السؤال: هل توجد قواعد عامّة متسالم عليه لعمل وكلاء المراجع؟ هل لديكم رؤية محدّدة لعمل وكلاء المراجع؟ الكلام يقع فيما يخصّ الجانب المالي تحديداً.
الجواب: القواعد المتسالم عليها هو أنّ هذه الأموال أمانات يجب إيصالها إلى أصحابها المستحقّين لها أو يجب صرفها في الوجوه الشرعيّة الحسنة المقرّرة لها، وكونها في يد هذا الوكيل أو ذاك مجرّد واسطة لوصولها إلى مستحقّيها أو صرفها في مواردها الشرعيّة التي قد يكون شخص الوكيل أحدها كما لو كان محتاجاً. وقد بذل الكثير من الوكلاء جهوداً كبيرة مشهودة في صرف هذه الأموال بشكل صحيح، ولا يجوز بحال تناسي هذه الجهود ونحن ننظر لهذا الموضوع، وهناك مواضع تعاني من خلل يعرفها الجميع. والحلّ الوحيد هو ما طرحه غير واحدٍ من العلماء وقدّموا فيه مساهمات مشكورة مثل السيد محمّد باقر الصدر والشيخ مرتضى مطهّري والسيد محمّد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيرهم العديد من العلماء، ولعلّ أبرز ما يمكن الإشارة إليه هنا باختصار هو:
1 ـ إدخال هذا المال في نظام مالي صارم ومؤسّسي ومحدّد.
2 ـ إبعاده أكثر فأكثر عن الاستنسابيّة والعفويّة في القبض والصرف. ومن تأثيرات ذلك وضع ضوابط محدّدة لإعطاء الوكالات، حيث نجد في بعض الأحيان خطوات غير منضبطة وقد تخضع للعلاقات والمجاملات، وليست الوكالة مرتبطة بكون الشخص شيخاً أو عالم دين، بل هي مرتبطة منطقيّاً بكونه جديراً بصرف هذا المال عارفاً بما هو الأفضل له، أو بتحصيل هذا المال للجهة القادرة على الصرف النافع.
3 ـ رفع نسبة الشفافية فيه وفي التعامل معه قبضاَ وصرفاً قدر الإمكان وبما تسمح به الظروف الموضوعيّة.
4 ـ رفع حالة التمييز بين موارد الصرف بطريقة غير موضوعيّة أحياناً، ووضع ضوابط محدّدة وواضحة أكثر، على شكل لوائح ومقرّرات.
5 ـ إعادة النظر في الأولويات لاسيما أولويّة أخذ علماء الدين والمشايخ الكرام من هذا المال على سائر فقراء المسلمين في العالم أو على القضايا العامّة، وهي أولويّة صحيحة نسبيّاً ولكن ليس بهذه الطريقة القائمة اليوم في بعض المواقع على الأقلّ.
6 ـ وضع خطط استراتيجيّة في الصرف، وخضوع عمليّات صرف هذه الأموال لنظام المحاسبة والمراقبة، ثم المعاقبة ولو بالتشهير إذا اقتضى الأمر.
7 ـ ضرورة التنسيق بين المرجعيّات الدينية في عمليات الصرف، كي تتكامل الجهود أكثر فأكثر إن شاء الله.
8 ـ تطوير استخدام هذه الأموال بالعبور بها من مرحلة السياسة الخدميّة الاستهلاكيّة إلى مرحلة الثبات والإنتاج، وعلى سبيل المثال، فبدل إعطاء الفقير مالاً مثلاً ليأكل به ويشرب ممّا يفرض علينا الاستمرار في الصرف عليه، قد يكون من الأنسب أحياناً تأمين فرص عمل له بالحقوق الشرعيّة لكي يتمكّن من الإنتاج، وبذلك نقلّل أيضاً من نسبة البطالة والفقر، ونرفع من مستوى الإنتاج والفاعلية في الطبقة المحتاجة في المجتمع حيث يمكن ذلك، وهذا أمر يطبّق بالفعل في غير موقع، لكنّه يحتاج لمزيد من التعميم.
9 ـ إعادة الفقهاء الكرام النظر مرّةً أخرى في مسألة استثمار الأموال الشرعيّة؛ لتحويل ريعها إلى الفقراء بما يضمن تحصيل قوّة مالية ثابتة إضافيّة، غير المؤمنين الذين يدفعون الخمس والزكاة، وقد اختار بعض الفقهاء من أمثال العلامة محمد حسين فضل الله رحمه الله جواز استثمار أموال الخمس بولاية الحاكم على هذا المال، لوضع مصدرٍ مالي ثابت يعود ريعه للفقراء على طريقة الأوقاف إذا صحّ التعبير. وعمليات الاستثمار بدأت بالفعل منذ عدّة عقود، كما حصلت تحوّلات مشهودة في الرأي الفقهي في هذا الموضوع، ولكنّها ما زالت تحتاج لتطوير كبير فيما يبدو.
10 ـ إشراك غير علماء الدين في إدارة الأموال الشرعيّة، من الناحية الميدانيّة، لاسيما أولئك الذين يملكون الخبرات الكافية في مجال توظيف الأموال أو توزيعها بأفضل طرق ممكنة، بهدف الاستفادة من هذه الخبرات في غير مجال، كالحيلولة دون حصول أيّ هدر في هذا المال الشرعي.
11 ـ عقد مؤتمرات جادّة يشارك فيها المراجع الكرام والممثلون عنهم والمتولّون لهذه الأموال والوكلاء وغيرهم؛ لتدارس الآليات الأفضل في التعامل مع هذا الموضوع، ودراسة البدائل المحتملة الأخرى التي تساهم في تطوير تعاملنا مع هذه الأموال الضخمة، فإنّ الدخول في عصف الأفكار ـ شرط أن يشارك فيه المعنيّون أنفسهم ـ يمكنه بمرور الوقت أن يطوّر الأداء بشكل لافت.
إلى غير ذلك من المقترحات التي هي معروفة للجميع ولا جديد فيها، ويمكنكم مراجعة ما كتبه العلماء المشار إليهم أعلاه وغيرهم في هذا المجال، فهو نافع ومفيد بعون الله. والقاعدة العامّة هي ضرورة الاستفادة من كلّ الوسائل الحديثة في تنظيم الصرف المالي، ومن خبرات الجمعيّات الخيريّة والعالميّة والمحليّة وغيرها، للوصول إلى أفضل صيغة لصرف هذه الأموال بما يعود بأعلى نسبة ممكنة من الخير على عموم المسلمين، فإنّ عملية تداول هذا المال هي عملية بشريّة ولم تضع لها الشريعة طريقة خاصّة، وإنّما وضعت الشريعة مؤشرات لمواضع الصرف وأخلاقيّاته وأحكامه، أمّا السبل الأفضل بحسب كلّ زمان ومكان فهو متروك للبشر وجهودهم وخبراتهم وضمائرهم، علّهم يتمكّنون ـ ببركة هذه الأموال التي يُخرِجُها المؤمنون قربةً إلى الله تعالى ـ أن يساهموا في رفع الفقر والحاجة والتخلّف من بلاد المسلمين، إن شاء الله.