السؤال: 1 ـ بناءً على ما بنيتم عليه من عدم مشروعيّة الجهاد.. ما حكم من قتل كافراً (غير الذمّي بالمعنى المصطلح) دون عدوان من الكافر؟ هل يثبت القصاص أو ماذا؟ وشكراً.
2 ـ مبدئيّاً أحبّ أن أثني على الجهد الذي تقدّمونه ونحن ممتنّون لما تحملونه من فكر نيّر، وأعتذر إن كنت حاداً في الطرح.. هل الإسلام دين سلام أو عنف أو دين سلام وفيه جانب من العنف؟ حقيقة في الإجابة عن هذا السؤال أرّقتني مسألة الجهاد الابتدائي، فهل معناه أنّنا نعرض عقيدتنا على أمّة معيّنة فإن لم تقبل فسنقاتلها؟ أليس هذا إكراهاً واضحاً؟ هل يشمل قتال أهل الكتاب ممّن لم يقاتلوا المسلمين؟ إذا كان الأمر هكذا فالإسلام دين السيف؛ لأنّ هذا إكراه للناس على انتحال عقيدتنا، وإلا سيقتلون.. لأنّ هذا ليس جهاداً دفاعيّاً.. من باب آخر يعدّ هذا الأمر انتصاراً لأصحاب نظريّة فصل الدين عن الدولة؛ لأنّ الدين إن امتلك القوّة سيقاتل الناس إن لم يقتنعوا بمبادئه! إن كنت مخطئاً أتمنّى الإيضاح.
الجواب: لعلّه حصل سهو في كلامكم في السؤال الأوّل، فأنا لا أقول بعدم مشروعيّة الجهاد، بل قد تراني مقدِّساً للجهاد أيّما تقديس، فالجهاد من أعظم فرائض الدين، والمجاهدون هم الحماة الحقيقيّون للأمّة والوطن والدين والإنسان، كلّ ما أنكرتُه هو الجهاد الابتدائي الذي يقوم فيه المسلمون بفتح حرب ضدّ غير المسلمين دون أيّ عدوان من الآخرين عليهم بالمعنى العام للعدوان، ولا كون الآخرين يقومون بالاستعداد للعدوان، وهذا النوع من الجهاد الذي ينتهي ـ فقهيّاً ـ بفرض السيطرة على بلاد الآخرين الذين لم يتدخّلوا في شؤوننا عدوانيّاً أو بفرض الدين عليهم وإلا قُتلوا.. هذا النوع من الجهاد اعتبرتُه غير شرعي، بل معارض للقرآن الكريم، ويمكنكم مراجعة دراستي المتواضعة ـ على حلقتين ـ في هذا الموضوع في كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 1: 59 ـ 200، وج 4: 287 ـ 335).
وبناءً عليه، فمن يقتل كافراً بجهادٍ ابتدائي ويكون فعله هذا ضمن سياسة الجهاد وامتثالاً لأوامر وفتاوى الحاكم الشرعي، ولا يكون هذا الكافر معتدياً بالعدوان السياسي و.. فضلاً عن العدوان الشخصي على المسلمين، فلا يكون مشاركاً في احتلال بلادهم أو في الجيوش التي تمارس العدوان عليهم ونحو ذلك، وكان القاتل عاملاً باجتهاد أو تقليد يبرّران له ذلك، فهو معذور، ولكنّه لا يجري في حقّه القصاص، بل يلزم إخراج الدية إمّا منه أو من بيت المال على الأرجح، ما دام المقتول غير محارب بالمعنى الذي اخترناه للمحارب، وهو الذي يتلبّس بالفعل أو بالقوّة القريبة من الفعل بالعدوان على جماعة المسلمين بنوعٍ من العدوان، لا مطلق غير الذمّي والمعاهد بالمعنى المشهور فقهيّاً، والعلم عند الله.
وبهذا الذي قلتُه، وبمراجعة بحثي حول الجهاد الابتدائيّ، يظهر الجواب على السؤال الثاني.