السؤال: يقول الشيخ النجفي (1266هـ) صاحب كتاب جواهر الكلام: (إنّ من ينكر وﻻية الفقيه فكأنّه ما ذاق من طعم الفقه شيئاً). ماذا يقصد من هذه العبارة شيخنا؟ ولماذا هذا الأسلوب الحادّ في الطرح بحيث أعطى مبرّراً لكثير من علماء العصر بالتهجّم على بعضهم بعضاً أو باستخدام كلمات حادّة تيمّناً بعلمائنا السابقين؟ هل هو أسلوب دارج بينهم بحيث أصبح أسلوباً مستساغاً عبر الزمن أم يبقى أسلوباً غير مقبول، حتى ولو تحوّل إلى أسلوبٍ عادي بينهم؟ (كمال، سلطنة عمان).
الجواب: هذا الأسلوب شائع جداً في تراث المسلمين جميعاً بمذاهبهم، وليس خاصّاً بعلماء مذهب ولا بالشيخ النجفي رحمه الله، ولو جمعنا مثل هذه الكلمات لربما بلغت مئات الصفحات، ويمكنك أن تراجع ـ على سبيل المثال ـ المعركة التي وقعت بين الإخباريين والأصوليّين، لتجد حجم العنف الكلامي الذي صاحبها.
وقد تجد تبريراً لهذا الأسلوب أحياناً عندما يتعلّق بأشخاص طرحوا أفكاراً هزيلة جداً، فيبدو العالم غير قادر على ضبط نفسه لوصف هذه الأفكار أو ضحالتها بمثل هذه التعابير، أو عندما تكون الحدّة متعلّقة بعنوان معيّن وليست مشيرةً إلى أشخاص أو تتعلّق بهم.
لكن في بعض الأحيان الأخرى ـ وليست بالقليلة ـ لا أجد تبريراً مقنعاً لمثل هذه التعابير، مع التماسنا العذر للعلماء، فهم أدرى بما قالوا، ولا نتّهم أحداً في دينه وأخلاقه، لكنّي أتكلّم عن هذه الثقافة وهذا الأسلوب، فعندما نعيش أسلوب الاختلاف مع شخص، وفوراً وبمجرّد الاختلاف يصبح جاهلاً أحمق لا يعرف الفقه ولا الفقاهة ولم يشمّ من رائحة الفقه ولا غيره شيئاً، وقوله لا يقول به جاهل فضلاً عن عالم، وغير ذلك من التعابير التي قد تُطلق عليه، وربما كان بالأمس القريب ـ قبل الاختلاف معه ـ علامةَ دهره ووحيدَ قرنه وفحلَ الفحول وجامعَ المعقول والمنقول، والمولى القمقام وقدوةَ الأنام وحامي المذهب ورافعَ لواء الإسلام و.. وكأنّه وخلال أربع وعشرين ساعة فقط سقط عن رتبة الاجتهاد وهوى عن مكانة العلم والفهم والتحقيق!! لا لشيء إلا لأنّني اختلفت معه في فكرة أو وجهة نظر..
عندما نمارس هذه الطريقة فنحن نغلق باب الحوار في بعض مساحاته ونقتل الإبداع في بعض فضاءاته، بل علينا أن نتحمّل وجهة النظر المقابلة، ونقوم بتفنيدها، ولا يمنع ذلك أن يغضب الإنسان أحياناً أو تصدر منه فلتة، أو يرى صلاحاً هنا وهناك في حِدّة أو شِدّة، إنّ هذا شيء منطقي تماماً أو متوقّع جداً، لكن المهم أن لا تتحوّل هذه الذهنيّة إلى ثقافة اختلاف عامّة في المحافل والمؤسّسات العلميّة وعند عموم الناس الذين بات بعضهم وبمجرّد أن لا يعجبه عالمٌ يصفه أيضاً بالجهل والحماقة والتخلّف والرجعيّة وغير ذلك! ومهما شاع أسلوب أو عمل به كثيرون فليس ذلك هو معيار الحقّ والباطل دوماً، بل علينا الرجوع إلى القيم الدينية والأخلاقيّة في التعامل فيما بيننا.
وما ذكره بعض العلماء في مستثنيات الغيبة من شرعيّة القدح في المقالات الباطلة وأصحابها ـ لو صحّ على إطلاقه ـ فلا يصحّ مصداقاً في كثير من الأحيان، فإنّ الكثير من التعابير التي استخدمت هنا وهناك من قبل كثيرين لم تتعلّق فقط بأصحاب المقالات الباطلة، بل تعلّقت بسلوك العلماء الأتقياء فيما بينهم، بما لا معنى لتحميله عنوانَ أصحاب المقالات الباطلة أو إدراجه في مواجهة البدعة والضلالة.