السؤال: ما هي حدود الاختلاط مع المرأة الأجنبية أو الرجل الأجنبي في جوّ العمل، بحيث يكون وفقاً للضوابط الشرعية، ويراعي في نفس الوقت أن لا يكون أسلوب تعاطي المتديّن بنحوٍ منفّر من الدين عموماً؟ (أحمد، من سلطنة عمان).
الجواب: من الطبيعي في جوّ العمل أن يقع الاختلاط بين الرجال والنساء وبين الموظفين والموظفات، والإسلام لم يحرّم الاختلاط، وإنّما أراد أن يحمي الرجل والمرأة من مفاسد بعض أنواع الاختلاط، ولكي تكون العلاقة في العمل سليمةً، يفترض بالطرفين مراعاة بعض الأمور بطريقة هادئة ومتزنة، وأبرز هذه الأمور ما يلي:
أولاً: تجنّب النظر الغريزي الذي يختزن معاني الرغبة الجنسيّة، فعلى الطرفين تجنّب ذلك، والسعي ـ قدر الإمكان ـ لكي تكون انفعالاتهما تلقائيّةً لا تحوي غرضاً من هذا النوع.
ثانياً: ولكي يساعدا بعضهما في ذلك، يفترض أيضاً مراعاة خفض كلّ ما يمكن أن يخلق إثارةً شهويّة في جوّ العمل، من قبيل السفور أو بعض أنواع الملابس الفاضحة أو المثيرة ولو كانت ساترة، أو التبرّج والتزيّن بطريقة غير شرعيّة، أو كون أسلوب الكلام موجباً لإثارة الغريزة، كترقيق الصوت بنحو خاصّ أو غير ذلك، أو فتح موضوعات من شأنها تحريك الغرائز كبعض القصص والحكايا أو الطرائف أو غير ذلك.
ثالثاً: ليس هناك مانع من المزاح بين الطرفين، وليس هناك إلزام بجديّة قاهرة في العلاقة بينهما، لكنّ المزاح والملاطفة ينبغي أن يكونا بطريقة مؤدّبة لا تخفي وراءها نزوعاً غريزيّاً أو لا تؤدّي بطبيعتها إلى مفاسد أخلاقيّة.
رابعاً: لو واجه المؤمن المتديّن وضعاً غير سويّ في طبيعة العلاقة مع الطرف الآخر في جوّ العمل، فعليه أن يتجنّب هذا الجوّ بطريقة هادئة، ويمكنه أن يستخدم مفاهيم من نوع أنّ لكلّ إنسان الحقّ في ممارسة حياته بالطريقة التي يرتئيها شرط أن لا يخترق حرمة الآخرين، وكما لم أفرض رأيي على الآخر في كيفية عيشه فعلى الآخر أيضاً أن لا يفرض رأيه عليّ في طريقة العيش، وهنا لابدّ للمؤمن من توضيح موقفه بطريقة جاذبة غير منفّرة، وأن يحاول إقناع الآخرين بوجهة نظره، فإذا اقتنعوا فبها ونعمت، وإلا كان له بكلّ أدبٍ واحترام أن يمارس حياته في جوّ العمل بالطريقة التي يراها مناسبةً، مستخدماً حقّه وحريّته في ذلك، وعليه قبل كلّ شيء أن يعرف أنّ مثل هذه المواقف قد تكون امتحانات فرضت عليه، نظراً لعدم إمكان تخلّيه عن وظيفته في العادة، فيسعى قدر جهده لكي يفرض احترام شخصيّته على الآخرين، ولا يعيش عقدة رضاهم عنه، فإذا ظلّ بعضهم ينتقده فلا ضير في الأمر، فإنّه لم يُخلق أحدٌ على مايبدو كان محلّ توافق البشر، فهذه هي طبائع الناس وحالاتهم، وعلى المؤمن أن لا يسقط هنا في وهم أنّ مجرّد عدم اقتناع الآخرين بوجهة نظره معناه أنّه سقط في فخّ تنفيرهم من الدين، فهناك فرقٌ بين أن تمارس فعلاً هو بطبيعته منفّر من الدين، وبين أن تمارس فعلاً لا يحوي بطبيعته هذا الأمر، لكنّ الآخرين من موقعٍ غير سويّ في شخصيّتهم يتلقّون هذا الفعل بطريقة سلبية، ففي الحالة الثانية لا وزر على الإنسان، فإنّ القرآن الكريم أخبرنا أنّ الآيات نفسها التي أوحيت إلى رسول الله كانت لبعض الناس هدى وأوجبت لآخرين الفتنة والضلالة، دون أن يعني ذلك أنّ القرآن سبب الضلالة والغواية والعياذ بالله.
حدود الاختلاط بين الرجل والمرأة في العمل \ وفق فتوى العلماء وخاصة السيد السيستاني يعني هل يجوز المزاح وغيره كما ذكرتم