السؤال:إنّ بعض العاملين بالدول الغربية يكون تقاعدهم عن طريق شركات تفتح باسمهم تأخذ من الراتب وتشغّله لهم، ثم تقوم بإعطائهم أرباح تدفعها لهم في حساب الشركة المفتوحة، وهذا الحساب إذا سحب العامل منه سوف يدفع ضريبة كاملة عليه. أما إذا أبقاه لحين التقاعد فسوف يتخلّص من الضريبة الكاملة، ويكون هو مورد عيشه المناسب لشأنه، فهل يجوز تأجيل الخمس لهذا المال إلى ما بعد التقاعد، علماً أنّ التصرف به يسبّب بعض الإرباكات الماليّة؟ (مازن).
الجواب: يطرح الفقهاء هنا وجوهاً في المسألة وهي: 1 ـ وجوب الخمس. 2 ـ عدم وجوبه إلا بعد استيفائه وأخذه وقبضه. 3 ـ التفصيل بين ما يمكن استيفاؤه والمطالبة به في أيّ وقت فيجب خمسه، وما لا يمكن، فيكون مجبوراً على أخذه بعد نهاية الخدمة، فلا يجب الخمس فيه. وهناك تفصيلات أخرى أيضاً في المسألة.
أمّا الذين قالوا بوجوب الخمس فانطلقوا من أنّ هذا المال قد دخل في ملكيّة الموظف، ويعدّ من أرباح سنته، ومن ثم فيجب عليه خمسه، وأمّا كونه قادراً على الوصول إليه أو غير قادر فهذا لا ربط له بكونه من أرباحه التي يجب خمسها بمقتضى الدليل. وأمّا الذين قالوا بعدم وجوب الخمس إلا بعد أن يمرّ حول على قبض هذا التعويض فكانت لهم تخريجات، فقال بعضهم بانّ هذا المال غير مملوك فعلاً، فلا يصدق عليه أنّه من أرباح المكاسب، وإنّما هو أشبه شيء بالتملّك على تقدير نهاية الخدمة، فلا يجب خمسه إلا بعد استلامه ومرور الحول عليه، وبتعبير آخر إنّ هذه الأموال لا تكون له بنحو الملكيّة، وليست من أرباح كلّ سنة، بل هي من أرباح سنة استيفائها وأخذها، بل يثبت له نوعٌ من الحقّ القاضي بأن يملك هذا المال عند نهاية الخدمة، أو عند مطالبته به، أو عند وفاته، أو نحو ذلك، فإذا كانت صيغة العقد الوظيفي بين الموظّف والشركة أو المؤسّسة أو الدولة والجهة قائمةً على أنّ هذا المال لا يدخل في ملكيّة الموظف فعلاً، والدليل على ذلك أنّه يظلّ تحت تصرّف الدولة أو الشركة مثلاً تعمل به ما تريد ويعود ريعه وأرباحه إلى الشركة لا إليه (ولو كان له لعادت الأرباح ـ ولو بعضها ـ إليه بمقتضى قاعدة تبعيّة النماء للأصل)، فيكون أشبه بالوعد بالتمليك أو بشرط التمليك في ضمن عقد الوظيفة، فلا يجب عليه الخمس فيه أو الزكاة على تقديرها. ويرى فقهاء آخرون أنّ المبرّر لعدم الحكم بوجوب الخمس عليه إلا بعد الاستيفاء هو أنّه يمكن لصاحب المال أن يحيل الحاكم الشرعي على من بيده المال وهو المدين؛ لأنّ دليل الخمس لا يفيد أكثر من تعلّق الخمس بالمال، فيجب على المكلّف دفعه نقداً أو التخلية بين الحاكم وبين خمس العين، وهذا ما يحصل بالإرجاع والإحالة، فإذا أخذ الحاكم الخمس من الشركة سقط التكليف عنه، وإذا لم يأخذ لا يكون المكلّف مقصّراً في الدفع حيث حقّق التخلية، غايته أنّه لو استوفاه قبل أن يأخذ الحاكم خمسه لزمه تسليم خمسه للحاكم حين الاستيفاء.
والأرجح بنظري القاصر هو أنّه إذا كان مضمون العقد الوظيفي هو شرط التمليك بنحو شرط الفعل، أي أنّ العقد يقول بأنّ الحقوق الشهرية المالية للموظف هي مبلغ ألف دولار مثلاً، لكنّ يشترط في العقد أن تقوم الشركة بتمليك العامل مبلغ مائة دولار لكلّ شهر مثلاً عند نهاية الخدمة، فهنا لا يجب الخمس قبل الاستلام ونهاية الخدمة، أمّا إذا كان مضمون العقد هو كون الراتب الوظيفي من الأوّل لكلّ شهر هو 1100 دولاراً، غايته يقتطع منه مبلغ مائة دولار لتعويض نهاية الخدمة (على أن يكون هذا المال للموظف في ذمّة الشركة، الأمر الذي يبرّر متاجرتها به وأخذها ارباح التجارة أحياناً، فيحكم بحكم الدين عليها له)، فالحكم هنا هو التفصيل بين إمكان أخذ المال ساعة تشاء، ففي هذه الحال يجب خمسه؛ لصدق عنوان الغنيمة والربح، وبين دخوله في ملكيّتك دون أن يمكنك التصرّف فيه والاستفادة منه مطلقاً منذ لحظة دخوله في الملك، فلا يجب خمسه. والعلم عند الله.