السؤال: يقول الله تعالى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (لقمان: 34). يعترض البعض على هذه الآية الكريمة بالقول: إنّ الإرهابي حين يريد تفجير نفسه في مكان معيّن فهو يعلم حتماً بأنّه سيموت، وهذا العلم يتعارض مع مضمون الآية الكريمة التي أوردناها آنفاً.. ونفس الحال يسري لمن يريد الانتحار، فكيف نفسّر علم الانتحاريّ بأنّه سيموت، وقول الآية بأنّ هذا العلم من مختصّات الله تعالى؟! (محمد الدوخي، العراق).
1 ـ أمّا على أصول القوم في الفهم، فيفترض أن تدلّ الآية الكريمة على أنّه ما من نفسٍ تدرك الموضع الذي تموت فيه، ومن ثمّ فيأتي إشكالكم أعلاه، وقد نجيب عنهم بأجوبة افتراضيّة، ولو لم نلاحظها في كلماتهم، لكنّ روحها متناسبة مع مناهجهم في فهم هذا اللون من النصوص ـ وبصرف النظر عن موقفنا من هذا النوع من الأجوبة، فقد يكون بعضها صحيحاً وقد يكون بعضها الآخر غير صحيح ـ مثل:
أ ـ إنّ الآية تنفي إدراك الإنسان في حدّ نفسه بمكان موته، لكنّها لا تنفي إدراكه بمكان موته على تقدير إعلام الله تعالى له، كما يقال في بعض الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، فتكون حالة تعليم الله خارجة عن دلالة الآية؛ لأنّ الآية ليست في مقام بيان نفي علم الإنسان إلا لتؤكّد علم الله بهذه الأشياء، فإذا علم الإنسان مكان موته في حالة خاصّة بتعليم الله تعالى له عبر أيّ طريق فيكون خارجاً عن مورد الآية الكريمة.
ب ـ إنّ الآية استخدمت صيغة المضارع، أي لا تعلم النفس بأيّ أرض تموت، ولم يقل بأنّها لا تعلم بأيّ أرض ماتت، ومعنى ذلك أنّ حالة النفي في الآية تعلّقت بإدراك الإنسان قبل حصول الموت، فلا يعلم زيد الآن متى يموت أو أين يموت، وهنا يقال بأنّ الآية صادقة؛ إذ في حالة ما قبل الوفاة لا يمكن لأحد أن يتأكّد ويصبح له إدراك ووعي وعلم بمكان موته؛ لاحتمال وفاته بتوقّف عقله أو قلبه عن العمل فجأة قبل انتحاره، وفي هذه الحال يمكن أن نقول بأنّه لا يعلم مكان موته بنحو اليقين قبل موته، ما دامت مثل هذه الاحتمالات واردة في ذلك الظرف الزمني السابق على الموت، حتى لو تطابق ظنّه القويّ بالموت منتحراًَ في المكان الفلاني مع الواقع بعد تحقّق الانتحار؛ فإنّ الآية تنفي حصول العلم له قبل الموت، حتى لو تطابق احتماله قبل الموت مع واقع ما جرى معه بعد الموت، فأنت لو احتملت أنّ حادث سير سوف يقع عند الدوّار المقابل لمنزلك، ولم يزد احتمالك عن العشرين في المائة، ثم وقع الحادث، فهنا لا يقال بأنّك كنت تعلم بحصوله، حتى لو تطابق احتمالك مع ما جرى واقعاً في الخارج؛ لأنّك في ظرف الإدراك كنت تحتمل ولم تكن تعلم.
2 ـ وأمّا على طريقة فهمنا للنصوص، فقد يقال بأنّه لا يوجد إشكال أساساً، ولكي أوضح هذا الأمر أحيل القارئ إلى ما تعرّضتُ له مراراً في أبحاثي حول قضية منهج الفهم اللغوي للنصوص، لاسيما في كتاب حجية السنّة في الفكر الإسلامي، ولأنّ المجال هنا لا يسمح بالتفصيل في عرض هذه النظريّة التي أكتفي هنا بالقول بأنّني أفترضها وأطرحها للتأمّل، أكتفي بتوضيحات أوليّة، وأدعو الجميع للتأمّل في هذا النمط من فهم النصوص، ولعقد ندوات نقديّة وتحليلية في هذا المجال.
