السؤال: كان النظام السابق في العراق يقوم بوضع اليد على الأراضي الزراعيّة المحيطة بالمدن، وذلك لتوسعة المدن وإنشاء العمران وتوزيعها على موظّفي الدولة من المعلّمين وما شاكل ذلك، إنّ هذه الأراضي ترجع إلى مواطنين (فلاحين) وتقوم الدولة بتعويضهم بشيء قليل لا يتناسب مع مقدار الأرض. ما حكم الأراضي التي تقوم الدولة بتسليمها إلى المواطنين، فهل تعتبر الأرضُ مغصوبةً؟ (أبو يوسف، العراق).
الجواب: توجد هنا ـ وفي كلّ الموارد التي تصادر فيها الدولة مالاً ـ حالتان:
الحالة الأولى: أن لا نعلم بأنّ هذه الأرض التي كانت من نصيبك مثلاً، هل أعطاها ذلك الفلاح للدولة راضياً بما أخذ في مقابلها أم لا؟ إذ مجرّد كون قيمتها التي أخذها في زمن النظام السابق أقلّ من قيمتها الواقعية لا يعني أنّه غير راض بذلك، بل لابدّ من إحراز عدم الرضا، وأنّه كان بنفسه مجبوراً ومكرهاً عمليّاً على البيع، وإلا فالمفترض أنّه قد وقع العقد صحيحاً، وفي هذه الحال يجوز لك أخذ هذه الأرض من الجهة التي تريد تمليكك إياها، إلا إذا كنت تقلّد مرجعاً يرى عدم ملكيّة الدولة أساساً، أو عدم ملكيّة مثل النظام السابق في البلد، فهنا يصبح المال مجهول المالك مع فرض عدم معرفتك بصاحبه وعدم إمكان الوصول إليه، ويجب عليك أخذ الإذن من الحاكم الشرعي الجامع للشرائط في هذه الأرض، بناءً على مرجعيّة الحاكم الشرعي في المال مجهول المالك، وإلا فالتصدّق بها عن صاحبها، والاحتياط يقتضي التصدّق مع إذن الحاكم به.
الحالة الثانية: أن تعلم أو تطمئنّ بأنّ هذه الأرض بعينها قد أخذت من ذلك الفلاح بغير قبول منه، وأنّه كان مكرهاً على القبول، خوفاً من الإجراء الذي كان يمكن للدولة أن تتخذه في حقّه، والمفروض أنّ هذه الدولة التي أخذت الأرض منه غير شرعيّة، وفي هذه الحال لا يجوز لك أخذ هذه الأرض؛ لأنّها مغصوبة عمليّاً وما تزال على ملكيّة المالك الأوّل (الفلاح)، ما لم تعلم برضاه لاحقاً وغضّه الطرف عنها، أو تصل أنت إليه فتأخذ رضاه فيما حصل منه من نقل الأرض أيام النظام السابق، أو تحصل مصالحة عامّة في البلد تجعلك تطمئنّ إلى أنّ الملاك الأوائل قد صرفوا نظرهم عن هذه الأراضي أساساً وهم راضون بالتصرّف فيها من قبل الدولة الحالية. وفي غير هذه الحال لا يجوز أخذ هذه الأرض، بل لابدّ من التفتيش عن صاحبها لتسليمها إليه إن أمكن، وإلا فهي مجهولة المالك فيلزم الرجوع في أمرها إلى الحاكم الشرعي الجامع للشرائط، على ما قلناه في الحالة الأولى.