• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
15 عاشوراء والجدل المتكرّر كلّ عام، ما هو الموقف من هذا الجدل؟ وكيف نتعامل مع هذا الخلاف؟ 2014-05-12 0 5870

عاشوراء والجدل المتكرّر كلّ عام، ما هو الموقف من هذا الجدل؟ وكيف نتعامل مع هذا الخلاف؟

السؤال: عاشوراء قادمة هذا العام، ومعها الحزن والجدل. وفي كلّ عام تثار قضايا عاشوراء من على المنابر، ومن خلال المحطّات الفضائية وقنوات التواصل الاجتماعي، وتحتدم المعارك بين المؤمنين أنفسهم، حتى تصل الأمور إلى القطيعة والمقاطعه والاتهامات والتسقيطات. نفس القضايا تثار في كلّ عام من التطبير واللطم والبكاء والجزع وإبكاء الناس في المآتم بغضّ النظر عن المضامين وواقع القصص المرويّة، وهل توافق الموازين الشرعية أم لا. هل تزوّج القاسم في ليلة كذا؟ وهل تكلّم رأس الحسين عليه السلام وهو على الرمح؟ وهل بكت الأرض والسماء دماً ووجد الدم تحت كلّ حجر ومدر عند استشهاد الإمام؟ وهل تحضر فاطمة سلام الله عليها مجالس الحسين؟ وهل يستحبّ تقبيل كلّ ما يرتبط بالمآتم الحسينيّة من الأخشاب والأبواب والحيطان؟ وهل يستحبّ التمسّح بعرق المؤمن الذي تعرّق وهو في العزاء الحسيني؟ وهل وهل وهل؟ والسؤال شيخنا هو: كيف نتعامل مع كلّ هذه القضايا؟ وكيف نضبط إيقاع المنبر العاشورائي مع كلّ هذه الاجتهادات والاختلافات بين العلماء؟ وكيف نحوّل المنبر الحسيني إلى منبر إسلامي وليس منبراً شيعيّاً؟ ألا يُستحسن أن نسكت عن هذه القضايا وعدم إثارتها؛ لأنّ البعض يقول: إنّ الجدل فيها يزيد النار اشتعالاً وتتوسّع دائرة المتمسّكين بها؟ ويقول آخر: إنّه إذا دقّقنا في تاريخ الطف (وكما فعله الشهيد المطهّري) على طريقة الموازين الفقهيّة، فلن يبقى من التاريخ شيء وسوف لن يتفاعل الناس مع الأحداث كتفاعلهم اليوم. ما هو رأيكم وتعليقكم؟

الجواب: لو تسمحون لي أخي الكريم ببعض الوقفات هنا:
1 ـ من حقّ بل من واجب كلّ إنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبيّن ما يراه واقع الإسلام، حيث يرى انحرافاً أو خطأ، وهذه هي مهمّة مقدّسة قام بها كلّ الأنبياء والرسل والأولياء والصلحاء والمصلحين عبر التاريخ، فعندما يجد المؤمن أو العالم أو العامل انحرافاً مقصوداً أو غير مقصود، فإنّ من واجبه أن يقوّمه بالأساليب الصحيحة المؤثرة والفاعلة، وأن لا يتخلّى عن واجبه هذا بحجّة أنّ فيه صعوبات عليه أو أنّ في طريق هذا الأمر عقبات أو عوائق.
