السؤال: جاء في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: (إنّ المحرّم شهرٌ كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام. ثم قال عليه السلام: كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه)، هل هذا الحديث صحيح عندكم وعند السيد الخوئي من ناحية السند؟ وهل يعني أنّ الحزن والكآبة يستمرّان إلى نهاية شهر محرّم؟
الجواب: هذه الرواية بهذا النصّ تفرّد بنقلها الشيخ الصدوق في كتاب (الأمالي: 190 ـ 191)، وهو مصدرها الأصلي، وهي من حيث السند ضعيفة بجعفر بن محمّد بن مسرور الذي لم تثبت وثاقته، والسيد الخوئي لا يرى وثاقته، نعم بعض العلماء يرون وثاقة هذا الرجل من حيث ترضّي الصدوق عنه وترحّمه عليه في بعض الموارد، ولكنّ السيد الخوئي ـ ومعه جماعة من علماء الرجال ـ لا يرى ذلك دليلاً على التوثيق، وهو الصحيح من حيث المبدأ.
كما احتمل الشيخ الوحيد البهبهاني في (التعليقة على منهج المقال: 110)، وجزم السيد موسى الزنجاني في (كتاب النكاح 17: 5581 ـ 5582)، بأنّ ابن مسرور هذا هو عينه جعفر بن محمد بن قولويه الثقة الجليل صاحب كتاب كامل الزيارات، ولكنّ المحدّث النوري (خاتمة مستدرك الوسائل 5: 470)، والسيد الخوئي (معجم رجال الحديث 5: 91) اعتبرا ذلك في غاية البُعد. وحجّة الوحيد والزنجاني أنّ جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه هو أحد إخوة عليّ بن محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور، وفقاً لكلام النجاشي في موضعين من كتابه، فيكون قولويه مطابقاً لمسرور وهو عينه، فجعفر بن محمد بن قولويه صاحب كامل الزيارات هو عينه جعفر بن محمّد بن مسرور شيخ الشيخ الصدوق هنا، فيكون ثقةً.
ولكنّ هذا الكلام غير صحيح وفاقاً للنوري والخوئي وغيرهما، وذلك أنّه لم يرد في أيّ كتاب من كتب الصدوق الرواية عن جعفر بن محمد بن قولويه صاحب كامل الزيارات، إلا في موضعٍ واحد، وهو رواية رواها في كتاب (فضائل الأشهر الثلاثة: 33)، فلو كان ابن مسرور هو ابن قولويه لكان المفترض أنّ للصدوق روايات كثيرة عنه لديه، وابن قولويه يُعرف بهذا الاسم، فلماذا لم يرد هذا الاسم المشهور والمعروف له في كتب الصدوق أبداً سوى في موضعٍ واحد، بينما وجدنا اسم ابن مسرور متكرّراً في مواضع عديدة من كتبه وفي طرقه؟! يضاف إلى ذلك أنّ ابن مسرور الذي روى عنه الصدوق يروي غالباً عن الحسين بن محمّد بن عامر، ولا نجد روايةً لابن مسرور عن شيوخ ابن قولويه المعروفين، فلو كان هو نفسه لكان مقتضى العادة أن تكون رواياته عن شيوخه المعروفين، فكيف لم يرو عنه الصدوق أيّ رواية عن شيوخه الآخرين المعروفين الواقعين في مثل كتاب كامل الزيارات وغيره والذين أخذ الحديث منهم، في حين كانت رواياته عن الحسين بن محمّد بن عامر قليلة جداً؟! هذا كلّه يجعل فكرة الاتحاد مجرّد احتمال ولو كان راجحاً قليلاً لا أكثر، مع الإقرار بإمكان أن يروي الصدوق (381هـ) عن ابن قولويه (368هـ)، والإقرار ايضاً بأنّ مسروراً هو قولويه نفسه، بحسب معطيات كتاب الرجال للشيخ النجاشي، فالأرجح ما ذهب إليه الشيخ النوري والسيد الخوئي من عدم ثبوت الاتحاد بدليل مقنع، ومن ثم فالرجل لا دليل على وثاقته.
وأغلب مضمون هذه الرواية يمكن تأييده بروايات أخرى عديدة وردت في كتب الحديث والتاريخ، لكن لو تُركنا نحن وهذه الرواية فقط فهي من حيث السند غير ثابتة، وليست لها مصادر كثيرة متعدّدة ولا هي بذات طرقٍ وأسانيد متعاضدة، وعليه فيؤخذ بالقاسم المشترك بينها وبين غيرها ممّا يحصل وثوق به، ولا يُحتجّ بغيره، بل يُذكر من باب التأييد فقط.
وأمّا معناها، فغاية ما تدلّ عليه هو الحزن في العشرة الأوَل من شهر محرّم الحرام، وهي ساكتةٌ عمّا سوى ذلك، فهل كان الإمام يستمرّ بحزنه إلى نهاية محرّم أم إلى وسطه أم إلى نهاية صفر أم إلى التاسع من ربيع الأوّل أم إلى ما بعد ذلك؟ فهذا أمر لا تشير إليه هذه الرواية، بل أقصى ما تفيد هو هيمنة الحزن عليه طيلة العشرة أيام الأولى من المحرّم، وبلوغ حزنه الذروةَ يوم العاشر، أمّا غير ذلك فهي لا تثبت الحزن ولا تنفيه، فيحتاج الإثبات والنفي إلى دليل من خارج هذه الرواية، وإن كان مقتضى العادة أنّ الحزن لو أريد له أن ينتهي نهاية العاشر فقد نتوقّع استمراره ليومٍ أو يومين أو أكثر بقليل بشكل تنازلي، والله العالم.