السؤال: يقول أحد العلماء في تعليقه على إحدى عبارات الزيارة الجامعة: (وذلّ كلّ شيء لكم)، ما نصّه: (كلّ ما يصدق عليه أنّه شيء فقد ذلّ لساحتكم، جبريل شيء فهو ذليل لكم، ميكائيل كذلك، العرش كذلك شيء فهو ذليل أمام ساحتكم. إنّه ذليل قبال إمام العصر عليه السلام. الكرسي واللوح والقلم هي أشياء فهي خاضعة ذليلة لدى الحجّة بن الحسن عليه السلام، هناك ذلّ كلّ شيء وخضع.. لماذا؟ لأنّه ـ أي إمام العصر عليه السلام ـ صار عبداً، وعندما صار عبداً صار ربّاً، فالعبودية جوهرة كنهها الربوبيّة، فمن ملك هذه الجوهرة وتحقّقت ربوبيّته بالله تعالى ـ لا بالاستقلال ـ بالنسبة للأشياء الأخرى وتجاهها.. من هناك تبدأ الإمامة، ليكون الصبر هو جذرها، وهكذا يتضح أنّ الصبر مفهوم مشكّك، من أين يبدأ وإلى أين ينتهي؟ إلى أن يبلغ مرتبة الصبر في جنب الله، فيصير نفسه في جنب الله، ليصبح إماماً مطلقاً، فعندما يبلغ تلك المنزلة يتأهّل لذلك المقام) انتهى كلام ذلك العالم.
سماحة الشيخ، ما هو تعليقكم على هذا المقطع من كلام ذلك العالم، وخصوصاً عبارة: (عندما صار عبداً صار ربّاً)، هل بالإمكان توجيه هذا الكلام توجيهاً بعيداً عن الغلوّ الذي أشير إليه في عدد من الروايات التي ترفض نسبة الربوبيّة إلى أهل البيت عليهم السلام؟ وأخيراً ما هو رأيكم في سند ومتن الزيارة الجامعة الكبيرة؟ وما هي ملاحظاتكم عليها؟ ولكم فائق الودّ والاحترام وجزيل الشكر (محمد علي، القطيف، المملكة العربية السعودية).
الجواب: تارةً نتكلّم في الاعتقاد بربوبيّة أهل البيت عليهم السلام، وأخرى نتكلّم في صحّة أو جواز إطلاق عنوان الربّ عليهم:
أ ـ أمّا الاعتقاد بالربوبيّة، فإذا قصد منه أنّهم مستقلّون بها عن الله تعالى، فهذا شرك واضح لا نقاش فيه عند المسلمين، والنصّ المنقول أعلاه واضح أيضاً في عدم ذهابه إلى هذا الرأي. وأمّا إذا قصد أنّهم يديرون كلّ شيء سوى الله سبحانه بأمرٍ وعطاءٍ وتمكين من الله دون استقلال عنه ولو في لحظة واحدة، فهذه هي نظرية الولاية التكوينية بمعنى الواسطة في الفيض على أبعد مدياتها، والتي يؤمن بها بعض علماء المسلمين، وهي لا تعني الشرك مع الله، فكما أنّ هناك ملكاً موكّلاً بالرزق مثلاً، وآخر بالبعث، وثالثاً بالوحي، دون أن يلزم من ذلك الشرك، كذلك الحال هنا، إذ تقول هذه النظريّة بأنّ هناك من هو موكّل بكبار الملائكة الموكّلين بهذا العالم، فيصبح كلّ شيء خاضع لهم، لكنّهم في الوقت عينه خاضعون مع سائر الأشياء لله سبحانه. فالبنية الفلسفيّة لهذه النظرية بما هي واقع عيني خارجي ـ أي بصرف النظر عن نوع تعاملنا مع هذه الوسائط التي هي أهل البيت ـ لا شرك فيها. نعم، هي عند من يقول ببطلان الولاية التكوينية مفهومٌ اعتقاديّ باطل وخاطئ، بل هي مفهوم مخالفٌ لصريح القرآن الكريم عند بعض العلماء، لكن ليس كلّ نظرية تراها أنت معارضةً للقرآن فهي شرك، بل قد تكون خطأ في فهم النصّ القرآني أو التباساً من قبل الآخرين بين الأمور. ودائماً كنّا وما نزال نقول بأنّ الخطأ الاعتقادي شيء والشرك أو الكفر شيء آخر، فلا يتساويان ولا يتلازمان من الجهتين بالضرورة.