2 ـ هناك مبدءان يقفان أمام بعضهما بعضاً في بعض الأحيان، وهما مبدأ كشف الحقيقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح حال المسلمين وفكرهم، ومبدأ الوحدة الإسلامية والإيمانيّة ولمّ الصفوف وتحصيل حالة التآلف والتقارب، وفي بعض الأحيان يطغى أحد المبدأين على الآخر بشكل يصبح الحكم واضحاً والموقف جليّاً، فلو بغت فئة مسلمة على فئة مسلمة أخرى وقاتلتها واعتدت عليها، فإنّ مبدأ رفع الظلم وإصلاح حال المسلمين برفع الاعتداء يصبح مقدّماً على مبدأ الوحدة والتقارب، ولو أدّى الإصلاح إلى التنازع والتدابر والتخاصم بحيث يشقّ عصا المسلمين دون رجاء تحقيقه لأيّ مطلب يذكر، فإنّ ما يجب فعله هو التوقف مرحليّاً عن ذلك أو تغيير آلية التعاطي مع الموضوع لصالح مبدأ الأخوّة الدينية والوحدة الإسلاميّة والإيمانيّة. ولكن في بعض الأحيان تلتبس الأمور وتصبح أكثر تعقيداً، فيغدو الجوّ ضبابيّاً لا تتضح فيه الرؤية، فإذا سكت المصلح والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر (وأقصد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما هو أعمّ من معذوريّة الطرف الآخر وعدمها، على تفصيل عالجته في كتابي: فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فقد يساعد ذلك على تكريس حال الانحراف بحيث لن يعود بإمكان الأجيال اللاحقة أن تحدث تغييراً نحو الأفضل، وهنا قد يرى أنّ الكلام ولو أوجب بعض التشويش إلا أنّه على المدى البعيد سيمنع عن تكريس الخطأ وصيرورته أمراً مسلّماً، فمن الضروري أن يبقى الطرف الآخر قلقاً لا يعيش استقرار مشروعه. وربما يرى المصلح أنّ سكوته في هذه الحال ضروريٌّ؛ انطلاقاً من أهميّة ملفّات أخَر ينبغي تداولها غير هذا الملف، أو لأنّ الحديث في هذا الموضوع سيكرّس الخطأ بدل أن يلغيه. وهنا لا تخضع المسألة لموقف شرعي بقدر ما تخضع لموقف تقويمي للواقع من طرف الداعية أو المصلح أو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، أيّ اسمٍ اخترنا له. وإنّني من موقع قراءتي الشخصيّة أعتقد أنّ الخيار الأوّل هو الأرجح في عصرنا الحاضر، شرط شموله لمختلف القضايا التي تحتاج لتجديد نظر وإصلاح، وأنّ سكوت العلماء والمفكّرين والمصلحين عمّا يرونه من أخطاء وظواهر غير سويّة ـ من وجهة نظرهم ـ سيفضي إلى دخولنا في مرحلة انغلاقية قاتلة قد تستمرّ عقوداً، وستذهب بتيار النهضة والإصلاح بعيداً حتى تكاد كلّ جهوده منذ الخمسينيات تتلاشى، كما أنّ النهضويّ يقف الآن بين المطرقة والسندان، فمن جهة يواجه التيارات الداخلية الرافضة لأغلب تغييراته ومن جهة ثانية يعاني من الصورة التي تقدّم للإسلام من قبل هذه التيارات والتي يرى أنّها تتجه بالجيل الشبابي القادم نحو رفض الدين بأكمله. ولا أرى ذلك ـ أي السكوت ـ في مصلحة الإسلام والمسلمين في عصرنا الحاضر الذي باتت فيه التيارات ذات العقل السلفي ـ بالمعنى العام للكلمة ـ تتجه للإمساك بمصير المسلمين، وعلى الإسلام والفكر والعقل والاجتهاد بعد ذلك السلام.
3 ـ عندما نرجّح خيار الاستمرار في جهود الإصلاح وعدم السكوت، فهذا لا يعني استخدام أيّ أسلوب في هذا المجال، فهناك فرق بين أن أنتقد المرجعيّة مثلاً بطريقة النقد العام، فأقول بأنّ المرجعيّة الساكتة غير الحاضرة في حياة الناس هي مرجعيّة نحتاج لبديل عنها، وبين أن أنتقد بطريقة النقد الشخصي التهكّمي المستفزّ بنوعه، كأن أقول: إنّ فلاناً من المرجعيات لا علم له ولا يصلح للمرجعية الدينية وغير ذلك، مما يثير بطبعه حفيظة الناس. وكذلك الحال في الوسيلة الإعلاميّة التي لابدّ لي أن أستخدمها في حركة النقد، فبعض الوسائل ـ كالإعلام المرئي ـ تتحمّل قدراً من النقد، فيما بعض الوسائل الأخرى ـ كالكتب والمؤلّفات ـ تتحمّل قدراً أكبر، تبعاً لحجم الصدم الجماهيري الذي تمارسه وسيلة الإعلام عندما يتمّ النقد عليها. ويخطأ الناقدون والمصلحون عندما يبدون فقط وفقط ناقدين، بحيث يشعر محيطهم بالاشمئزاز من تذمّرهم المتواصل من الواقع، فلا تجدهم يبحثون بحوثاً موضوعيّة حياديّة، ولا يتناولون موضوعات غير ملغومة اجتماعيّاً، ولا يشتغلون على تقديم بدائل، وهذا من الأخطاء أيضاً. وهكذا أسلوب السبّ واللعن والحكم بضلال الآخر وتضليله أو فسقه وانحرافه الأخلاقي أو التشكيك بعدالته وتديّنه وغير ذلك من الأساليب الفاسدة، فإنّ هذا كلّه وأمثاله ينبغي أخذه بعين الاعتبار، ودراسة كلّ عناصر الجدوائية والأخلاقية في المنهج والأسلوب المعتمدين، الأمر الذي قد يختلف من منطقة إلى أخرى ومن موضوع لآخر وهكذا.
