السؤال: ما حكم الراتب ـ من حيث الحلّية وعدمها ـ لموظّف يأتي إلى العمل، ولكن لا يؤدّي أيّ مهمّة توكل إليه، ولا يفعل شيئاً مما هو مطلوبٌ منه، ولا يسعى لتعلّم أيّ شيء مما هو مطلوب لأداء المهام الموكلة إليه؟ (حسن الحاج، لبنان).
الجواب: إذا كان عقد العمل يقضي بأن يأخذ مبلغاً من المال مقابل عمل معيّن، فلا يجوز له ترك العمل، بل هو ملزم به بموجب العقد، ويلزمه شرعاً أداؤه بنفس المواصفات الموجودة في العقد كمّاً وكيفاً، فما يُتعارف بين بعض العمّال والمستخدَمين أو الأساتذة والمعلّمين والمعلّمات، أو موظّفي الدوائر الحكوميّة وشبه الحكوميّة.. من الحضور إلى العمل متأخّرين عشرة دقائق أو نصف ساعة أو الخروج بلا ترخيص أو إذن بهذه الطريقة، أو الغياب غير المبرّر بلا إذن خاصّ أو عام، أو الغياب المبرّر كذباً بحجّة أنّه مريض وليس بمريض مثلاً، وكذلك عدم أداء العمل المتّفق عليه في العقد بالمستوى المطلوب، كأن يتهاون المعلّم أو العامل أو الموظّف في عمله ويقضي وقته في الكلام والمحادثة غير الراجعَين للعمل، وتعطيل أو إتلاف أوقات المراجعين وأصحاب العلاقة، وما شابه ذلك كلّه، ممّا صار عرفاً وعادةً لنا في الكثير من بلادنا العربيّة والإسلاميّة مع الأسف الشديد.. مخالفٌ للشرع والقانون من حيث المبدأ، ومقتضى التديّن هو أن يكون الإنسان منضبطاً في هذه الأمور كلّها ما لم يحصل على إذن خاص أو عام في التخلّف هنا أو هناك، فالتديّن ليس شعارات أو حضوراً إلى المساجد أو حجّاً لبيت الله الحرام أو بكاءً على الحسين عليه السلام أو مشاركةً في صلوات الجمعة والعيدين و.. فقط، بل هو أيضاً التزامٌ عملي جادّ بتكاليف الدين وتماهٍ حقيقي مع القيم الأخلاقيّة الإلزاميّة، ولو أنّنا طبّقنا هذه المفردة في شرع الله تعالى وفي حكم الفطرة والأخلاق لكانت كافيةً في إصلاح الكثير من الأمور. وما نقوله يجري على الدول نفسها وعلى أرباب العمل وأصحاب الشركات والمؤسّسات والتجارات والمصالح الكبرى التي يعمل عندها الآخرون، فكلّما طبّقنا شرع الله في حقوق العمل من الطرفين اقتربنا نحو بناء أوطان ومجتمعات أكثر رقيّاً وأقرب إلى الله تعالى. وخطابنا التربوي والديني والإعلامي معنيّ بقوّة أيضاً بالاهتمام بنشر مثل هذه الثقافة الناهضة بالأمم والشعوب.
والغريب أنّك تجد بعض المتديّنين يكثرون من الاحتياط والوسواس في بضاعةٍ هنا أو سلعة هناك، هل هي حرام أم حلال؟ وهل يوجد فيها مادّة محرّمة من الخنزير أم لا؟ ويربك بعضهم حياته بسبب مثل هذه الاحتمالات؛ حرصاً منه ـ ومبدأ الحرص هذا أمر جيّد ـ على أن لا يدخل بطنه شيء حرام، لكنّه قد لا يبالي بل قد لا ينتبه ـ بسبب الثقافة العامّة القائمة بيننا ـ في دخول المال الحرام إلى بطنه وبطون أهله وأولاده؛ بسبب سوء أدائه في العمل أو تهاونه فيه كمّاً أو كيفاً أو هما معاً، فـ (الاحتياط) في المعلوم أولى من الاحتياط في المشكوك.
والأغرب من هذا أنّك ترى بعض الناس يهزأ بالمتديّن المنضبط بهذه الأمور ويرى في ذلك جموداً وتخلّفاً، لكنّه عندما يشاهد الانضباط المذهل في بعض البلدان الغربيّة في هذا المضمار يُثني ويمدح، وهل ما يمدحه هناك غير ما ذمّه هنا؟! فلنتعاون جميعاً على رفع مستوى أدائنا الديني والقانوني ليكون قادراً على النهوض بمجتمعاتنا وأوطاننا إن شاء الله.
وعلى تقدير الترك وتخلّف العامل أو الموظّف ـ حيث ينقضي الوقت ولا بدل، ولا يكون المتّفق عليه في الذمّة ـ فلا يكون مستحقّاً للمال كلاً أو بعضاً وفقاً لطبيعة العقد، ولا يجوز له التصرّف فيه بغير إذن صاحبه أو رضاه، وإذا كانت الجهة حكوميّةً وقيل بكون مال الدولة بحكم مال مجهول المالك، كما عليه مثل السيد الخوئي، ففي هذه الحال لو أخذه يلزمه مراجعة الحاكم الشرعي في التصرّف بالمال على تقدير عدم العمل؛ لأنّ إذن الحاكم الشرعي في هذا المال على تقدير العمل لا يكفي في نفسه، حيث قد لا يشمل صورة تهاونه في العمل، والعلم عند الله.