ب ـ وأمّا إطلاق وصف الربّ على أحد غير الله تعالى، دون اعتقاد بربوبيّته، فهذا جائز ما دام سياق الكلام لا يوحي بأيّ خلل فكري أو عقدي، ولا يؤدّي هذا الإطلاق إلى حدوث التباس عقائدي عند الآخرين ولو بمرور الزمن، فكما تقول: ربّ البيت، وتقصد الرجل والأب، كذلك هنا تقول: أهل البيت ربّ، بمعنى أنّهم عبيدٌ لله، لكنّهم موكّلون بأمر هذا العالم بلا استقلال أبداً.
وبناءً عليه، فإذا أراد شخص أن يناقش في هذا المقطع من الزيارة الجامعة ـ وفقاً لهذا التفسير الذي قدّمه هذا العالم ـ فقد لا يصحّ أن نقول بأنّ هذا ينافي التوحيد، حتى لو صحّ القول بأنّه ينافي البنية المفاهيميّة القرآنية التي قدّمت الأنبياء والأولياء بمن فيهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم بشراً لا يعلمون الغيب، ولا يوكّلون بأمر العالم، فأن تناقش هذا التفسير بمعارضته للقرآن شيء، وأن تقول بأنّه يفيد الشرك شيء آخر.
ودائماً نحبّ ونوصي أنفسنا بأن نبتعد عن العبارات التي توهم خلاف العقيدة الدينية أو توجب لُبساً في الداخل أو الخارج، مثل هذه التعابير التي قد يفهمها بعض العرفاء بشكل طبيعي، لكنّ فهمها من قبل عموم المسلمين ومتكلّميهم تشوبه بعض المشاكل، ولهذا قلنا في كتاب (التعددية الدينية) بأنّ تسمية الدكتور سروش لنظريّته في التعدّدية بـ (الصرط المستقيمة) توجب لبساً بما يوحي بمنافاة النصّ القرآني الحاكي عن صراطٍ مستقيم واحد، فالأفضل الابتعاد عن كلّ تعبير موهم في العقائديّات، لاسيما في زمن يكثر فيه ـ مع الأسف الشديد ـ تكفير المسلمين لبعضهم لأدنى سبب، فلا رجحان في استخدام مثل هذه اللغة الموهمة والغائمة والضبابيّة، لاسيما وأنّ النص المنقول أعلاه ربط بين أشياء ومفاهيم دون بيان وجه الربط المنطقي بينها (ولا نريد الدخول في تفاصيل كلامه)، فكانت لغته أقرب للغة المتصوّفة منها للغة الفلاسفة أو المتكلّمين أو المفسّرين، فضلاً عن الفقهاء والأصوليّين.
💡 *رأي الشيخ الأوحد في سند الزيارة الجامعة الكبيرة*
قال الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي(أعلى الله مقامه):
{…أما عندنا فهذه الرواية: *《صحيحة》*
○ *لاعتماد الشيخ الصدوق عليها*
لأيراده إياها في كتابه الفقيه: (الذي جعله حجة بينه و بين الله)فاعتماده عليها من المرجّحات لها عندنا و من القرائن المقوية و إن كان تصحيحه للروايات من باب الاجتهاد كغيره بل كثير من ترجيحاته تبعاً لتصحيح مشايخه …و هذا كما ترى إلا أن ترجيحه و عمله يكون من المقويات البتة بل كل ما يحصل للمتقدمين من القرائن تصل الينا أو بدلها من جود الكريم الوهاب
○ *ولتلقى الفرقة المحقة لها بالقبول* حتى لاتجد و لاتسمع منكرا لها و لا متوقفاً فيها بل لو أراد البصير الناقد أن يدعي الإجماع على صحتها الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام أمكنه ذلك
○ *مع ما اشتملت عليه ألفاظها من البلاغة و الفصاحة و المعاني و الأسرار التي يقطع العارف بها أنها كلام المعصوم عليه السلام و لايصدر مثلها عن غيره*…}
📗شرح الزيارة الجامعة الكبيرة