السؤال: يقول الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وجاء في الحديث الشريف: (لا تعرفوا الحقّ بالرجال)؟ من هم أهل الذكر؟ أوليس هم من هؤلاء الرجال؟ ألا يلزم هذا الدور وهو باطل كما تعلمون؟ خاصّة ونحن في زمن فتن بين المتمسّكين ـ كما يظهر ـ بالعروة الوثقى وولاية أهل بيت النبوة عليهم السلام. (خليفة).
الجواب: لا تنافي بين الآية الكريمة والحديث المشار إليه؛ لأنّ جهتي النظر مختلفتان، فإنّ الآية في أبعد مدياتها تأمر بالرجوع إلى من عنده العلم، فإذا لم يكن لديّ علم فإنّ عليّ أن أرجع لمن عنده هذا العلم لأستفيد منه علماً، لاسيما وأنّ مورد الآية هو مورد عقائدي كما يظهر من سياقها، حيث التشكيك في بشرية الأنبياء ونبوّتهم، والأمر العقائدي الذي من هذا النوع يحتاج لتحصيل العلم به، فيكون الإرجاع إليهم إرجاعاً لما يفيد العلم لا للأخذ بقولهم مطلقاً وبما هم في ذاتهم. فالظاهر من الآية الكريمة أنّ وجوب السؤال كان لأجل تحصيل العلم من ورائه لا بهدف العمل بالجواب تعبّداً، فإنّه إذا قيل لك: سل إن كنت جاهلاً، فإنّ معنى هذا أنّ عليك السؤال كي تحصل على علم فترفع بذلك جهلك، لا لكي يأتي جواب لا يرفع الجهل وإنما لتأخذ به لأنّ فلاناً قاله، دون أن يكون هناك ما يلزمك بالتعبّد بقول فلان شرعاً. ويعزّز هذه المقولة ـ كما قلنا ـ ورود الآية في أصول الدين وعلامات النبي$، وهذه مما انعقد الإجماع على عدم العمل فيه بالتعبّد؛ وتخصيص المورد مستهجن، فلا يمكن إخراجه.
أمّا الحديث (الحقّ لا يعرف بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله/ إنّ دين الله لا يعرف بالرجال، بل بآية الحقّ، فاعرف الحق تعرف أهله..) فهو ينهى عن أن نجعل الرجال معياراً للحقّ والباطل، فمعيار الحقّ والباطل هو سلامة المضمون وصحّة الدليل الذي يعطيني إياه الرجال لا نفس الرجال، ففي الحقيقة يريد الحديث منّي أن أعرف الرجال بالحقّ، وليس العكس، فيما تريد الآية منّي أن أعرف الحق. وسبيل معرفة الحق هو بالعودة إلى الرجال لا بما هم رجال، بل بما هم يقدّمون لي العلم، فالمرجع في رجوعي إليهم هو علمهم وما يعطونني ممّا يوجب إقناعاً معرفيّاً، لا ذواتهم وأشخاصهم. نعم لو كان هؤلاء الرجال معصومون من عند الله فإنّ ذواتهم وأشخاصهم ستكون بالنسبة لي معياراً ـ كما هي الحال في الأنبياء مثلاً بعد الاعتقاد بنبوّتهم بدليل علمي ـ إلا ما خرج بالدليل. ولعلّه لما قلناه كان التعبير هنا بـ (أهل الذكر) المشير لعلمهم، بينما التعبير في الحديث بـ (الرجال) المفيد لذواتهم فقط.
وأمّا واقع حالنا اليوم من اختلاف المتمسّكين بالنبي وأهل بيته فيما بينهم في الأمور الفكرية والعقائديّة والثقافية، فإنّ على الإنسان الرجوع إلى أهل العلم من الأطراف المختلفة، ومعرفة أدلّتهم حيث يمكن، فما أوجب اقتناعه أخذ به وما لم يقتنع به تركه، ولو تردّد فإنّ عليه عدم البتّ، واختيار التوقّف، فإنّ في ذلك الاحتياط الذي هو سبيل النجاة. ومن الجدير القول بأنّ الحديث المشار إليه في سؤالكم قد ورد في بعض المصادر جواباً من الإمام علي عليه السلام للسائل الذي سأله عن اختلاف الشيعة (انظر: تفصيل وسائل الشيعة 27: 135)، فيتحدّث مباشرة عن حال موالي أهل البيت وشيعتهم (إمّا ولاء سياسيّاً أو عقائديّاً) عند الاختلاف، وأنّ علينا أن نذهب خلف الحقّ لا خلف فلان لأنّه كذا، أو فلان لأنه كذا. نعم لو كانت الأدلّة تشير إلى لزوم الأخذ بقول فلان تعبدّاً ولو لم نقتنع به، أخذنا بالأدلّة التي تمثل الحقّ حينئذٍ وسلّمنا له تسليماً، كما نفعل مع الرسول الأكرم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.