تقول الفرضيّة: إنّ مشكلتنا الأساسيّة هي عين تلك المشكلة التي تورّطت المسيحية بها، وهي أنّنا أتينا بالعقل اليوناني لكي نفهم من خلاله النصوص الدينية التي جاءت في مناخ عربي معروف، فعندما أتى المسلمون بالعقل اليوناني بكلّ محدِّداته وقوانينه الصارمة المنطقية، بدأوا ينظرون إلى العالم على أنّه عبارة عن أشكال هندسيّة، مستطيلة ومربّعة ودائرية ومكعّبة ومعيّنة وغير ذلك، وصارت النظارات التي نرى فيها الأشياء هي النِّسب المنطقيّة الأربعة والقوانين الصارمة للقضايا التي طرحها المناطقة، فعندما نقول: كلّ إنسان فانٍ، فهي قضية كليّة، ومعنى الكليّة أنّه لو وجد إنسان غير فانٍ لبطلت قضيّة: كلّ إنسان فان، وتحوّلت من قضيّة كليّة إلى جزئية، والقضية الجزئية يجب تغيير سُوْرِهَا ـ بحسب الاصطلاح المنطقي ـ من كلمة (كلّ) إلى كلمة (بعض)، وتكون النتيجة (بعض الإنسان فان). إنّ المنطق لا يسمح لي بالتساهل في قوانينه الحادّة، فكلّ الزوايا فيه محدَّدة ولا توجد زاوية مدوّرة، واذا تشابكت دائرة مع دائرة أخرى، ظهرت صور هندسيّة عدّة، عناصر اشتراك وأخرى افتراق، وتغيّرت الصورة الهندسيّة الأولى تماماً.
عندما بدأ المتكلّمون المسلمون وعلماء الدين بالتأثر بنظام العقل اليوناني، تغيّر نمط الفهم في مجال وعي النصوص، وظهرت أسئلة كثيرة حول هذا النص أو ذاك، والسؤال علامة صحيّة ودليل خير، لكنّه عندما ينطلق من خطأ يصبح الجواب خطأ أحياناً؛ لأنّ الجواب قد يتأثر بالفضاء الذي جاء السؤال من خلاله، لقد ورّط المسلمون أنفسهم بعشرات التساؤلات حول النصوص، ليس لأنّهم قد ازدادوا علماً ووعياً دائماً ـ وإن كان هذا صحيحاً في الجملة ـ بل لأنّهم نظروا أحياناً للنصوص نظرة خاطئة، فطرحوا حولها أسئلةً ما كان ينبغي طرحها لو كان نظام الفهم مختلفاً، وأدّى الجواب عن هذه الأسئلة إلى هجران نمط الفهم اللغوي الذي نزلت النصوص في فضائه، وتدفّقت الأسئلة وبتنا في حيرةٍ سبّبتها لنا عُجمة الفهم.
