السؤال: جاء في مناجاة عن الإمام عليه السلام: (إلهي لولا الواجب من قبول أمرك لنزهتك من ذكري إياك)، ثم يعود ويقول: (ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألسنتنا)، و (وأنسنا بالذكر الخفيّ) و (فلا تطمئن القلوب إلا بذكراك) و (وأستغفرك من كلّ لذّةٍ بغير ذكرك)، ثم يختتم بالآية القرآنية: (فاذكروني أذكركم)، أليست افتتاحيّة هذه المناجاة مناقضة لبقيّة مقاطعها وفقراتها؟ (كمال، من سلطنة عمان).
الجواب: ما جاء ممّا نقلتموه من مناجاة الذاكرين للإمام زين العابدين عليه السلام ليس فيه تهافت، ويمكن طرح احتمالين في تفسيره هما:
الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد من مطلع المناجاة الإشارة إلى خسّة القائل ووضاعته، تماماً كما يقول العاصي الفاسق الزاني القاتل: إنّ مثلي يلوّث اسم فلان العظيم إذا تكلّم به، فهذا ليس رفضاً للذكر، وإنما هو إشارة إلى عصيان الذاكر بما يتعالى الخالق أن يُذكر على مثل هذه الألسن، وهو تعبير كنائي ومجازي رائع حقيقةً. ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الدعاء يقوم على حالة الوجدان والتفاعل العاطفي العميق، لهذا فلا يصحّ اعتبار هذا المقطع شاهداً على أنّ الإمام زين العابدين يرى نفسه أو يقرّ على نفسه بأنّه من العصاة الذين بلغوا هذه المرتبة والعياذ بالله.
الاحتمال الثاني: أن يكون المراد هو أنّ جريان اسمك ـ تباركتَ وتعاليت ـ على لسان شخص من خلقك يرفع شأن هذا الشخص، والخلق كلّهم لا يملكون شأنيّة أن يُمنحوا ذكر اسم الله على ألسنتهم، وهم المخلوقات التي بينها وبينه رتبٌ ودرجات، ولعلّ ما يساعد على هذا التفسير أنّ المناجاة قالت بعد ذلك مباشرةً: (عَلى أَنَّ ذِكْرِي لَكَ بِقَدْرِي لا بِقَدْرِكَ، وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ مِقْدارِي حَتّى أُجْعَلَ مَحَلاً لِتَقْدِيسِك).