقة الموت) قد قصد الله سبحانه أيضاً؟! وهل تصحّ مثل هذه النسبة لكاتب القرآن كائناً من كان هذا الكاتب والمختلق، أهو الله أم الرسول أم غيرهما؟!
ثانياً: سلّمنا بأنّ القرآن سوف يموت، ما الذي نريد من وراء هذه الفكرة؟ فإنّ إثبات عروض الموت عليه لا يعني أنّه مات اليوم، بل يعني أنّه سيموت، وقد يكون ذلك يوم القيامة، فالتسليم بعروض الموت عليه وقابليته لذلك لا يساوي التسليم بتعيين زمان موته، ومن ثم إثبات فقدان القرآن لقيمته في العصر الحاضر أو حتى في عالم الدنيا.
ثالثاً: يفترض الإشكال أنّ ما لا نفس له فهو ميت وهذه مصادرة تحتاج لإثبات؛ إذ ما هو المراد من النفس هنا؟ وما هو المراد من الموت؟ فإن أريد من الحياة الوجود ومن الموت العدم، فكلّ الكائنات حيّة، بما فيها القرآن اليوم؛ لأنّه موجود. وإن أريد من الحياة العلم والإرادة، فإنّ فقدان القرآن لهذين ـ بمعنى أنّه لا يدرك بحيث يكون عالماً ويريد بحيث يكون قادراً ـ لا يساوق بطلانه اليوم، فكلّ الكتب الفكرية والعلمية والأدبيّة تصبح ميتةً اليوم، بل كلّما كتب شخصٌ نظرية فهي ميتة وينبغي إهمالها بناءً عليه؛ لأنّ النظريات الموجودة في الكتب ليست سوى ورقاً جامداً ميتاً لا علم فيه في حدّ نفسه ولا إرادة، وليست فيه حياة نباتية ولا حيوانية ولا إنسانيّة، ويلزم أن تكون هذه الإشكالية نفسها أمراً ميتاً لا قيمة له. وإن لم يكن الميت لا قيمة له بحيث يجتمع الموت مع القيمة، فسيكون القرآن ميتاً ـ لو سلّمنا بالتعبير ـ وفي نفس الوقت له قيمة وموضوعية ودور وريادة تماماً كسائر العلوم والنظريات فلماذا يشمله الإشكال ولا يشمل غيره؟
رابعاً: إنّ هذه الإشكاليّة لم تستطع ـ بحسب فهمي المتواضع ـ تفسير الآية الكريمة التي أخذت شاهداً هنا بطريقة صحيحة، فنحن لو استقرأنا آيات القرآن الكريم التي وردت فيها كلمة النفس واشتقاقاتها، فسوف لن تعني سوى النفس الإنسانية، وعلى أبعد تقدير النفس الملائكيّة ـ إذا صحّ التعبير ـ والنفس الحيوانية والجنّ، فعندما نقول: (كل نفس ذائقة الموت) فالآية في أقصى ما تدلّ عليه تعني نفوس البشر وأمثالهم، فلا يعلم أنّ المراد كلّ ما هو نفس، حتى لو لم يكن إنساناً أو حيواناً أو ملكاً أو ما شابه ذلك، ويمكنكم مراجعة الآيات القرآنية بهذا الصدد لتروا أنّه لا يمكن ـ من الناحية الدلالية ـ ادّعاء إطلاق كلمة النفس لكلّ ما ليس بميّت، فالنباتات لم يطلق عليها القرآن عنوان النفس مع أنّه تعرضها الحياة والموت، وعلينا اتباع الدلالة اللغوية لمعرفة ماذا يريد النصّ القرآني من النفس هنا، حتى نتمكّن من إلزامه بما يقول، والقدر المتيقن من الدلالة هو ما أشرنا إليه، فلو كانت للقرآن نفسٌ لما أحرزنا أنّها مشمولة لهذه الآية الكريمة، ولو كانت هناك آية لها دلالة عموميّة لكان ذلك نتيجة عنصر شاهد في النصّ نفسه، وإلا فمن يقرأ القرآن بعشرات الآيات التي وردت فيها اشتقاقات كلمة النفس، سيجد أنّ المراد هو الكائنات الحيّة التي لديها نوع من الإدراك والإرادة، ومن ثمّ لا يكون القرآن مشمولاً لقوله: (كلّ نفسٍ ذائقة الموت)؛ لانصراف كلمة النفس هنا لما هو مثل الإنسان والجانّ وأمثال ذلك.