لاحظوا معي ـ وقد تعرّضت لذلك في محاضراتي حول تاريخ علم أصول الفقه قبل عشرة سنوات ـ كيف أنّ علم أصول الفقه ولد من رحم علم الكلام، لا من رحم علم الحديث والفقه، خلافاً لما كان يقوله أمثال السيد الشهيد السعيد محمّد باقر الصدر رضوان الله عليه، وقد برهنتُ على ذلك تاريخياً في تلك المحاضرات المتواضعة. ولأنّ المتكلّمين هم الذين اشتبكوا مع الفلاسفة في المراحل الأولى لنفوذ الفلسفة في القرن الثاني الهجري، فقد تأثروا تدريجيّاً بنمط ومنهج الفهم الفلسفي اليوناني من حيث لا يشعرون ـ رغم أنّهم كتبوا ومنذ القدم في نقد تدخّل العقل اليوناني في فهم الدين ـ ثم نقلوه إلى علم الاجتهاد الشرعي عبر أصول الفقه، ولهذا جاء الإمام الشافعي رحمه الله ليؤلّف كتاب (الرسالة) في أصول الفقه بهدف تصحيح طريقة فهم النصوص العربية، كما يقول هو نفسه، فالعجمة كانت قد هيمنت على فهمنا للنصوص، ولله درّه من قائل قال الحقّ. لكنّ المؤسف أنّ علم الأصول ـ شيعياً وسنيّاً ـ سرعان ما انجرّ إلى عكس السبب الذي ولد لأجله، فصار هو أيضاً يفكّر بطريقة العقل اليوناني الصارمة الهندسيّة، وصرنا اليوم نشهد ـ شيعيّاً ـ دعوات لتخفيف الفلسفة من الأصول، كما شهدنا هذه الدعوات عند أهل السنّة منذ بضعة قرون، ولهذا أطاحوا عمليّاً بالكثير من تلك البحوث الأصوليّة المعقّدة وصارت عندهم جزءاً من التاريخ.
حسناً، ستقول لي: لم نفهم شيخنا! فهل تريدون حذف علم المنطق والفلسفة؟ وهل هذه العلوم من وجهة نظركم باطلة؟
والجواب: كلا، بل بالعكس، فقد كنت وما أزال من الداعين لهذه العلوم، بل ولبسطها وتوسعتها أكثر فأكثر، لكن ما أقوله هو أنّ هذه العلوم تعالج الواقعيّات، وهي مناهج في البحث العلمي الذي يدرس الحقائق وواقعيّات الأشياء، تماماً كالعلوم الطبيعية، لكنّ استخدام هذه المناهج والطرق والآليات في فضاء معرفي مختلف هو المشكلة، فالنصوص الدينية ـ لاسيما القرآن الكريم ـ هي نصوص أدبيّة بامتياز، تقوم على البلاغة والبيان والبديع وجمال الأسلوب واللفظ والمعنى وغير ذلك، والنصوص الدينية تحكي عن الواقعيات، لكنّها تحكي عنها بطريقة تختلف عن (لغة) العلوم والمنطق والفلسفات وطرائق عرضها وأساليب قضاياها وأشكال تنظيمها للأقيسة والبراهين، فلا أقول ـ وأرجو التدقيق جيداً ـ: تعالوا لنترك الفلسفة والعقليّات ومناهج البحث العلمي المعاصر، ولا أقول: إنّ القرآن لا يحكي عن الواقعيّات، كما قالها بعض المسيحيين حول الإنجيل وقالها بعض المسلمين حول القصص القرآني، وإنّما أقول: إنّ (لغة) القرآن والسنّة ليست ـ في الغالب على الأقلّ ـ (لغة) الفلسفة والعلم، وإن تعرّضت للموضوعات التي تعرّضت لها الفلسفة والعلوم أحياناً، فنحن هنا في (اللغة) لا فيما (تحكي عنه اللغة)، فليتأمّل جيداً.
هنا من الطبيعي أن تسألني: إذا لم يكن من الصحيح أن نفسّر القرآن ونشرحه كما نفسّر نصوص كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا، واذا لم يكن من الصحيح أن نفسّر الأحاديث النبويّة ونشرحها كما نفسّر ونشرح نصوص كتاب كفاية الأصول للشيخ الخراساني أو مختصر ابن الحاجب، فما هي الطريقة إذاً؟!
لا شك أنّ هذا السؤال مهمّ للغاية، وهناك وجهات نظر كثيرة في هويّة اللغة الدينية الكامنة في النصوص الدينية عند الأديان كلّها، ولا أريد أن أدخل هنا في هذا البحث المنتمي لمجال فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد ـ وقد طرحت هناك نظريات عديدة بين الإفراط والتفريط ـ وإنّما أريد أن أبسّط الموضوع وباختصار شديد وإشارات عابرة بما يسمح به المقام عبر مثال يقرّب الفكرة، وهو (الأمثال الشعبيّة).