4 ـ في إطار النقطة الثالثة ينبغي التمييز بين حالتين من الاستفزاز، حالة يمكن القول بأنّها مستفزّة بطبعها، وحالة أخرى يمكن القول بأنّها بطبعها غير مستفزّة، لكنّ الآخر صار مصاباً بمرض الحساسيّة الزائدة بحيث يعتبر حتى النقد العادي أمراً مستفزّاً، والإنسان المصلح مسؤول عن الاستفزاز ذي النوع الأوّل لا الثاني إلا نادراً، فمن حقّ المؤمن عليّ أن لا أهينه أو أجرح مشاعره أو أسخّفه أو أتعرّض لمقدّساته بطريقة غير أخلاقيّة، لكن ليس من حقّه عليّ أن لا أنتقده إذا لم يكن في النقد إهانة وإنّما فيه انزعاج منه بحيث هو يعاني من مشكلة عدم تقبّل النقد ولو الأخلاقي. وهذا يعني أنّ منعه إيّاي من النقد بحجّة أنّه بات ينزعج منه أو يستفزّه لن يؤدّي إلا إلى سلب حقّي في النقد والتعبير، وسلب حقّي في ما أراه أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وإرشاداً للآخرين إلى ما أعتقده بيني وبين ربّي صلاحاً، وليس من حقّه عليّ ذلك حتى أتنازل عن حقّي في النقد والإصلاح الواجبين عليّ في الأصل، وهذه مسألة مهمّة جدّاً. إنّ النقد حقٌّ شرط أن يكون أخلاقيّاً من حيث النوع، بحيث لو عرضناه على محايدٍ لما أبدى فيه ممانعة أخلاقيّة، ولا ينبغي أن نسمح للآخرين بسلبنا هذا الحقّ، وإلا فقد يقول الطرف الآخر الناقد بأنّه أيضاً بات ينزعج من هذه المقولات التي يذكرونها على المنابر، فهل يحقّ لنا أن نمنعهم ونسلب حقّهم بحجّة أنّ الطرف الآخر الناقد أيضاً بات يستفزّ وينزعج ويتذمّر من طرح هذه الأمور من على المنابر أو شاشات التلفزة؟ كلا، ليس من حقّ الطرف الناقد هذا أيضاً.
5 ـ إنّ المنبر الحسيني منبرٌ حرّ، وإنّني أوافق العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي حفظه الله في بعض حواراته التي ذهب فيها إلى رفض ضبط المنبر عبر نقابة أو مؤسّسة؛ لأنّ هذا يفضي إلى قولبة المنبر على المدى البعيد بطريقة أو بأخرى، وليس من إمكانية لضبط المنبر الحسيني سوى بالبحث والنقاش والتداول، ورفع المستوى الثقافي العام، وتأهيل الخطباء أكثر فأكثر، ووضع الحدّ الأدنى من شروط التصدّي لهذه المهمّة الجليلة، والسماح بتدخّل العلماء والمرجعيات والفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين، وقيامهم جميعاً بمهامّ النقد والتوجيه والتصويب والإرشاد لهذا المنبر الكريم. إنّ نقد المنبر وبعض المظاهر الشعائريّة ليس إهانةً لهما، ولا هتكاً للحرمات، عندما يكون نابعاً من الحرص ومتحلّياً بدرجةٍ عالية من المهنية والأخلاقية، ولا يحقّ لرجال المنبر الحسيني الذين شرّفهم الله بهذا المنصب أن يعتبروا نقدهم نقداً للحسين عليه السلام، فلنكفّ عن إسقاط المقدّس على ذواتنا. إنّني أدعو الناقدين هنا لتقديم بدائل فمن يتمكّن ـ بحسب إمكاناته المادية والمعنوية ـ من تأسيس معاهد لإعداد الخطباء وتأهيلهم بالطريقة التي يراها صحيحةً، عليه أن لا يكتفي بالنقد ويعيش عقدته أو شهوته، بل يعمل على تأهيل الخطباء، وقبل ذلك لابدّ من إعداد الموادّ العلميّة والعملية عبر مركز دراسات حسيني حقيقي، يعالج كلّ القضايا الحسينية في التاريخ والشعائر والمسلكيات بطريقة بحثية جادّة، مستمعاً لكلّ الاتجاهات والمقولات على اختلافها وتناقضها. وقد بذلت جهود مشكورة تصبّ في هذا الإطار في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وجرى تأسيس مؤسّسات مفيدة ومنتجة ومثمرة والحمد لله، وهذا ما يحتاج إلى تعميم وتطوير أكثر، وقد بلغنا أنّ نشاطات شبيهة حصلت في مناطق أخرى، وأنّ بعض التوجّهات في هذا الصدد موجودة على مستوى الساحة العراقية حالياً، نأمل للجميع النجاح في ذلك والتوفيق.
