السؤال: سألتكم قبل أيّام عن صورة التواتر عند علماء الإماميّة وأنا أوضح أكثر لكم، نفترض أن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ عمر ضرب فاطمة عليه السلام، ولنفترض سنده هكذا: علي بن إبراهيم القمّي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن جعفر الصادق، هنا السند ظاهره الصحّة عند الإماميّة بمعزل عن الخوض بكون الوثاقة لا تلازم العدالة، ثم أتت رواية أخرى هكذا مثلاً: مجهول عن غال عن متهم عن ثقة عن جعفر عليه السلام، قال: إنّ الذي ضرب فاطمة هو عمر، وأخرى: ثقة عن مجهول عن ثقة عن متهم عن الصادق: إنّ عمر ضرب فاطمة، أقول: مثل هذا التنويع الرجالي ودرجاتهم الروائيّة المختلفة إلى مثلا خمسين رواية بنفس الموضوع، هل هكذا يكون التواتر أم أنّها آحاد؟ هذا كان سؤالي شيخنا، مع مودّتي لكم ومحبّتي (أبو سلمان).
أ ـ أن يكون هناك تتابع في الإخبار، فإنّ هذا هو معنى التواتر لغةً، فيتبع هذا الراوي راوياً آخر، فيخبر بعين ما أخبر به الأوّل، وهذا معناه ضرورة تعدّد الأسانيد والمصادر في التواتر، فلو كان للحديث سند واحد لكن حصل العلم بصدوره لقرائن خاصّة، كما حصل الاطمئنان للسيد محمّد باقر الصدر بصدور رواية العمري المعروفة في باب حجيّة خبر الواحد، فإنّ هذا مهما كان العلم فيه قويّاً يظلّ خبراً آحادياً معلوم الصدور بالقرائن لا تواتراً بالاصطلاح، وكثيراً ما يقع الخلط بين هذين الأمرين.
ب ـ أن ننتبه إلى أنّ أسانيد الرواية لا تلتقي كلّها عند شخص واحد، فلو كثرت الطرق ووجدنا في كلّ الطرق تكرّر اسم شخص معين، فهذا معناه أنّ هذه الأسانيد مهما كثرت سوف تكون خبراً آحادياً عن المعصوم، وهذه نقطة مهمّة للغاية يغفل عنها بعض الباحثين، حيث يغرّهم كثرة الطرق للوهلة الأولى، فمن الضروري أن نعرف هل ترجع الطرق إلى شخص أم أكثر؟ وأحياناً ترجع إلى اثنين أو ثلاثة فقط، وهم متّهمون بالكذب أو بالإكثار من المراسيل مثلاً، ففي هذه الحال لا يكون تواترٌ أبداً؛ لأنّه لا يستفاد منه العلم، حيث النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات.
ج ـ أن يبلغ التعدّد في الطرق والمصادر حدّاً يصبح من غير المعقول اتفاق الجميع على الكذب، وهذه قضيّة متحرّكة، فإنّ الموضوع لو كانت فيه مصلحة مذهبيّة مثلاً أو سياسيّة، والتقى عليه عشرة أشخاص وكلّهم من أبناء هذا المذهب، فإنّ درجة التواتر تصبح ضعيفة ويبطأ حصول اليقين منه؛ لأنّه يحتمل معه التقاؤهم على مصلحة تدفعهم للكذب، وهذا ما يحتاج إلى خبرة تاريخية في محاولة تصيّد المصالح المحتملة للرواة، بحيث لا يكون الباحث ساذجاً من هذه الناحية.
د ـ أن لا يكون هناك مانع يواجه تنامي الاحتمالات في التواتر، فلو كان مضمون الحديث مخالفاً للقرآن الكريم مثلاً، أو غير ممكن، أو كان غريباً عجيباً، أو كان منافياً لنصوص أخرى ليست بالقليلة، فإنّ هذا يلعب دوراً في حركة التواتر فيعيق حصوله أو يحوجه إلى عدد أكبر من الطرق والمصادر والمخارج كي يفيد اليقين.
هـ ـ أن يكون الخبر حسيّاً وما في قوّته، فلو نقل ألف شخص وجهة نظر اجتهاديّة لهم في فهم آية أو رواية أو عقل، فلا قيمة له؛ لأنّ التواتر يتصل بحجيّة الخبر المتصلة بباب الحسّ لا الحدس.
وعليه فما ذكرتموه من مثال يمكن فرض حصول التواتر فيه لو تحقّقت هذه الشروط، وهذا أمر ليس فيه قانون صارم بل يخضع لمديات الاحتمالات والمعطيات المختلفة، ولعدد الطرق ونوعيّة رواتها، ولهذا نجد أنّ بعض العلماء يدّعي التواتر فيما يردّ عليه عالم آخر بعدم وجود تواتر في الموضوع ويبيّن كلّ واحدٍ منهما وجهة نظره. هذا وهناك شروط أخرى للتواتر لا داعي للإطالة فيها.