السؤال: ما هو حكم سفر المرأة من غير محرم، وهي قادرة على تولّي أمورها، برضا وليّ أمرها، والغرضُ هو الترفيه؟
الجواب: تعرّض الفقهاء المسلمون من أهل السنّة لمسألة سفر المرأة من دون محرم، وقد أفتى جمعٌ من الفقهاء بحرمة ذلك (الشافعي، الأم 5: 244؛ ومختصر المزني: 222؛ والنووي، المجموع 4: 402)، أما الإماميّة فكان من النادر تعرّضهم لهذا الموضوع، ولهذا فإنّ المعروف بينهم هو الجواز من حيث المبدأ. ومن الذين تعرّضوا له بشكل مطلق الشيخُ المفيد حيث قال: (وليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم لها) (أحكام النساء: 29). نعم، وقع الحديث عند فقهاء الإماميّة عن حجّ المرأة بلا محرم، والمعروف بينهم عدم اشتراط المحرم (انظر ـ على سبيل المثال ـ: اليزدي، العروة الوثقى 4: 451؛ والمحقّق الحلي، شرائع الإسلام 1: 168؛ والعاملي، مدارك الأحكام 7: 89؛ والنجفي، جواهر الكلام 17: 330)، بل عند كثير من أهل السنّة أيضاً (انظر ـ على سبيل المثال ـ: ابن قدامة الحنبلي، المغني 3: 190 ـ 191)، لكنّ منعها عن سفر الحج بلا محرم لا يلازم منعها من السفر كذلك مطلقاً؛ إذ لعلّ للحجّ خاصيّته وحكمه التعبّدي، أو لكونه طويلاً جداً ومحفوفاً بالمخاطر عادةً لا سيما في تلك الأزمنة.
وقد استُند في منع سفر المرأة بلا محرم إلى عدّة روايات مرويّة عن النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وكذلك عن أهل البيت عليهم السلام، كما جاءت روايات أخرى عن أهل البيت تجيز سفرها مع رفقة ثقات، أو إذا كانت مأمونة، وهذا ما يفتي به الكثير من فقهاء الشيعة والسنّة بصرف النظر عن خصوصيّة سفر الحجّ، فالعبرة بكون السفر لا يعرّضها للخطر أو للفساد الأخلاقي. وقد بحثتُ شخصيّاً بالتفصيل في هذا الموضوع في دراستي المتواضعة حول عمل المرأة في الفقه الإسلامي وإشكاليّاته وعوائقه، وتوصّلت هناك في كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 2: 304 ـ 320، أمّا مجمل بحث عمل المرأة فيمكن مراجعته في المصدر نفسه: 227 ـ 324)، توصلتُ إلى أنّه لم يقم دليل مقنع على حرمة سفر المرأة بلا محرم سواء للحجّ أم لغيره، نعم يشترط أن تكون مأمونةً على نفسها ومالها، بحيث لا يكون في سفرها تعريضُ نفسها للضرر والأذيّة والاعتداء، ولا يلزم منه أيّ محذور شرعي آخر، وعلى هذا استقرّ مذهب الكثير من فقهاء الإسلام، وجمهور فقهاء الإماميّة المعاصرين أيضاً، ويصبح الأمر أكثر وضوحاً مع رضا أهلها أو زوجها.
أحسنتم…..