السؤال: ما هو المقصود من كلام السيد الطباطبائي (أو عند التأليف بعد الرحلة)، في تفسير الميزان، وذلك عند تفسير قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (اﻷحزاب: 33)، حيث قال هنا: (فالآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي وﻻ متصلة بها، وإنّما وُضعت بينها إمّا بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة)، فما هو مقصوده؟ (منتظر).
الجواب: يميل العلامة الطباطبائي في الميزان ـ عند بحثه في آية إكمال الدين من سورة المائدة، وآية التطهير من سورة الأحزاب ـ إلى الاعتقاد بأنّ مقطع: (اليوم أكملت لكم دينكم..) و (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس..)، لم ينزلا مع تلك الآيات والمقاطع التي احتفّت بهما، ولكنّهما وضعا في هذا الموضع من القرآن الكريم عند جمعه، وأنّ هذا الوضع إمّا كان بأمرٍ نبويّ لغاية يراها النبيّ، ربما تكون الحفاظ على هذه المقاطع من الحذف في القرآن الكريم، أو أنّ ذلك كان عند تأليف وجمع القرآن بعد رحلة النبي الأعظم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم (التأليف بعد الرحلة)، وينطلق في ذلك من عدّة مبرّرات، منها أنّنا لو حذفنا هاتين الجملتين من الآيتين سنجد أنّ ما بعدهما سوف يكمل ما قبلهما تماماً، وكأنّ وقوع هذين المقطعين جاء كجملة معترضة أجنبيّة عن السياق، وأنّهما اُقحما إقحاماً، وهو ما اعتبره علماء آخرون أمراً عادياً؛ لأنّ نهج القرآن الكريم قائم على التنقّل بين الموضوعات والعودة إليها، وهناك كلام كثير في هذه القضيّة لا نخوض فيه الساعة.
لاحظوا قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ والْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة: 3)، فإنّ جملة (فمن اضطرّ في مخمصة) تكملة لمطلع الآية الكريمة.
ولاحظوا أيضاً قوله تعالى: (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) (الأحزاب: 32 ـ 34). فإنّ جملة (واذكرن ما يُتلى في بيوتكن) جاءت كالتكملة لقوله: (وأطعن الله ورسوله)، فكأنّ آية التطهير وقعت جملةً مُقحمة في السياق.
وليس العلامة الطباطبائي فقط هو من أثار هذا الاحتمال، بل قبله يوجد من تحدّث عن هذا الموضوع، مثل العلامة المجلسي.
وطرح هذه القضيّة له جوانب عديدة بالغة الأهميّة، ولا ينبغي أن تفوتنا هذه الجوانب، ولا أريد هنا أن أعترض على العلامة الطباطبائي، بقدر ما أريد التنبّه لنتائج محْتَمَلَة لمثل هذا الطرح، وضرورة أخذها بعين الاعتبار:
أولاً: إنّ المقطعين المشار إليهما وقعا ضمن آية واحدة، لا أنّهما آية مستقلّة، أي كلّ واحدٍ من هذين المقطعين جاء جزءاً من آية، وهذا يعني أنّه لو فُتح باب احتمال إقحام مقاطع ضمن آيات بعد العصر النبوي عمداً أو خطأ أو اشتباهاً (بل قد تسري المشكلة لو حصل ذلك من قِبَل النبي نفسه)، فإنّ ذلك يطرح تساؤلاً عن قيمة السياق القرآني داخل الآية الواحدة، فالمعروف أنّ سياق الآيات حجّة، وهناك كلام بينهم في حجيّة السياق بين الآيات لا داخلها، فلو أسقطنا حجيّة سياق الآية الواحدة وأثرنا احتمال حصول مثل هذه الإقحامات لأوجب ذلك إجمالاً عظيماً في الكثير من آيات الكتاب؛ إذ يصبح من المحتمل أنّ جزءاً من الآية قد حذف ووضع في مكان آخر، وأنّ جزءاً آخر جاء مكانه وهكذا، الأمر الذي يوجب الشك في القرائن المتصلة بالآية الواحدة، وهو شكّ يوجب الإجمال عند علماء التفسير وأصول الفقه، فينبغي التنبّه لهذه النتيجة وحجم آثارها، لاسيّما وأنّ العلامة الطباطبائي أثار هذه الفكرة في آيتين، مع أنّ بإمكان الآخرين أن يثيروها في عشرات الآيات الأخرى، ويشكّكوا ـ من ثمّ ـ في جملة هنا وهناك أن تكون من هذه الآية أو تلك، فلو أنّ ذلك كان وقع فما الذي يمكن فعله؟! بل كيف يصبح باب تفسير القرآن بالقرآن الذي طرحه العلامة الطباطبائي ممكناً أصلاً؟! هذا الموضوع يحتاج إلى تنظير شامل لوضع إطار فكري فيه، وإلا فقد تصبح النصوص القرآنيّة جملاً مبعثرة داخل الآيات، وعلينا ـ من ثم ـ الاستعداد لقبول هذه النتائج لو رجّحنا إسقاط سياقات الآية الواحدة نفسها.