إنّ الأمثال الشعبية عبارة عن مجموعة هائلة من الحِكَم والمواعظ والقيم والأفكار الرائعة التي أنتجها الإنسان عبر تجارب آلاف السنين. إنّ الأمثال الشعبية هي (قرآنُ البشر) إذا صحّ التعبير ولاق، وهي كنزٌ مَهيب من الفكر والثقافة والحكمة والوعي والمعرفة والتجربة والإدارة والمعالجة والإدراك و.. ويمكن للإنسان أن يكتب تفسيراً لهذا القرآن البشري يبلغ عشرات المجلّدات. إنّ الأمثال الشعبيّة هي حصيلة تجارب الإنسان وفكره وعقله الذي أودعه الله فيه، وهي نعمة من نعم الباري تعالى على الخلق. لكن كيف هو منهج فهم الأمثال الشعبيّة؟ هل نفهمها على طريقة علماء الفلسفة والكيمياء والفيزياء؟ هل يصحّ فهمها وكأنّنا نشرح كتاب الإشارات لابن سينا أو الكفاية للآخوند الخراساني؟ لو شرحناها بهذه الطريقة فكلّها باطلة وغير صحيحة (مع أنّنا ندرك أنّ هذه الأمثال صحيحة في غالبيّتها الساحقة) إذ كلّ مثلٍ منها لو أخذته وطبّقته لاكتشفت خطأه في بعض الموارد، فهل يصحّ أن أقول بأنّها أمثال خاطئة؟ هل يصحّ أن أقول بأنّها أمثال متضاربة؛ لأن بينها تضارباً في بعض الحالات وبعض الموارد؟ كلا، فما هكذا تورد يا سعد الإبل. إنّ هذه الطريقة تفضي إلى إجهاض القيمة المعرفية والتجربية والحكمية في هذه الأمثال الشعبية، فمن الخطأ أن نسأل عن كلّيّتها وعن علاقتها بالمثل الآخر؛ لأنّها كيانات تعبّر عن حكمة ورسالة ومضمون صائب وحقّ، وتعبّر عن الحالة الكثيرة والغالبة، لا عن قضيّة منطقية في باب القياس لها سور الجزئية أو الكليّة، بل هي أشبه بالمهملة التي لا تنظر إلى الكلّية والجزئية، بل تنظر إلى الفكرة والغاية والرسالة منها فقط. وعندما أغيب في فضاء الكلّية والجزئية والسور والسلب والإيجاب والترتيب بين القضايا كترتيب الأقيسة.. فسوف أقضي على هذه الحِكَم، وأشوّهها وآخذ بها بعيداً عن الصواب، وسأوجّه إليها مئات الأسئلة التي لا قيمة لها؛ لأنّ من أولد هذه الأسئلة هو منهج خاطئ، لم يجرّ عليّ سوى المتاعب.
أرجو أن نفكّر جيداً في هذا، فإنّني أعتقد بأنّ إصلاح فهمنا اللغوي والعودة لعفويّة اللغة وفهم روح اللغة الدينية هو مفتاح حلّ قدر كبير من مشاكلنا في فهم النصوص والاجتهادات الشرعية وغير ذلك، لقد شغلني هذا الموضوع لسنوات، وما زلت معتقداً بأنّه مفتاح ضروري جدّاً، وهناك الكثير من التساؤلات حوله، لكنّ المجال لا يسمح بالتفصيل هنا (مثل كيف نفهم الكلّيات إذاً؟ وكيف عرفنا كلّية علم الله مثلاً؟ وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي يجب على المنهج الذي أدّعيه هنا وأفترضه أن يجيب عنها). أنا أدعو لمؤتمرات وملتقيات حول اللغة الدينية (وخصوصاً العربيّة) ومناهج فهمها الخاصّة، وعندي إيمان عميق بأنّ قدراً كبيراً من الإشكالات التي يتعرّض لها القرآن اليوم ستصبح بلا معنى في ظلّ إعادة إنتاج فهم جديد للغة القرآن الكريم، وللغة الدينية عموماً، لا على طريقة المفكّر الراحل عالم سبيط النيلي رحمه الله فإنّني رغم احترامي الشديد له لا أوافقه في المنهج أبداً، ولا على طريقة الأصوليين، ولا على طريقة التأويل العرفاني والصوفي، بل على طريقة أكثر عفويّة وبساطة وبعيدة عن الهندسية القاتلة التي تجتاح فلسفة اللغة؛ فإنّ فلسفة اللغة شيء، وفهم نصوصنا وما يصدر عنّا شيء آخر برأيي الشخصي، وللتفصيل مجال آخر.
