السؤال: إلى سماحة الشيخ حيدر حب الله، بعد التحية والاحترام، أودّ أن أسألكم حول ما جاء في إحدى مقالاتكم ومحاضراتكم التي كانت بعنوان (مدخل إلى المشهد الثقافي الإيراني)، حيث تكلّمتم عن الاتجاهات الفكريّة في إيران، إلى أن وصلتم إلى تيار التطوير المرحلي للمفاهيم الفقهية، وقلتم: (فمن النماذج التي تسعى لتطوير المفاهيم الفقهية تجربة أستاذنا السيد محمود الهاشمي، الذي يمتلك الكثير من الآراء والمعالجات الفقهية الجريئة، وهو على قناعة تامة بهذا التطوير، إلا أنه يرى ضرورة التدرّج في طرح الأفكار الجديدة وعرضها، فمن آرائه مثلاً أنّ آية الخمس لا تدلّ على خمس أرباح المكاسب، خلافاً للرأي السائد لدى عموم فقهاء الشيعة)، وعند حديثكم عن تيار التجديد الفقهي نقلتم عن الشيخ الصادقي الطهراني، فقلتم ما نصّه: (ومن الرموز البارزة والمتقدّمة في هذا الاتجاه الشيخ الصادقي الطهراني، صاحب كتاب تبصرة الفقهاء، وهو موجّه للفقهاء لإبانة إشكالات وقعوا فيها، ويميل الطهراني كثيراً إلى الاستنباط من القرآن الكريم، معارضاً التيار الإخباري بشدّة كبيرة، ومن آرائه أنّه لا خمس في أرباح المكاسب، ويناقش الفقهاء في ما يطلقون عليه محرّمات الإحرام، ويرى ـ بدلاً عنها ـ محرّمات الحجّ، مستدلاً بقوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وأنّ الحلّ من الإحرام لا يحلّ الحاج من المحرّمات المذكورة. كما أنه يرى زكاة النقدين في عصرنا الحاضر، ولا يرى انحصارها في الموارد التسعة المشهورة بين الفقهاء).
شيخنا العزيز، بخصوص هذين الرأيين حول عدم شمول مكاسب الأرباح بالخمس، هل يجوز التعبّد برأي السيد محمود الهاشمي والشيخ الصادقي الطهراني؟ وإذا جاز، كيف نتعامل مع الأموال؟ وأودّ أن أنقل لسماحتكم شيئاً، وهو أنّي اتصلت حينها بسماحة الشيخ الصادقي، وقال: أنا أوجب الخمس والزكاة معاً، وقال: إنّ النسبة تكون عندي 26%، هذا وأرجو من سماحتكم الردّ على رسالتي ولكم منّي كلّ التقدير. كما أودّ أن أقول لسماحتكم بأنّ الكثير من المواقع والمنتديات الشيعية وغيرها تنقل مقالاتكم هذه.
الجواب: أشكركم جزيل الشكر على رسالتكم، وأثمّن ما قمتم به. أما عن رأي أستاذنا الجليل السيد الهاشمي حفظه الله، ورأي الشيخ الصادقي رحمه الله، فلا تعبّد بقولهم لمن لا يقلّدهم، وهذا طبيعيٌّ، وعندما ننقل رأي فقيهٍ في بحثه العلمي، فهذا لا يعني أنه أفتى بذلك، وحتى لو أفتى فلا قيمة لفتواه من الناحية التعبّدية العمليّة للمكلّفين إلا لمن قلّده، وعلى كلّ مكلّف أن يعمل في أمواله بحكم موقفه الشرعي، إن كان مجتهداً فيعمل برأيه، وإلا فبرأي مقلَّده، إن لم يطلب الاحتياط. أمّا ما نقلتُه عن السيد الأستاذ الهاشمي رعاه المولى، فلم أنقل عنه قوله بعدم وجوب خمس المكاسب، فلو دقّقتم في المقال الذي أشرتم إليه أعلاه، والمنشور في العدد الأوّل من مجلة نصوص معاصرة، لوجدتم أنّني نقلتُ عنه نفيه دلالة آية الخمس على ذلك، وهذه فكرة فيها الكثير من الجرأة في الوسط الشيعي، والسيد الهاشمي يقول بالخمس، لكن لا بدلالة الآية الكريمة، وإنما بدلالة الأخبار وغيرها. أمّا الشيخ الصادقي الطهراني، فيمكنكم مراجعة كتابه: تبصرة الفقهاء، وقد ذكرت في كتابي (نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي)، كلَّ ما يتصل بذلك، واستعرضت بعض نظرياته بشكل موثق من مصادر كتبه، أما إذا قال لكم في الاتصال التلفوني شيئاً آخر، فإما يكون عدلَ عن قوله أو أنّه لم يبيّن رأيه في كتابه بشكل صحيح، ويمكنكم مراجعة كتبه للتأكّد من صحّة ما نقلتُه عنه. وأما أنّ هذه المقالات تنتشر في المواقع العنكبوتية، فهذا لا ضير فيه بعد أن كان كلّ إنسان يعرف تكليفه الشرعي، بل ينبغي لنا أن نبيّن للناس آراء كلّ الفقهاء، ولا نظلم فقيهاً بحجّة مخالفة قوله للمشهور، وإذا استغلّ شخصٌ أمراً ما في نشر هذه الموضوعات فهذا جرمه، فالقرآن الكريم تمّ استغلاله من قبل الطامعين الذين وصفهم هو نفسه بمبتغي الفتنة في قوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران: 7)، وإنّني لأعتقد أنّ تنوير الناس بتعدّد مدارسنا الفقهية أمرٌ جيّد ومفخرةٌ للإسلام ومذهب أهل البيت، وليس المطلوب إبقاء الناس على جهلهم، فالأصل في الدين النشر وليس الكتمان، كما صرّحت بذلك الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وقد ذمّ الله بني إسرائيل لكتمانهم الدين، مع التوضيح لهم فيما ينبغي عليهم من الناحية العمليّة. أتمنّى لكم كلّ خير، وأسأل الله تعالى لنا جميعاً التوفيق والهداية والرشاد، ولك كلّ حبّي وخالص دعائي وشكري على هذا النقد الطيّب، حماك الله وأيّدك.