6 ـ لا أجد تنافياً بين البعد المذهبي والإسلامي والإنساني في الموضوع الحسيني والشعائري، فالموضوع له أبعاد متعدّدة، ولا يصحّ نحر البُعد المذهبي المتجلّي في قضيّة الإمامة لصالح أبعاد أخَر، وهناك فرق بين الدعوة لاستحضار البعد الإسلامي والإنساني العام في قضيّة الثورة الحسينية وشعائرها، وبين استبدال البُعد المذهبي بهذين البُعدين. أعتقد أنّ الأوّل هو الصحيح، فنحن اليوم أمام صراع حضارات، ومن يريد أن يدّعي أنّه حضارة وأنّه بديل عن الغرب والشرق، عليه أن يقدّم خطاباً ورؤيةً قادرين على عبور القارات. والثورة الحسينية مادّة جيّدة في تقديري لهذا الأمر بالنسبة للشيعة والمسلمين، عندما يجري فيها الجمع بين البُعد المذهبي والبعد الإسلامي والإنساني معاً، فحذف أحد هذه الأبعاد ليس مناسباً، وإذا كان البعد الإسلامي أو الإنساني غير حاضر بالشكل المطلوب فهذا لا يعني المطالبة بجعل البعد المذهبي باهتاً، بل يعني ضرورة استحضاره بطرق متناسبة تحفظه وفي الوقت عينه تؤمّن حاجة البعد الإسلامي والإنساني أيضاً.
7 ـ ليسمح لي السائل المحترم بأن أبدي أسفي وحرجي من القول بأنّ ممارسة النقد التاريخي والدعوة للتثبّت من وقائع كربلاء تاريخياً تستدعي عدم بقاء شيء من هذه الحادثة ليقال للناس ومن ثمّ ليستدرّ دمعتهم وبكاءهم! هل يُعقل أنّ مذهباً عريقاً كالتشيّع ـ بفرقه المتعدّدة من الإماميّة والزيديّة والإسماعيليّة وغيرهم ـ لم يتمكّنوا عبر هذا التاريخ من أن ينقلوا أعظم قصّة مأساويّة حصلت معهم في تاريخهم؟ أين كان إذاً العلماء والمؤرّخون والباحثون كلّ هذه المدّة، حتى إذا ما أعملنا معاول النقد السندي والتاريخي لن يبقى شيء معتمد يتركوه لنا يفي بأن نقصّه على الناس ليستدرّ دمعتهم؟! كيف نجحوا في نقل النصوص العقديّة والفقهية والأخلاقيّة وبأعداد هائلة ولم ينجحوا في هذا هنا؟! أرى هذا إمّا فضيحة أخجل من قولها أو أنّ ما نريد أن نستدرّ به دمعة الناس قد رفعنا سقفه ليتجاوز حدود عمل المؤرّخين ومنجزاتهم، فأحرجناهم ومن ثم أخرجناهم من دائرة الحكم على ما نقصّه على الناس. إنّني أعتقد بأنّ ما تركه المحدّثون الشيعة بمذاهبهم ومعهم المؤرّخون وعلماء الرجال والتراجم ـ إلى جانب ما تركه لنا الآخرون من المذاهب الأخرى في نصوص التاريخ والرجال والحديث ـ حول القضيّة الحسينية، يمكن أن يكون مفيداً جدّاً ونحصل منه على صورة موثوقة لهذا التاريخ الحسيني، حتى لو أعملنا معاول النقد التاريخي؛ فإنّ تظافر القرائن وتعدّد المصادر وكثرة الطرق وتعاضدها وتداول الموضوعات بشكل متنوّع ومختلف بين المذاهب المتعدّدة، من شأنه أن يوصلنا إلى مكان محمود، لكنّ بعضنا اليوم لم يعد يكفيه ما سيحصل عليه المؤرّخ بعد البحث التاريخي، ويراه قليلاً غير وافٍ بالقيام بعملية مبالغة أو غير مستجيب للمستوى القصصي الذي يريده هو، وإلا فلا يصحّ أن نقول بأنّ المحدّثين والمؤرّخين وعلماء الرجال الشيعة قد تركوا لنا واهتمّوا أعظم الاهتمام بقضايا فقهية وأخلاقية تفصيليّة أوصلوها إلينا بنحو الدقّة والتثبّت، أمّا في أعظم القضايا التاريخيّة لم نجد عندهم مثل هذا الاهتمام! ويكفينا في مجال التعرّف على السيرة الحسينية نصوص الزيارات التي يحظى بعضها بوثوق وتوثيق تاريخي وسندي جيّد، وهي تحوي معلومات مفيدة لو حلّلناها.
