السؤال: إذا كان الوجود تشكيكيّاً ومتجلّياً حسب المراتب الوجوديّة وأثناء قوس النزول تتجلّى الوجودات حسب سعتها الوجوديّة، إذاً كيف لهذا الموجود أن يأخذ سعة جديدة ويبدأ بالصعود أثناء قوس الصعود، ولماذا لم يتجلّ أثناء قوس النزول حسب سعته الوجوديّة الحقيقيّة الكامنة فيه؟ (فؤاد، السعوديّة).
الجواب: لم أفهم بشكل دقيق كلامكم، لكن ما يريده بعض الفلاسفة والعرفاء من الفكرة هو أنّ الحقيقة الوجودية الواحدة، وهي الحقّ تبارك وتعالى، عندما تظهر يبدأ ظهورها قويّاً ثم يحصل التنزّل، بلوغاً إلى عالم المادّة الذي هو عندهم عالم الفرق والتلاشي، وبعمليّة التجلّي هذه يكون العالم وفق تسميتنا ويوجد، وتأخذ الأمور حدودها الوجوديّة. وقوس الصعود عودٌ لنقطة الانطلاق. دعني أشبّه ذلك بمثال (اليويو)، عندما أقوم برمي الكرة الصغيرة المربوطة بهذا الحبل في يدي، فهي تنطلق بقوّة لتصل إلى أبعد نقطة عن مركز الانطلاق ـ وأبعد نقطة هي المرحلة التي تكون فيها الكرة في أضعف قوّة دفعيّة وحركيّة ـ ثم تقفل راجعةً، (وإليه ترجعون) (وإليه المصير). هذا التشبيه يمكن قياسه على فكرة علاقة الله بالعالم من وجهة نظر هذا الفريق من الفلاسفة.
ولكي أوضح الفكرة أكثر يمكن أن نأخذ رؤية بعض أنصار المذهب الذرّي، فهم يرون العالم بغير الطريقة التي نراها نحن، كأنّما يملكون جهازاً يُرى فيه العالم عبارة عن ذرّات لا متناهية تسبح بطريقة رهيبة، وليس العالم عندهم عبارة عن كرة أرضية أو نجوم أو قمر، إنّه بشكل آخر أدقّ من ذلك، إنّه مادّة وذرات مع حركة لا متناهية تملأ الكون ضجيجاً لا تسمعه آذاننا، وكلّما تموضعت الذرات بطريقة خاصّة وحصلت حركة معيّنة تراءى لنا خلقٌ جديد اسمه الحيوان، أو النبات أو الجماد أو زيد أو عمرو، فليس هناك عندهم صور نوعية أو ماهيات للأشياء، بل ما يسمّى ماهيات ليس عندهم سوى عناوين وأسماء اخترعها العقل والذهن البشري لتصنيف الأشياء من حوله، والفوارق بين الأشياء التي من حولنا فوارق عرضيّة عندهم ـ وليست ذاتية ـ تتبع تموضع المادّة والحركة، هذا الوجه الآخر للعالم (وهو أشبه بعالِم الكمبيوتر في رؤيته لما في داخل الكمبيوتر، والتي تختلف عن رؤيتي أنا البسيطة لما تظهره لي الشاشة)، هو ما يقول الفلاسفة بأنّهم يحاولون اكتشافه بالعقل ويحذرون الناس من أن ما يتراءى لنا هو ظواهر خادعة، وللحقيقة الوجودية لبٌّ آخر غير ظاهر لنا. وعليه، فكلّ شيء مرّ في رحلة النزول بالعوالم المختلفة، لكن رحلة النزول تختلف عن رحلة الصعود.