السؤال: هل ترون من تعارض بين ما تذهبون إليه من الأخذ بالظروف الزمكانية لتأويل الفعل التشريعيّ، وما بين القول المتواتر والشائع الجامع (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)؟ مع الشكر والتقدير (الموسوي).
الجواب: لا يوجد أيّ تعارض؛ لأنّنا نتكلّم في الفعل لا في النصوص القوليّة الواردة في الكتاب والسنّة، والأفعال تحتمل وجوهاً، فعلينا الجزم بالدائرة التي يدلّ عليها الفعل، فلو فعل النبيّ فعلاً، وشككنا في أنّه هل صدر منه هذا الفعل؛ لأنّه كان مضطراً أو لا؟ ففي هذه الحال لا نستطيع ـ إذا تحقّق الشك الحقيقي نتيجة معطيات تفرض الاحتمال ـ أن نقول بأنّ هذا الفعل جائز مطلقاً؛ لأنّ النبيّ فعله، بل لابدّ من الأخذ بالقدر المتيقن بعد حصول الشك عندنا، والقدر المتيقّن هنا هو جواز هذا الفعل عند الضرورة، أمّا غيره فلا نستطيع ـ من خلال الفعل نفسه ـ إثبات جوازه، ولهذا تجد بعضهم يقول بأنّ جلسة الاستراحة في مثل الركعة الأولى بعد السجدتين أو وضع اليمين قبل اليسار على الأرض عند النزول للسجود، لا يُعلم استحبابه؛ لأنّه لو فعله النبيّ فقد يكون ذلك لكونه مسنّاً لا يقدر على النزول إلا بهذه الطريقة، أو لا يقدر على الوقوف من السجود فوراً إلا بالاستراحة قليلاً، لو فرضنا أنّ الدليل الوحيد على هذين الفعلين هو فعلٌ نبويّ مثلاً، بل لابدّ من تفتيت هذا الاحتمال، لو جاء بشكل منطقي لا بشكل فرضي وسواسيّ، وربما يكون تفتيته من خلال إثبات معطيات تاريخيّة تُبعده عن أن يكون واقعيّاً، فكلّما كان الفعل سيرة مستمرّة من المعصومين تقلّص الشك في الدائرة وإلا زاد. ومن هنا تجد العلماء مختلفين في كيفيّة الاستناد لحركة الإمام الحسين عليه السلام، فبعضهم يراها منطلقاً لشرعيّة كلّ حركة تغيير ثوري، وبعضهم يحصرها بما إذا كان الخليفة مدّعياً لمقام الخلافة العامّة للمسلمين نيابة عن النبيّ، وبعضهم يجعلها من خصوصيّات الإمام عليه السلام وغير ذلك.
وهذا هو ما يسمّيه علماء أصول الفقه بالدلالة الصامتة للفعل؛ لأنّه ليس فيه إطلاق ولا بيان لفظي جليّ، فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن فيه، وهذا لا ينافي خلود الأحكام؛ لأنّنا لا نتكلّم في خلود الحكم الذي عرفناه بالفعل النبوي، بل نتكلّم فيما هو الحكم الذي يمكن فهمه من خلال الفعل النبوي ليكون خالداً، وذلك نتيجة اختلافنا في تفسير منطلقات الفعل النبوي، ولمزيد من الاطلاع يمكنكم مراجعة كتابي المتواضع (حجية السنّة في الفكر الإسلامي، قراءة وتقويم: 599 ـ 636)، حيث تحدّثت هناك عن مسألة الفعل النبوي وقوانين التعامل معها وفهمها. وعليه فمن اللازم أخذ الظروف الزمكانية بعين الاعتبار لتفسير الفعل النبوي واستخراج الدلالة الشرعيّة منه، وبعد ذلك نقول بخلود هذا الحكم المستنبط من الأفعال النبويّة.