السؤال: هل يعدّ الحاكم الذي جاء به صندوق الاقتراع إماماً؟ وإذا كان إماماً، فكيف ينسجم ذلك مع عقيدة الإمام المهدي عليه السلام؟ وهل هو إمام حقّ أو إمام ضلالة؟ وما هو المسوّغ الشرعي لترك الفقيه الموصى باتّباعه من الأئمّة والتوجّه إلى صناديق الاقتراع لاختيار حاكم مدني؟ وهل يلغي ذلك ولاية المرجع الديني؟ (عمران).
الجواب: إذا كنتم تقصدون بالإمامة معناها المصطلح عند الإماميّة، فإنّ من تأتي به صناديق الاقتراع لا يصير إماماً بالتأكيد، فالإمام في هذه المدرسة هو المنصوص المعصوم المنصوب من الله تعالى، تماماً كما أنّه لا يصير نبيّاً بهذا الاقتراع. وأمّا إذا كنتم تقصدون الإمامة بالمصطلح الشرعي العام أو بمصطلح غير الشيعة الإماميّة، والتي هي نحو رئاسة على المسلمين، فإنّه من الممكن في بعض الحالات أن يكون هذا إماماً، كما لو انتخب لرئاسة الجمهوريّة وإدارة شؤون البلاد على تفصيل في الحالات والصور.
ولكنّ الكلام في أنّ المنتخب هل ادّعى هو أو ادّعى أحدٌ له الإمامة المصطلحة عند الإماميّة أو لا؟ والجواب هو بالنفي عادةً، لاسيما في مثل عصرنا، كلّ ما يقال في حقّه هو أنّه نتيجة العقد بينه وبين عامّة الشعب مثلاً حصل على توكيل ـ بناء على نظريّة التوكيل ـ من قبل الناس في إدارة بعض أمورهم المتصلة بالقضايا العامّة، وهذا لا ينافي عقيدة المهدويّة في عصر الغيبة؛ لأنّ الإمام المهدي غير ظاهر وغير متصدٍّ للإدارة الظاهريّة حتى يؤخذ الإذن الحالي الفعلي منه في دائرة هذه الإدارة، والمفروض أنّ الناس متروكة لإدارة شؤونها التي لابدّ لها قهراً من إدارتها، حذراً من الفوضى وشيوع الهرج والمرج، فيمكنهم الاتفاق على توكيل شخص يتولّى أمورهم بما لا ينافي الشريعة إلى حين ظهور الإمام المهدي لتؤخذ منه التعاليم والتوجيهات، فأين المنافاة بين عقيدة الإمامة المهدويّة في عصر الغيبة وبين مسألة الانتخاب؟! فهذا مثل جمعيّة يؤسّسها بعض الناس اليوم ثم يجري التصويت فيما بينهم على انتخاب مجلس إدارة أو مدير أو نحو ذلك لها، فهل هذا ينافي دور الإمامة المهدويّة؟
نعم، لو ثبت أنّ الإمام المهدي أمر بالرجوع في عصر الغيبة إلى أشخاص بأعيانهم أو بصفاتهم في كلّ الأمور المتصلة بالشأن العام أو أغلبها، كما هي الحال في نظرية ولاية الفقيه العامّة بعد الأخذ بها من جانب تنصيب الإمام تنصيباً عنوانيّاً للفقيه في مثل مقبولة عمر بن حنظلة.. ففي هذه الحال لو حصل الاقتراع فلا قيمة له على المستوى الشرعي ما لم يأخذ الإذن من الفقيه الذي له دينيّاً شرعيّة الإدارة العامّة، كما هو القانون، بل والممارسة الحاليّة في إيران، فلو حصل الإذن نفذت نتيجةُ الاقتراع، وكان الشخص المنتخب من قبل الشعب نافذَ التصرّف في القضايا العامّة بتوكيلٍ أو تفويض ممّن فُوّض له التصرّف في هذه القضايا من قبل الإمام نفسه، وهو الفقيه الجامع للشرائط، وفي هذه الحال لا يكون عمل الفقيه ولا عمل الموكَّل من قِبَل الفقيه منافياً لمنصب الإمامة؛ لأنّه جاء بإذنها وتكليفها، وفي طولها لا في عرضها.
أمّا لو قال شخصٌ بأنّ ولاية الفقيه أو غير الفقيه غير ثابتة، وأنّ قضايا إدارة المجتمع هي شأنٌ بشري لم يتمّ التنصيص على أحد فيه غير النبي وأهل بيته، وأنّ هذا الأمر موكولٌ للناس في إطار تطبيق قواعد الشريعة أو عدم منافاتها، ففي هذه الحال إذا توافق الناس على صيغة لإدارة أمورهم، نفذت ما لم تعارض نصّاً شرعيّاً ثابتاً، ويكون الشخص المنتخب من قبل الشعب نافذ التصرّف في حدود التوكيل الذي منحه الشعب إياه، ولا يكون في عرض إمامة الإمام المهدي كما قلنا أعلاه.
وعليه، يمكنني اختصار الجواب عن أسئلتكم أعلاه بالترتيب:
1 ـ المنتخب ليس إماماً بالمعنى الخاص، ولا يدّعي ذلك عادةً.
2 ـ إنّ إمامته لا تنافي إمامة الإمام المهدي مبدئيّاً.
3 ـ إنّ توصيفه بأنّه إمام هدى أو إمام ضلال تابع للنظريّة الفقهيّة الآتية، ووفقاً لذلك يعلم أنّه هل يجوز انتخابه أو لا.
4 ـ لا يوجد مسوّغ شرعي لترك الفقيه ـ إذا ثبتت ولايته وتعيينه من قبل المعصوم ـ والذهاب خلف الشخص المنتخب، لكن يمكن أن يأخذ الشخصُ المنتخب تفويضاً من الفقيه بالعمل في دائرة المصالح العامّة بما لا ينافي الشرع. وأمّا إذا بُني على عدم ثبوت الولاية العامّة للفقيه، وعدم تعيين الإمام أحداً في عصر الغيبة لا بالخصوص ولا بالعموم، لم يكن في تصدّي الشخص المنتخب أيّ إشكال شرعي ما دام لا يعارض نصّاً ولا يرتكب محرّماً ولا يدّعي منصب الإمامة بالمعنى الخاصّ المصطلح، ولم يزاحم الإمام المهدي في ولايته الفعليّة الظاهرة، إذ المفروض أنّه في عصر الغيبة.
5 ـ إنّ ولاية المرجع الديني إذا ثبتت فإنّ ولاية الشخص المنتخب تلغيها أو تقيّدها حسب دائرة عمله، ما لم يأخذ المنتخب تفويضاً من الفقيه ويكون عمله تحت نظره أو تحت حقّ نقض الفقيه له عندما لا يراه مناسباً من الناحية الشرعيّة والمقاصديّة، وأمّا إذا لم تثبت ولايةٌ للفقيه فلا معنى لطرح أنّ ولاية المنتخب تزاحم ولاية الفقيه، فبتبع دائرة ولاية الفقيه يحصل التزاحم، فكلّما تقلّصت ارتفع التزاحم أكثر فأكثر، وكلّما اتسعت وقع، فيحتاج إلى توكيل من الفقيه أو تفويض.
أحسنتم.. شكراً على الإجابة شيخنا الجليل..
أدامك الله!