السؤال: سألتني ابنتي حول دعاء العهد، وبالخصوص عبارة: (وأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي..)، فقالت: إنّ الجهاد على الرجال، لا على النساء، فهل هذا الدعاء يشمل النساء وأنّهنّ أيضاً يخرجن ويقاتلن أم لا؟ وكيف يمكن توجيه العبارة المذكورة؟ وأيضاً في نفس الدعاء عبارة: (ومجدّداً لما عطّل من أحكام كتابك، ومشيّداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيّك)، فهل هذا التعطيل بعلم العلماء الآن أم لا؟ وإذا كان بعلمهم فكيف يمكن حدوث مثل هذا التعطيل؟ (علي).
الجواب: أولاً: المشهور بين المسلمين أنّ الجهاد ليس بواجب على النساء، ولكنّني توصّلت إلى وجهة نظر مختلفة بعض الشيء هنا، يمكنكم أن تراجعوها في كتابي: (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 2: 239 ـ 250)، إذ رأيت هناك أنّ الحكم بسقوط الجهاد على المرأة ليس سوى حكمٍ بملاك عدم القدرة عادةً على الجهاد، لا بملاك الأنوثة بما هي هي، فلو تطوّرت وسائل الحياة بحيث صارت المرأة لديها القدرة على الجهاد كالقتال عبر الأجهزة الحديثة ونحو ذلك، وجب عليها الجهاد كفايةً كالرجل تماماً، ما لم يلزم أيّ محذور آخر، وإنّما استخدمت النصوص عنوان المرأة بوصفها كائناً ضعيفاً عن خوض نمط الحروب التي كانت في الماضي عادةً، فكان تكليفها بالجهاد فيه حرج نوعي، ونتيجتي هذه مبنية تارةً على عدم صحّة أيّ حديث سنداً عند الإماميّة ـ مع قلّة الأحاديث الإماميّة هنا ـ بحيث يسقط الجهاد عن المرأة بعنوان كونها أنثى، ويخرجها عن العمومات، وأخرى على اختصاص حجيّة الخبر بالمطمأنّ بصدوره، وقد بيّنتُ هناك أنّ الخبر المطمأنّ بصدوره يصعب تحصيله هنا بملاك الأنوثة مطلقاً.
ثانياً: إنّ الفقه الإسلامي يرى عدم وجوب الجهاد على المرأة لا حرمة الجهاد عليها، فلا مانع من أن تشارك في الجهاد غير أنّه ليس بواجب، ومن ثم فالدعاء لا يعارض هذا المفهوم.
ثالثاً: إنّ تعطيل الأحكام لا يلزم أن يكون بالضرورة عن علم، فقد تُعطّل الكثير من الأحكام الشرعيّة نتيجة الاجتهادات الخاطئة التي يُعذر عليها أصحابها، كيف وكثير اليوم من أنصار الإسلام السياسي ـ إذا صحّ التعبير ـ يقولون بأنّه عُطّلت الكثير من الأحكام نتيجة اجتهادات خاطئة. بل لنفرض أنّها عُطلت عن عمد مع العلم بها، فهذا لا يعني أنّ علماء الدين بيدهم أمر تنفيذ الأحكام؛ لأنّ الواقع ليس كلّه بيد علماء الدين حتى نقول بأنّه لو عطّلت بعض الأحكام فهم يتحمّلون المسؤوليّة، فقد يكون تعطيل بعض الأحكام خارجاً عن قدرتهم على التغيير، ولا يكلّف الله نفساً إلا وسعها، بل حتى لو فرضنا أنّ بعض الأحكام عطّلت وهم سكتوا، فهل هم معصومون حتى نقول بأنّه يستحيل عليهم ذلك؟! نعم من البعيد جداً أن تعطّل الأحكام الإلهيّة ولا يُبدي ولو بعض العلماء موقفاً رافضاً ـ ولو كلاميّاً ولفظيّاً ـ لاسيما مع مرور زمنٍ طويل وعدّة أجيال على عمليّة التعطيل هذه.
رابعاً: إنّ الكثير من الأدعية جاءت متناسبةً مع ذكوريّة النبيّ أو الإمام، لأنّه هو الذي يقول هذا الدعاء، وقد تأتي متناسبةً مع حالته، فأنت عندما تقول في الدعاء مثلاً: (حرّم شيبتي على النار)، مع أنّه قد يكون عمرك خمس عشرة سنة، فلا لحية لك فضلاً عن شيبة ـ ومثل هذا كثير في الأدعيّة ـ فهنا إمّا أن يُلتزم بالتلفّظ بهذه الألفاظ تعبّداً، أو يقال بأنّ على كلّ إنسان أن يقول ما يناسب حاله، وإنّما قال الإمام ما قال لأجل تناسب ما قاله مع حاله من كونه ذكراً كبيراً في السنّ له شيبة أو غير ذلك، فأنت تسأل الله الحفظ لأولادك وقد تكون عقيماً لا ولد لك، وهكذا، ما لم ندخل في التقديرات والتأوّلات، كأن نقول بتحريم شيبتي على تقدير كبر سنّي، أو بحفظ أولادي على تقدير مجيئهم في المستقبل.
وأجد نفسي أميل ـ ولا ِأجزم ـ إلى الحلّ الثاني، وهو أنّ هذه الأدعية قالها النبيّ أو الإمام متناسبةً غالباً مع حاله، فلا مانع من تغييرها بما يتناسب مع حالنا، شرط عدم نسبة التغيير إلى النبيّ أو النصّ الشرعي. وأزعم أنّ الإطلاقات ما دامت لا تشمل حالك، فهي لا تشملك، فلا معنى ـ بمناسبات الحكم والموضوع بالاصطلاح الأصولي ـ لأن يشملك الدعاء بموضوع الشيبة مثلاً وأنت بلا لحية أساساً، لاسيما وأنّه ورد في بعض الأدعية أنّه عندما تقول مثل هذه الكلمات تضع يدك على شيبتك، فلابدّ من موضوع لهذه التصرّفات يكون مفروضاً سلفاً حتى يكون الإنسان مشمولاً لذلك. وهكذا عندما يكون ظاهر الدعاء ذكوريّة الداعي أو كبر سنّه أو صغر سنّه أو كون والديه أحياء أو متوفيّن أو كونه يملك مالاً كثيراً أو بالعكس، فلا معنى لأن تقرأه المرأة بهذه الطريقة الخاصّة بحالة كون الداعي رجلاً، أو يقرأه صغير السنّ أو كبيره إلى غير ذلك من الحالات. نعم بعض النصوص التي لا يظهر منها أنّها تحكي عن حالك الآن لا مانع منها، كما ألمحنا أعلاه.