السؤال: أهل زوجي لديهم أخلاق سيّئة في معاملتهم معي، والغيرة مسيطرة على تصرّفاتهم، هل يجب عليّ زيارتهم باستمرار؟ وهل زيارة والديّ زوجي واجبة عليّ؟ وهل يعتبرون من أرحامي ويجب عليّ صلتهم ومحبّتهم؟ (أنفاس).
الجواب: الأرحام هم الأقارب الذين تجمعهم مع الشخص علاقةٌ نسبيّة، وبحسب تعبير بعض الفقهاء: من تربطك بهم رحم امرأة (مع صدق القرابة عرفاً)، سواء كانت الوالدة أم الجدّة من طرف الأب أو الأم، فيدخل الوالدان ولو علوا، والإخوة والأخوات وأولاهم، والأعمام والأخوال والعمّات والخالات وأولادهم وهكذا.. وهؤلاء هم الذين تجب صلتهم بالزيارة أو بالهدية أو بالاتصال التلفوني أو بغير ذلك ممّا لم يعيّن له الشرع طريقةً خاصّة منحصرة. وعنوان الأرحام أوسع من عنوان المحارم، فالأرحام يشملون حتى من يجوز نكاحه من الأقارب كما هو واضح.. وبناءً عليه فأقارب الزوج ليسوا من أرحام الزوجة، وأقارب الزوجة ليسوا من أرحام الزوج، بل الزوج ـ بما هو زوج ـ ليس من رحم الزوجة، والزوجة ـ بما هي زوجة ـ ليست من رحم الزوج، وإنّما العلاقة هي علاقات سببيّة ومصاهرة بين هؤلاء.
فالعلاقة الطيبة والتواصل بين أحد الزوجين وأقارب الآخر إنّما هو من باب حسن المعاشرة مع الزوج نفسه، وحسن العلاقة مع من تربط الإنسان بهم علاقة ما، وإلا فهي ليست واجبة بعنوانها، ولا يحقّ للزوج أو الزوجة إلزام الآخر بزيارة أقاربه شرعاً، ما لم يكن في البين عنوانٌ آخر، كأن يتعنون ترك ذلك عرفاً بالأذية أو الإهانة وسوء الخلق مع أهل الطرف الآخر، فهو مرجوح جدّاً، فإنّه قد ورد في النصوص إسقاط عنوان الفاحشة على سوء خلق الزوجة مع أهل زوجها.. وعموماً على الإنسان أن يتحمّل ـ قدر الإمكان ـ بعض الأمور ليبقى الحدّ الأدنى من علاقاته مع الآخرين، وقد تكون غيرة الآخرين ناشئةً من طريقة تصرّفنا معهم، وعدم رعايتنا لحالهم ومشاعرهم، فعلينا مراقبة أنفسنا أيضاً، وأن تكون عيوننا موجّهةً أيضاً إلى أنفسنا، وكأنّ أنفسنا شيء آخر نراقبه كما يراقب عمومُ الناس غيرَهم.
وعموماً إنّ حالات التنافس السلبي بين الأقارب وغيرهم، وسيطرة المال وكماليّات العيش على الناس وتفكيرهم، وارتفاع معدّل البذخ في العيش، والأبّهة والجاه في علاقات الناس ببعضها، وحالات الضغط السياسي والاقتصادي.. ذلك كلّه يساعد في فقدان الناس ثقتها ببعضها، وزوال روح التسامح، والاستعجال بسوء الظنّ بالآخرين، وتلاشي الشعور بالصدق في قول الآخر، وانعدام الإحساس الاجتماعي بأنّ الآخر قد يفعل فعلاً عن حُسن نيّة، وسيطرة الغيبة والبهتان على مختلف المجالس واللقاءات.. وهي أمراض تنامت وتضاعفت في العصر الأخير لأسباب، منها: هيمنة نمط الحياة المادية علينا جميعاً، فعلينا إعلان حال الطوارئ الأخلاقية لمواجهة القيم المادية والفاسدة التي تبتلع أجيالنا، لا لشيء إلا لأنّ حيتان المال في العالم يريدون الترويج لبضائعهم دون رعايةٍ للأخلاق أو لتأثيرات منتجاتهم على الأسرة والعلاقات الاجتماعيّة، ودون أن يتجرأ أو يتمكّن كثير من الحقوقيّين والقانونيّين ومؤسّسات المجتمع المدني ـ وبسبب فقرهم ـ من مواجهة حيتان المال، وما تفرضه هذه الحيتان على واقع الحياة الإنسانية. نسأل الله العافية.