السؤال: يصادف في العمل أن تواجه أشخاصاً قد ابتلوا بالشهوات، وتعلّقت قلوبهم بالدنيا، فدخلوها من باب الرياء؛ لكسب المنزلة في القلوب، وامتهنوا التملّق لأصحاب العمل؛ لاستمالتهم وكسب رضاهم، وعملوا جهدهم للحصول على منصبٍ هنا أو جاهٍ هناك. ما هي نصيحتكم للتعامل مع هكذا شخصيّات، والتي غالباً ما تكون صعبةً ولا تقبل النصيحة أو الموعظة؟ (حسن الحاج، لبنان).
الجواب: نصيحتي الخاصّة هي أن لا تسمح لهؤلاء ـ إذا لم يكونوا مستحقّين ـ بأن يجعلوك جسراً لمصالحهم الشخصيّة، أو أن يستغلّوك في حضورك وغيابك كي يحقّقوا مآربهم الذاتيّة التي لا يستحقّونها وفقاً لطبيعة الأشياء. وأن تعمل على التأثير غير المباشر فيهم؛ علّهم يرجعون إلى رشدهم، وأن تدرس الأسباب التي دفعتهم لذلك فلعلّ المجتمع كلّه والفساد القائم في رأس الهرم هو الذي يفضي إلى صيرورتهم كذلك أحياناً، فيصبحون بنظرك ضحايا ومرضى بعد أن كانوا مجرمين، فتتعامل معهم ـ أحياناً ـ معاملة الرحيم الشفيق.
كما ومن الضروري أن لا تتأثّر بهم ولو من حيث لا تشعر، فكثيراً ما ننتقد ظواهر نمارسها دون أن ننتبه، فتؤثر الظواهر المرفوضة لدينا في شخصيّتنا ونحن نمارس رفضها، وهذا داءٌ كبير يبتلي به الكثير من الناس.
وإذا كان فيما يفعلونه ضرر صاحب العمل أو ضرر شخص محترم النفس والمال والعرض كان من المناسب تنبيه الآخرين بطريقة أو بأخرى كي لا يقعوا ضحايا هؤلاء النفعيين الوصوليّين، وكان من المناسب السعي لتظهير العاملين الحقيقيّين والكفوئين وعدم غيابهم أو تغييبهم بفعل تملّقات هؤلاء النفعيين المصلحيّين. عصمنا الله من مثل هذه المآسي التي تنخر حتى العظام في كثير من مؤسّساتنا ودولنا ومجتمعاتنا، بسبب غياب القيم تارة، والقانون أخرى، والتوازن السلطوي ثالثة، ومنطق المحاسبة رابعة، ومنطق معايير الكفاءات خامسة، وحضور منطق الولاءات والمحسوبيّات والتحايل على القانون والتلاعب حتى بالدين وبما هو أشرف شيء في حياة البشر و..
وسيبقى الإنسان في تعامله مع الله ومع الإنسان هو هذا الإنسان إلا من رحم الله، هو ـ كما قال الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (1679م) ـ: (الإنسان للإنسان ذئب) أو (الكلّ في عدوان على الكل). إنّها أقنعة البشريّة التي يضعها كثيرٌ من الناس على وجه الذئب المختفي تحتها، وهي أقنعة تضلّل الآخرين، لأنّهم يرتاحون معها، لكنّهم يشمئزون عندما يرتفع القناع فيظهر الوجه الحقيقي العنفي المتوحّش.
قال تعالى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر 1 ـ 3)، وقال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم: 32 ـ 34).