السؤال: تأتينا في الآونة الأخيرة رسائل كالتالي: (السلام على قلبك يا صاحب الزمان، السلام على الباكي بدل الدموع دماً، السلام على المنتظر للثأر، مواساةً لك بمصاب جدّك الحسين عليه السلام، ولتعجيل فرجك نهديك الصلوات المحمديّة. ملاحظة: القراءة حتى مساء غد الجمعة، وستتم زيارة بالنيابة عن المشاركين عند الإمام الحسين وأبي الفضل العباس عليهما السلام. الرجاء إرسال عدد الصلوات على محمد وآل محمد التي تريد قراءتها). هذه الرسائل تطالبنا بعدد معيّن من ذكر الصلاة على محمّد وآل محمّد بنيّة تعجيل الظهور للإمام المهدي عليه السلام. وبعد ذلك ستتمّ الصلاة والزيارة نيابة عن المشاركين في المقام المذكور في الرسالة، وفي النهاية تأتينا الرسالة التالية: (تمّت الهدية لصاحب العصر والزمان ـ مليونين و720ألف ـ صلوات محمّدية، وتمّت زيارة بالنيابة عن المشاركين عند الإمام الحسين وأبي الفضل العباس عليهما السلام. عظّم الله أجوركم وتقبّل أعمالكم. لا تنسوا صاحب العزاء مولانا القائم(عج) من دعائكم). ما هو رأيكم الكريم بهذا الموضوع؟ (مصطفى كركي، لبنان).
الجواب: أن يصلّي الإنسان على محمّد وآل محمّد فهو أمرٌ مندوبٌ إليه في نفسه، لاسيما في مثل مناسبة عاشوراء التي تتصل بمحمّد وآل محمّد. وأن يشجّع الإنسان الآخرين على الصلوات هذه فهو أمرٌ حسن أيضاً بلا شكّ، وينبغي العمل دوماً على تشجيع الناس على فعل ما هو صالحٌ وقُربيٌّ إلى الله تعالى مثل الذكر والتسبيح والثناء على الله والاستغفار والصلاة على محمّد وآل محمّد عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام. وأن يزور الإنسان من يستحبّ زيارته ويهدي ثواب ذلك إلى شخصٍ آخر لهو أمرٌ حسنٌ أيضاً عند كثير من العلماء، وله واقعيّة من وجهة نظرهم، والله فضله عميم، وإن كان هناك من له بعض التحفّظات على هذا الموضوع؛ انطلاقاً من قوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (النجم: 39)، على أساس أنّ له سعيه وليس سعي غيره، تماماً كما أنّ عليه وزره وليس وزر غيره، والآية قالت: ليس له، ولم تقل: ليس عليه، مما يشير ـ بحسب وجهة النظر هذه ـ إلى أنّ الإنسان لا يحظى إلا بنتائج عمله لا نتائج عمل غيره ولو أرسلها له هديةً، وبعضهم يناقش في هذا الكلام من حيث إنّ من نتائج عمله مثلاً هو زيادة الله له في الحسنات لو قدّمها له غيره، والبحث طويل.
وعلى أيّة حال، فهذه الأمور لا مشكلة فيها من حيث المبدأ، لكنّ المشكلة تكمن في ما نلاحظه من انتشار واسع للغاية لمثل هذه الرسائل التي تضع أرقاماً وآليات محدّدة، قد توهم الناس بأنّها ذات طابع ديني خاص، بمعنى أنّها منصوصٌ عليها في الشرع بهذه الطريقة أو الآلية، فيما هي قد تكون لا أصل شرعيّ لها على الإطلاق، وإنّما هي من بنات أفكار صانعها، فإذا لم يكن الأمر منصوصاً عليه في الشرع، فهذه الأساليب ينبغي أن تكون في إطار وبطريقة لا توهم أنّها مسائل ذات صفة شرعيّة منصوصة بتفاصيلها، وما عدا ذلك فكلّه لا بأس به ما دام المضمون سليماً ولا يكون على حساب أمر شرعي آخر أهمّ بطريقة سلبيّة.
ومن هذا النوع الكثير من الرسائل المنتشرة سابقاً واليوم بأعمال خاصّة في أوقات خاصّة وأذكار معيّنة، وكذلك التهديد بأنّه لو لم يقم بهذا العمل وينشره فسوف يلقى كذا وكذا جزاء ومصيبة في الدنيا والآخرة ونحو ذلك من المصطنعات التي غالباً ـ لو لم أقل دائماً ـ لا يكون لها أصل في الدين، وإنّما هي كيفيات وقصص وضعها أصحابها بغاية الترغيب في الدين أو بغايات أخرى لا نعرفها ولا نريد أن نتهم أحداً فيها، فمثل هذه الأمور التي توجب توهّم نسبة هذه الأشياء بتفاصيلها للشرع والدين ينبغي التنبّه لها كي لا تتوارث الأجيال أعمالاً لا أساس شرعيّ لها، فتصبح بعد قرن أو قرنين جزءاً من حقائق الدين على المستوى الشعبي في الحدّ الأدنى. يجب أن يكون لنا حسّ التحذّر من مثل هذه الأشياء لكي نقوم بترشيدها بما ينفع ولا يضرّ، وإن كان الأنسب بالإنسان أن ينشر ما ورد في الشرع من أعمال، ولا يخترع من عنده شيئاً بما يوهم نسبتها للدين الحنيف.
بل مع الأسف الشديد فقد رأينا أحاديث مكذوبة على النبي والصحابة وأهل البيت تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي ولا أصل لها عند المسلمين، ويجب التنبّه دوماً ـ كما أشرنا مراراً ـ لهذا الموضوع، وأنّه في غاية الخطورة على المستوى الديني، ممّا يكشف عن أنّ هناك من يتعمّد الكذب على رسول الله في هذه الأيام لغرضٍ عدواني سيء أو انطلاقاً من جهل ديني كبير، وعلينا هنا أيضاً أن نبدو حذرين جداً من هذا، وأن ننشر الوعي والعقلانية بين عامّة الناس، ونكرّس ثقافة التوثيق والتأكّد في القضايا الدينية، بدل ثقافة التلقين، فليس كلّما جاءنا شخص بشيء أخذنا به ومشينا في طريقنا، بل مقتضى التحذّر من البدع والخرافات، ومقتضى حماية الدين هو الوعي والسؤال والتثبّت والمناقشة الموضوعيّة للتأكّد من نسبة شيء إلى الدين، فمن هنا علينا في هذه الحالات أن نطالب بالتوثيق، وأن نسأل ونهتم كلّما كان في المضمون ما يريب أو يُثير، فهذا الحسّ الاستشعاري ضروريٌّ لحماية تديّننا من الخرافات والخزعبلات والمؤامرات والمنامات المختَلَقَة والأقاصيص المبتكرة المكذوبة، حمانا الله جميعاً من الضلالة والزيغ.