إنّني أسأل: هل هذه الموازين المعمول بها في الفقه على مستوى التثبّت التاريخي من النصوص هي موازين صحيحة ومطلوبة أم هي مبالغات من الفقهاء والأصوليين؟ فإذا كانت هي الموازين التي يفترض أن تعتمد في مجال التثبّت من النصوص، فلا فرق بين المسألة التاريخية والمسألة الفقهيّة في منهج التوثيق التاريخي للنصّ أو الحدث من الناحية العقلانية، بل بعض المسائل الفقهية أقلّ أهميّةً أحياناً من بعض المسائل التاريخية، كما أنّ دوافع الوضع والكذب والاختلاق في المسألة التاريخية (التي تشكّل خلافاً سياسياً ومادّة تراجيديّة) أكبر منها في المسألة الفقهيّة عادةً، الأمر الذي يفرض تشدّداً توثيقياً في الموضوع التاريخي يزيد على مثيله في الموضوع الفقهي؛ لأنّ مسألة التثبّت من نصّ أو حدث تاريخي تعتمد على منهج لا يفرّق فيه في نوعية ما تريد أن تثبته، بحيث يحقّ لك أن تتخلّى عنه في بعض الموضوعات. فكيف يجوز لي أن أصنع وعي الناس الثقافي والتاريخي بنصوصٍ متهالكة المصادر وتالفة الأسانيد وما لذلك من تأثير كبير على الفكر الديني، فيما لا يجوز لي أن أثبت كيفية الاستنجاء أو الدخول إلى الحمّام إلا بنصّ موثوق وإلا كنت متقوّلاً على الله؟! يبدو لي هذا شكلاً من أشكال التشظّي المنهجي. إنّني أعتقد أنّنا صرنا اليوم مراقبين أكثر من قبل التيارات السلفية المحيطة بنا والتي تنتظر كلّ هفوة لكي تقول للعالم بأنّ الشيعة قد شادوا مذهبهم ورؤيتهم للتاريخ على أضعف الروايات التاريخية والحديثيّة، وأنّهم عوّضوا نقصهم هذا بعناصر نفسيّة اطمئنانية لا ترقى إلى مستوى تحوّلها إلى منهج علمي، وأنّ خطابهم العقدي المصاغ في القضية الحسينية التاريخية لا يبلغ سوى مجموعة من القصص ـ وأحياناً المنامات ـ التي لا تثبت بالمنهج العلمي الرصين، وهذا يعني أنّه كلّما مارست النقد التاريخي أمكنني أن أقدّم صورة أكثر متانة علميّاً أمام الطرف الآخر الذي بات يتربّص سوءاً بمذهب أهل البيت عليهم السلام.
نعم لا يشترط في كلّ خطيب أن يقتصر على النصوص الصحيحة، فإذا كنتم تقصدون هذا المعنى فلا بأس به، لكنّ هذا لا يبرّر فوضى استحضار أيّ نصّ غير موثّق حتى لو كان يحمل مضموناً فيه علامات استفهامات كبيرة، وقد يؤدّي إلى خلق صور غير مناسبة للإمام الحسين عليه السلام وثورته، فينبغي ملاحظة هذا الأمر.

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 35787558       عدد زيارات اليوم : 8858