السؤال: سماحة الشيخ حيدر حب الله حفظه الله تعالى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا أخوكم من المذهب السنّي، أرجوك شيخنا الكريم عمل كتاب وبحث علمي يقرّب بين السنّة والشيعة, فغالبيّة إخوانكم من أهل السنّة يحبّون رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأمّنا أمّ المسلمين فاطمة الزهراء، وزوجها حبيب رسولنا الكريم سيدي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وإبناه سيّدا شباب الجنّة الحسن والحسين، وحبّنا لهم جميعاً أبدي, وكذلك نحبّ الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان. ونقرّ أنّ سيّدنا الحسين قام بثورته ضدّ الظلم، وكذلك نقرّ بحبّنا لأمّهات المؤمنين زوجات نبيّنا وحبيبنا رسول الله، ومنهم عائشة ومارية رضي الله عنهنّ أجمعين. رجائي لك شيخنا التقريب بين المسلمين، فوالله نحبّكم لله فأنتم منّا وفينا، ونحن أهلكم وعشيرتكم، ما نطلبه منكم ومن علماء السنّة التقارب ونبذ الكراهية، فنحن أمّة محمّد، نحن المسلمون والمؤمنون إن شاء الله. شكراً لك (ماجد بن محمّد الرشيد).
الجواب: أخي الكريم، وعليك وعلى كلّ مسلمٍ مسالم سلامٌ من الله وبركات. إنّ القواسم المشتركة بين المسلمين أكثر من أن تعدّ أو تحصى، والأفكار والطروحات والمشاريع والأعمال التقريبيّة منذ قرن من الزمن وإلى اليوم كثيرة للغاية، وعلماء المسلمين من المذاهب كافّة عملوا وما يزالون على تقريب المسلمين من بعضهم ورفع شبح الفتنة من بينهم، ولكنّ المشكلة هي أنّ الحروب السياسيّة يحتاج رجالها إلى غطاء من أكثر من نوع، وأحد أهم أنواع الأغطية هو الغطاء الديني الذي يحاول تهييج العامّة من الناس هنا وهناك، وكلّما كان وعي علماء الدين وأهل الإيمان بسيطاً كان بإمكان رجال السياسة اللعب بهم وتحويل وجهتهم وتحريكهم في الإطار الذي يريدون، وكلّما كان كبيراً فوّت ذلك الفرصة على الآخرين وجعل الدين في منأى وسلامة من صراعات الدنيا بدل أن يكون وقوداً لها.
المطلوب منّا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى هو الفصل بين الديني والسياسي في هذه القضيّة، وأن نعي جميعاً أنّ خلط الخطاب الديني بالسياسي هنا ليس في نفع الدين كما يتصوّر بعض علماء الدين والمؤمنين، بل مآلاته في ضرر الدين نفسه، وأنّ من أعظم مسؤوليّات علماء الدين اليوم في تنظيراتهم وخطابهم وبياناتهم ومسلكيّاتهم هو فكّ الارتباط المزعوم بين القضيّة الدينية وبين الصراع السياسي الحادّ الذي تشهده المنطقة، سواء كان هذا الصراع مخطّطاً غربيّاً صهيونيّاً أم لا، وحتى لو اقتنعت دينيّاً وسياسياً بضرورة المشاركة في هذه الحرب الداخليّة أو تلك من منطلق دفع الظلم أو رفع البغي، فهذا شيء لك أو لي الحقّ فيه، لكنّ خلع صفة المذهبيّة على هذه الحرب شيء آخر يجب التحذّر منه دوماً.
هناك الكثيرون والحمد لله من علماء الأمّة يحملون همّ التقريب، وهم مقتنعون بكلّ ما نقوله وبما هو أكثر من ذلك، لكنّنا نواجه مشكلةً أخرى أيضاً مع بعضهم، وهي مشكلة الإرادات، فكلّ واحدٍ منّا بات يخاف على موقعه داخل مذهبه لو قال الحقيقة ونادى بها بشكلٍ حقيقي وليس بشكل بروتوكولي، ولهذا إمّا تجده (حشر مع الناس عيدُ) أو تراه صامتاً يخاف على نفسه ومكانته فيترك الساحة للمتطرّفين من أبناء هذا المذهب أو ذاك. إنّنا بحاجة إلى صحوة ضمير، وأن نعرف أنّنا كعلماء دين ومفكّرين ومثقفين وكتّاب وإعلاميين وناشطين، قد حُمّلنا مسؤولية تاريخيّة سيحاسبنا الله والتاريخ والأجيال عليها، وأنّ الفرار أو دسّ الرأس في الرمال لن يبرأنا من لعنة التاريخ، ولأن نكون ملعونين من أبناء جلدتنا خيرٌ لنا من أن تلعننا السماء، فلنقم بخطوات جريئة تمنع التطرّف في حياتنا وليُقدم الكبار منّا ـ بلا خوف ولا وجل ـ على مواقف تاريخيّة، بدل الصمت الذي يترك الصغار المتطرّفين يأكلون الأخضر واليابس، فلا يتركون وراءهم إلا صعيداً زلقاً.
وبرأيي المتواضع، لن يكفي للشيعي اليوم أن يخاطب السنّي بنبذ التطرّف وإصلاح فكره المذهبي ليكون فكراً تقريبيّاً، ولا للسنّي أن يخاطب الشيعي بنبذ التطرّف وإصلاح فكره المذهبي ليكون فكراً تقريبيّاً؛ لأنّ ذلك يشجّع ـ أحياناً ـ على التطرّف ويزيد من حدّة الاشتعال، فمن يريد محاربة التطرّف اليوم وهو يراه ضارباً بأطنابه، عليه بأحد خيارين: إمّا أن يجعله خطابه عامّاً للجميع دون تخصيص، أو يخاطب أبناء قومه، فإنّ ذلك أدفع وأسلم، فلو التزمنا بذلك كان ذلك أفعل، والعلم عند الله.
هذا، وفي علمي أنّ هناك كتاباً يجري الإعداد له في هذه الفترة على المستوى الشيعي، ويمثل رسالة سلام ومحبّة وتعاون، لفتح صفحة جديدة في التواصل المذهبي، حتى لو ظلّت صراعات السياسيين قائمةً على حالها.