هل يمكن أن أفهم النصوص الأدبية والشعرية كما أفهم مختصر ابن الحاجب أو أسفار الملا صدرا أو نهاية الحكمة للطباطبائي رحمهم الله؟! سوف أنعى الأدب حينئذٍ وأمشي في جنازته!! هل تحليل النصوص الأدبية يكون بهذه الطريقة؟! مع أنّ مضمون الكتب الأدبية يحمل الكثير من الحقّ والحكم والمعارف المطابقة للواقع أيضاً.
ما أريد قوله هو أنّ لغة النصوص الدينية في الكتاب وسنّة الرسول هي لغة عربيّة عفوية عرفيّة وفي عين الوقت واقعيّة وعينية، لا تذهب للرمزية المفرطة، ولا للإفراغ من الواقعيّة، بل هي دلالات يجب أن نرجع فيها للعرف العربي الأصيل والعفوي. والصحابة وأهل الكتاب في عصر النبيّ لم يسألوا النبيَّ بعض الأسئلة التي ظهرت لاحقاً، ليس لأنهم جهلاء بالضرورة ودائماً، بل لأنّ بعض هذه الأسئلة لا تأتي إلى أذهانهم بسبب صواب طريقة الفهم اللغوي التي عندهم ـ إلى جانب الملامسة التاريخية لعصر النص ـ فلا يجدون لها مبرّراً. لكن عندما دخل غير العرب في الإسلام ـ وغُزينا بالعقل اليوناني ـ ظهرت أسئلة تفسيرية من نوع آخر، سبّبت مشاكل، ولا أعني أنّ كلّ الأسئلة اللاحقة لا قيمة لها، بل أقصد البعض فقط، فأرجو التدقيق، والمفتاح هو أنّ اللغة العربيّة العرفيّة تعتمد بيان الأعمّ الأغلب عبر بيان الإطلاق أو الكليّة في كثير من الأحيان.
ولكي لا أطيل، أرجع للآية الكريمة، فإنّ الآية لا تريد أن تحكي عن سالبة كليّة، ولا غرض لها في الكشف عن أنّ البشر يعرفون جميعاً مصائرهم أو لا يعرفونها، ما تريد أن توصله هو الرسالة، وهي إنّ الإنسان عاجز وجاهل في مقابل الله الذي يملك الإحاطة والعلم المطلق بكلّ شيء، لاحظوا الآية الكريمة تقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (لقمان: 34)، ما تريده الآية هو أنّ النوع الإنساني جاهل بالساعة، وجاهل بما في الأرحام، ولا يدري مصيره، في حين إنّ الله عالم بكلّ شيء، فهل إذا صادف أنّ شخصاً انتحر وعلم بمكان موته قبل موته سوف تبطل الرسالة النوعية التي تريدها الآية الكريمة؟! كلا، إنّ وجود حالة أو حالتين أو ما نسبته 0،0001 من المليون من مجموع الخلق يعلم بمكان موته، لا يضرّ بالرسالة التي تريدها الآية، فالآية بصدد بيان الحالة النوعيّة، لا بصدد وضع قضيّة كليّة منطقيّة؛ لأنّها في مقام بيان المفاضلة بين الله والعباد. وهكذا الحال في قضيّة الأرحام التي سجّلوها إشكالاً على الآية الكريمة أيضاً، فالله لا يريد أن يلغي كلّ معرفتنا بما في الأرحام، كيف والناس منذ قديم الأيام تعرف بعض الشيء عمّا في الأرحام، بل يقول بأنّ من يعرف ما في الأرحام من حيث الذكورة والأنوثة ومن حيث كلّ التفاعلات التي تقع خلال تسعة أشهر (لأنّ الآية لا تشير إلى خصوص قضيّة