السؤال: كيف يتمّ الجمع بين هاتين الروايتين: صحيح محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس». وموثق إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: «ليس عليه قضاؤه»؟ (أمجد الزبيدي).
الجواب: أفضل جمعٍ عرفي في نظري هنا هو القول بأنّ الرواية الأولى أقصى ما تفيد هو أنّ الصائم لا ينبغي له أن يفعل هذه الأربعة، وإلا بطل صومه ولم يتحقّق منه الصيام، فلو ارتمس مثلاً فإنّ الصوم صار باطلاً، ولا يصدق عليه أنّه صام هذا اليوم، ولا تترتّب عليه آثار صوم هذا اليوم تشريعاً. وأمّا الرواية الثانية فهي لا تصحّح صوم هذا الشخص، بل غاية ما تقول بأنّ صيامه الباطل لا يجب قضاؤه. ولا غرابة في التفكيك بين البطلان وعدم وجوب القضاء، كيف وبعض الفقهاء حكم بأنّه لو لم يصلّ العيدين الواجبة أو صلاها بلا ركوع مثلاً بطلت، ولكنّه لا يجب القضاء في العيدين؛ لقيام الدليل على ذلك فيهما خاصّة، ومثله قال بعضهم في بعض الحالات من صلاة الآيات، بل أفتى بعضهم بعدم وجوب قضاء غير اليوميّة من الفرائض إلا صلاة الآيات في بعض صورها، وهذه أمور تعبّدية يمكن التفكيك فيها، كما نفكّك بين بطلان الصوم ووجوب الكفارة، وبعض الفقهاء ذهب إلى أنّ القيء مبطلٌ للصوم وموجبٌ للقضاء، لكنّه لا تجب الكفارة معه حتى لو فعله عامداً متعمّداً. وهنا يمكن أن يقال بأنّ من ارتمس بطل صومه، ولم يؤدّ واجبه الشرعي، ووجبت عليه التوبة، لكنّه لا يجب عليه القضاء، فلا تنافي بين الروايتين. لكنّ كثيراً من الفقهاء فهموا التنافي؛ لعدم تصوّرهم البطلان مع عدم القضاء هنا، فقدّموا تخريجات قد لا تكون لها ضرورة بناءً على ما تقدّم، كالحديث عن ما أسموه الكراهة الوضعيّة، أو طرح رواية إسحاق بن عمار للتقية أو غير ذلك.