السؤال: أدلّة إثبات نبوّة الأنبياء بالمعجزات تثبت أنّ خلف مدّعي النبوة كائنٌ متفوّق وليس بالضرورة أن يكون هو الصانع جلّ وعلا، فكيف نثبت أنّ الله سبحانه هو الذي بعث هذا النبيّ وأعطاه المعجزة؟ (لؤي نعمة).
الجواب: لو تأمّلنا في الآليّة التي اعتمدها المتكلّمون المسلمون لإثبات البعثة النبويّة بالمعجزة، لرأيناها تقوم على افتراض رابطةٍ منطقيّة بين المعجزة وكون الله تعالى هو الذي يقف خلف هذا النبيّ أو خلف هذا الشخص مدّعي النبوّة. وأحد الأسباب عندهم في هذا هو أنّ إعطاء الله المعجزة لهذا الشخص مع كونه غير نبيٍّ حقيقةً، بل هو كاذب في دعوى النبوّة، معناه تغرير الجاهلين وإيقاع الناس في الضلال القهريّ؛ لأنّ عقولهم النظريّة والعمليّة سوف تدفعهم ـ منطقيّاً، وبشكل صحيح ـ لافتراض أنّ الذي مكّن هذا المدّعي من المعجزة ليس سوى الله؛ لفرض عدم قدرته على فعل ذلك بنفسه، وبذلك ستكون لهم حجّةٌ أمام الله سبحانه في اتّباعهم هذا الشخص الكاذب في ادّعاء النبوّة، لأنّ المفروض أنّه يدّعي النبوّة من الله ويقيم عليها هذه المعجزة دليلاً.
ووفقاً لهذه الرابطة المنطقيّة المفترضة عند المتكلّمين المسلمين، والتي تقوم على أصول العقل العملي في استحالة صدور القبيح من الله سبحانه، ومنه تغرير الجاهلين وتضليل الناس بغير وجه حقّ.. وفقاً لذلك، لا فرق بين أن يعطي الله هذا النبيّ هذه المعجزة بنفسه أو يمكّن ويسمح لقوّةٍ خارقةٍ من مخلوقاته أن تمنحه هذه المعجزة، إذ على كلا التقديرين سوف يكون الله ـ بإعطائه المعجزة بنفسه للنبي أو بتمكينه القوّةَ الخارقة أن تعطيه هذه المعجزة ـ قد غرّر الجاهلين وأوقع الناس في الضلال المنطقي (وأرجو التوقّف عند كلمة المنطقي)، أي إنّ ضلالهم صار منطقيّاً تستدعيه عقولهم السليمة النظرية والعمليّة، كما تستدعيه فطرتهم المستقيمة التي أودعها الله فيهم واحتجّ عليهم ولهم بها، إذ سيقولون بأنّ الله مكّن هذا النبيّ من ذلك سواء بإعطائه المعجزة مباشرةً أو بتسهيله لقوّةٍ خارقة أن تعطيه هذه المعجزة، وهذا محالٌ على الله تعالى. إذن لا فرق في الموضوع وجوهر الاستدلال الكلامي بين إعطاء الله هذه المعجزة للنبيّ بالمباشرة أو تمكينه وتسهيله أخذَ النبي لها من قوّةٍ خارقة أخرى على مرأى من الله ومسمع، وهو يرى أنّ هذا الشخص يستدلّ على كونه مبعوثاً من عنده بأمرٍ خارق، فسكوته سوف يفهم من قبل العقول المستقيمة على أنّه رضا وإلا كان تغريراً بالناس، فالموضوع ليس موضوع أن يملك موسى بن عمران معجزة، بل الموضوع أن يقدّمها دليلاً على كونه مبعوثاً من عند الله. وبهذه الطريقة سوف يرفع المتكلّمون المسلمون مثل الإشكال الذي ذكرتموه، بناءً على صحّة وجود مثل هذه الرابطة المنطقية المفترضة عندهم، وحتى يكون إشكالكم أكثر دقّةً يجب أن ينصبّ في صياغته على نفس الرابطة المنطقية المفترضة على أصول العقل العملي، لا على التمييز في معطي المعجزة بين الله وقوّة أخرى خارقة يفترض أنّها غير منفصلة عن دائرة السلطان الإلهي، وأنّها ليست في عرضه بل في طوله، فإنّ الموضوع عندهم ليس من يعطي المعجزة بالمباشرة (كيف وبعضهم قال بأنّ الأنبياء لا يُعطَون المعاجز، وإنّما هم من يصنعها)، وإنّما في أنّ جريان المعجزة على يدّ مدّعي النبوّة ـ لا على يد أيّ شخص ـ هو دليلٌ منطقي يسمح للعقل العملي للبشر أن يتبعوه، فإذا كان كلامه غير صحيح، فإنّ إجراء الله المعجزة على يديه ـ ولو بأخذها من قوّةٍ خارقة ـ سيكون قبيحاً، والقبيح محالٌ على الله سبحانه، وسيكون حجّةً للناس على الله؛ لأنّ الرابطة بين المعجزة وصدق النبي هي رابطة منطقيّة عند المتكلّمين المسلمين، فهي حجّة واقعيّة لا وهماً، والمفروض أنّه لا حجّة لهم عليه سبحانه بل لله الحجّة البالغة. أرجو أن أكون قد وفّقت في بيان جهة الموضوع بالدقّة.