الذكورة والأنوثة أساساً، بل استخدمت حرف (ما) للإشارة إلى غير العاقل الذي يكون في الأرحام) هو الله، وعلمكم البسيط لا شيء أمام كلّ هذا الكم الهائل من المعرفة التي يملكها الله عن مجموع ما في الأرحام من بداية الخلق إلى قيام الساعة (فالعلم اليوم لا يعرف مجموع ما في الأرحام عند جميع الخلق في هذا الزمن). وهكذا الحال في (ينزّل الغيث) والعلم اليوم يمكنه أن يأتي بالغمام في حالةٍ هنا أو هناك. الرسالة هي رسالة ضعف نوع الإنسان في مقابل القوّة الإلهيّة، تماماً مثل الأمثال الشعبيّة، رسالة الجهل الإنساني والعلم الإلهي ﴿..وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً﴾ (الإسراء: 85)، هذا هو المفهوم الذي يريد القرآن من خلاله إثبات التفاوت الهائل بين الخالق والمخلوق وبيان عظمة الخالق وضعفنا نحن البشر المخلوقين. فالقضية في مقام بيان النوع والحالة العامّة لا تمام الأفراد، ونحن نعرف أنّ لسان بيان الأعم الأغلب هو لسان رائج وشائع جدّاً في اللغة العربيّة، وهو لسان التعامل مع الحالة النادرة بوصفها حالة معدومة عمليّاً، لا يتمّ التوقف عندها، لأنّها لا تؤثر على الفكرة المراد إيصالها. ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، فالله يقول: ﴿فإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَاً﴾ (الانشراح: 5 ـ 6)، فهل كلّ عسر معه يُسر؟ إنّ الجمل تشير إلى المبدأ والرسالة، وإلى الحالة الغالبة، والغاية منها بعث الأمل في النفوس وحُسن الظنّ بالله، تماماً كالآية التي نحن فيها، تشير إلى المبدأ والرسالة، والغاية هي بيان ضعف الإنسان معرفيّاً أمام الله تعالى. ولو لاحظنا المفسّرين القدامى والذين لم يغرقوا في البحوث الفلسفيّة والعقليّة والمنطقية سنجد طريقتهم في التفسير تقارب هذه الطريقة؛ لأنّ هذا هو الفهم العرفي العربي والعفوي لمثل هذه النصوص. هذا ما أفهمه ـ ترجيحاً لا جزماً ـ من النصّ والعلم عند الله، وللتفصيل مجال آخر.
يا اخي عندنا في مدينة الموصل في نهاية عام 2004 ثلاث انتحاربن في سيارات مغخخة فجروا سيارتهم في اوقات مختلفة لم يموتو لحظة التفجير احدهم مات بعد يوم واحد بعد ان تشوه وحرق جسم بالكامل واحدهم مات بعد ساعتين او ساعين ونصف والاخر مات بعد مايقارب اسبوع كيف بقوا على قيد الحياة العلم عند الله
الانتحاري لا يدري انه باي ارض يموت فكم من عملية انتحارية فشلت
مشكور شيخنا الفاضل على الاجابة الوافيه. واحب ان اوكد ان الانتحاري لايعلم علم اليقين بانه سيموت ومتى واين مكان حتفه . ربما تتقطع ارجله واياديه ويبقى على قيد الحياة او يفقد نظره ويتشوه ويبقى على قيد الحياة . سبحان مقدر الامور العزيز الجبار المحيي المميت .