السؤال: أنا مسلمة وأؤمن بقضاء الله وقدره، سأجتاز هذه السنة شهادة البكالوريا، لكن أحياناً أشعر بأنّي إذا فعلت شيئاً يُغضب الله ـ كالكذب مثلاً ـ فلن يوفّقني في دراستي، وأنّه لن يغفر لي، فهل أنا على صواب أم لا؟ (شاهيناز).
الجواب: مبدأ أن يشعر الإنسان بأنّ الله يمكن أن يعاقبه في الدنيا على أمرٍ غير أخلاقي أو غير شرعي صدر منه هو شيء جيّد، وهو منبّهٌ ضميري وجداني لترك هذا العمل، والشعور بأنّ الله حاضر قد يجازيه في أيّ لحظة، فليست هناك مشكلة في ذلك، بل بالعكس. إنّما المشكلة حينما نقوم نحن ببلورة هذا الشعور بطريقة خاطئة فبدل أن نستفيد منه نحوّله إلى عنصر مضرّ بحياتنا وعملنا، إنّ إسقاط هذا الشعور على العمل الدراسي ـ بالطريقة المبيّنة في السؤال ـ يمكنه أن يربكنا ويقلقنا ويشعرنا بأنّنا قد نفشل، ويُذهب من نفوسنا الطمأنينة اللازمة عند الدخول إلى قاعات الامتحان، ومن هنا وحيث إنّنا نشعر بالندم على الفعل الذي ارتكبناه ونتوب إلى الله، فعلينا أن نوازن بين الخوف والرجاء، ونعرف أنّ الله يغفر، ولمِ لا يغفر وهو المعلن بصراحة أنّه يغفر الذنوب جميعاً إذا تاب الإنسان منها؟! وهو الذي أعلن بصراحة في آيات كتابه أنّ القنوط من رحمته واليأس من روح الله كفرٌ به وجهلٌ بالباري الرحيم الرؤوف تبارك وتعالى، فالمطلوب هو التوبة دوماً من كلّ أخطائنا وذنوبنا، والتوجّه إلى أعمالنا بروحٍ لديها الأمل بأنّ الله قد تاب علينا حتى لو لم نتمكّن من أن نحصل على علمٍ بذلك، وقد ورد في بعض الروايات أنّ من آداب الدعاء أن تدعو الله وأنت تحسن الظنّ به وتشعر بأنّه سوف يستجيب لك يقيناً وتطمئنّ لذلك، فهذه التربية الروحيّة هي تربية ملؤها الأمل، فعندما تطلب من الله شيئاً وتتمسّك بأسمائه الحسنى في عالم الرحمة والرأفة، وعندما تتوب إليه، وعندما تطّلع على سعة رحمته.. ينتابك هذا الأمل الكبير بأنّه سيكون معك وسوف يوفّقك، وهذا الأمر هو مفتاح العمل في الحياة، فالخوف من الله شعورٌ يدفع للعمل الصالح وينهى عن العمل السيء، والثقة بالله وحسن الظنّ به شعورٌ يفتح على الأمل بنتائج أعمالنا الطيّبة في هذه الدنيا وفي الآخرة. فلنترك إحساس اليأس والقنوط ولنترك الأحاسيس التي تربك مشاعرنا وحياتنا، ولنتجّه إلى الله بنفسٍ ملؤها الإقرار بالذنب والاعتراف به والإحساس برحمة الله وعطفه وحنانه، فالله إذا تبنا يتوب علينا.
ما معنى يتوب علينا؟ إنّ التوبة في اللغة تعني الرجوع، فنحن نبتعد كلّ يوم عن الله بمعاصينا، وعندما نرجع إليه (نتوب) فهو يتوب أيضاً، بمعنى أنّه يرجع إلينا بعد أن كان قد أعرض عنّا وابتعد عنّا بسبب ذنوبنا وعصياننا له، فبمجرّد أن نخطو نحن نحوه خطوةً سنجده يخطو نحونا خطوات، فهو كالصديق العاتب على صديقه والمعرض عنه والمبتعد عنه، فهذا الشخص إذا أحسّ بأنّ صديقه ندم وبدأ يتجه إليه فهو طيّب القلب، سرعان ما يميل بوجهه نحوه ويسرع الخطى لكي يحتضنه، وهذا معنى الآيات والروايات الكثيرة التي تتحدّث عن أنّ الله إذا تبنا إليه تاب، وهذا معنى أنّ الله توّاب رحيم (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (النصر: 3)، فهو لا يتوب من ذنبٍ ارتكبه، بل يرجع إلينا بعد أن رجعنا إليه وتركناه بسبب ذنوبنا التي ارتكبناها، فالله رحيمٌ أكثر ممّا نتصوّر، ولهذا وصف نفسَه بصيغة المبالغة (توّاب) فهو كثير الرجوع. والمطلوب هو أن نُبدي ولو إشارة بسيطة تعبّر عن حُسن نيّتنا تجاهه.
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا ويمنح قلوبنا أملاً به لنرى الحياة بعيون الطمأنينة الآتية منه ومن ذكره: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُ الْقُلُوب) (الرعد: 28).
حقيقة ادمعت عيناي لرؤية اجابتكم المفعمه بالامل ….بودي تقبيل جبهتك المباركه
احسنت بارك الله فيك