السؤال: كيف تقيّمون المرويّات طويلة الذيل، والتي قد يصل بعضها إلى أكثر من ثلاث صفحات من كتابٍ كبير؟ هل يعقل أنّ الراوي حفظ كلّ ما قيل، فنقله كما هو؟ وأتصوّر أنّ هذه مشكلة تواجه التاريخ الإسلامي الذي قد يذكر محاورات مطوّلة بين شخصين كانا لوحدهما في مكان منعزل؟ (محمد عباس، من البحرين).
الجواب: لا يفصّل كثيرٌ من العلماء في هذا الموضوع، والعلامة الشيخ آصف محسني ـ صاحب كتاب مشرعة بحار الأنوار ـ يتحفّظ على الروايات الطويلة، إلا أنّ ما يترجّح لديّ شخصيّاً هو أنّه يجب التفصيل هنا وممارسة تحقيب زمني، فهنا حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون المرويّ راجعاً إلى القرن الأوّل الهجري ما قبل شياع التدوين والاستنساخ والإملاء من المشايخ للتلامذة:
1 ـ فإن كان المضمون بطوله ممّا يحتمل فيه أن يكون نقلاً بالمعنى أو إخباراً عن حدثٍ (قصّة) له أكثر من فقرة، فيتعامل معه على أساس أنّه نقلٌ بالمعنى يحتمل فيه الخطأ نظراً لطوله؛ لأنّه كلّما طال المنقول زاد احتمال خطأ الناقل في بعض التفاصيل، ما لم يثبت لدينا من دليل خارجي أنّ الناقل يشكّل حالةً استثنائيّةً في الحفظ والضبط.
2 ـ وأمّا إذا كان ظاهر المنقول أنّه يُنقل باللفظ، كما في حال الأدعية والزيارات وأمثالها، فإن ثبتت خصوصيّة للناقل في مجال الحفظ الاستثنائي، أو كان المنقول ممّا قد سمعه الناقل مراراً من المرويّ عنه، كما لو كان دعاءً يوميّاً سمعه منه لأيام كثيرة، أمكن الأخذ بالحديث، وإلا كان الوثوق بمثل هذا الحديث مشكلاً، فلا يصحّ العمل به على نظريّة الوثوق في حجيّة الأخبار، ما لم يحصل تعاضد بين المرويّات.
الحالة الثانية: أن يكون المرويّ راجعاً إلى القرن الثاني الهجري ومرحلة شيوع الإملاء والكتابة المباشرة عن الشيخ، كما في أواخر عصر الإمام الصادق (148هـ)، وكذلك في عصر الكاظم والأئمة من بعده، فلا يمكن ردّ الحديث لأجل طوله؛ لأنّ التدوين المباشر كان كثيراً وشائعاً في تلك الفترة عند الشيعة والسنّة، نعم قد تقوم بعض الشواهد التي تستبعد في قضيةٍ هنا أو هناك التدوين، فيؤخذ بهذه الشواهد وإلا تحكّم الحالة الغالبة.