ثانياً: إنّ ذهاب الطباطبائي إلى هذا القول في الآيتين أو ميله له، يهدف إلى تكريس ربط الجملتين بأهل البيت النبوي عليهم السلام، لكنّه في الوقت عينه يوحي بأنّ الطباطبائي عجز عن تفسير المقطعين بأهل البيت فاضطرّ لفرض إقحامهما، وهذا ما قد يفسّره الآخرون على أنّه اعتراف ضمني بعدم قدرة المفسّر الشيعي على ربط الآيتين بأهل البيت عليهم السلام ضمن سياقهما، فاضطرّ لبترهما عن سياقهما الداخلي، وهذا قد ينسف جهود الكثيرين الذين حاولوا ربط الآيتين بأهل البيت دون أن يفرضوا حصول تصرّف في القرآن بعد رحلة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فينبغي التنبّه لهذه القضيّة جيداً، وربما يكون مراد العلامة كلاماً تنزّليّاً والعلم عند الله.
ثالثاً: ينبغي لأنصار مدرسة العلامة الطباطبائي أن يوضحوا لنا أيضاً كيف تمّ ربط هذه الآية بأهل البيت النبوي؟ فإذا كان الربط من خلال الروايات المتواترة في الموضوع، فإنّ هذا الأمر كافٍ في حلّ المشكلة حتى لو لم نتمكّن من فهم آليات الربط بين مقاطع الآية الواحدة، تماما كما قيل في مثل الآية رقم 3 من سورة النساء، وإذا كان ذلك من خلال أخبار الآحاد، فإنّ أخبار الآحاد عند العلامة الطباطبائي يصعب جعلها مرجعاً تفسيريّاً في قضيّة بهذه الخطورة، وإذا كان النصّ القرآني نفسه، فإنّ جعل هذا المقطع ضمن آية التطهير يقرّبه من أسرة النبيّ، بينما جعله مقتطعاً من آية أخرى أو هو آية أخرى مستقلّة قد يبعده عن أسرة النبيّ وأهل بيته؛ لأنّه ما دام قد جاء من آية أخرى أو كان آيةً لوحده، فمن الممكن أن يراد منه أهل بيت نبيّ آخر من الأنبياء كإبراهيم عليه السلام، أو أنّ المراد بالبيت هو الحرم المكّي أو المدني كما قاله بعض المفسّرين المسلمين، وهذا ما يطوّل المسافة ويصعّب الأمر على من يريد الاستناد لهذه الآية في قضيّة أهل البيت عليهم السلام، فمن الضروري دراسة الموضوع من هذه الزاوية أيضاً.
ويبدو لي أنّ السيد الطباطبائي قد اعتقد بتواتر النصوص حول آية التطهير، وأنّ هذا التواتر لمّا لم تنسجم معطياته مع سياق الآيات، فقد فَرَضَ بنفسه احتمال الإقحام في الآية الواحدة، فمبرّر الطباطبائي في احتماله هو التواتر نفسه عنده (لا محض الاحتمال الموجب لإجمال الآيات)، بعد صعوبة التوفيق بين التواتر الحديثي والتاريخي في القضيّة من جهة وبين السياق القرآني في الآيات من جهة ثانية، فليتأمّل جيداً، فقد يكون هذا هو المبرّر النهائي لخطوته بما يرفع الإشكالات عنه من وجهة نظره، فيحصر دائرة إسقاط حجية السياق الداخلي بما قامت القرينة القطعية ولو الخارجيّة عليه، ويربط الآية بأهل البيت النبوي من خلال القرينة الخارجيّة القطعيّة نفسها، وبهذا يرفع المشاكل المتقدّمة التي قد تواجهه. وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه، لأنّه يفرض علينا بحثاً طويلاً في أنّه هل نحن مضطرّون لإثبات ربط الآية بأهل البيت إلى هدر السياق أم لا؟ ومجال الكلام مفتوح لتفاصيل إضافيّة في أطروحة السيد الطباطبائي هذه، نترك ذلك لفرصة أخرى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سألت أحد الفضلاء حول هذه المسألة وكان الجواب:
هناك قولان في مسألة جمع القرآن احدهما ان القران جمع في زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم بامر منه والقول الثاني ان القرآن جمع بعد ان رحل النبي الى الرفيق الاعلى وجمع من قبل الصحابة والى هذين القولين يشير صاحب الميزان .