السؤال:أريد منكم ـ لو تسمحون ـ أن تشرحوا مقصد السيّد عبد الحسين شرف الدين في كتابه المراجعات, ص 12, النقطة 4, عندما يقول: (فهل كانوا ورثة الأنبياء, أم ختم الله بهم الأوصياء والأئمة, و علّمهم علم ما كان و علم ما بقي, وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين؟ كلا, بل كانوا كغيرهم من أعلام العلم ورعاته…). ماذا يقصد السيد شرف الدين من هذا القول؟ وأيّ منزلة يعطي لأهل البيت والأئمة, يعني ما أقصده بالتحديد علمهم ودورهم وموضوع علم الغيب. ولو استفضتم فأسعفكم الوقت وشرحتم لي مقصده من النقطة 4 بمجملها، فأكون لك من الشاكرين. مع خالص شكري و مودتي (صالح، لبنان).
الجواب: إنّ هذا النص المنقول الذي ذكرتموه لا علاقة له بأهل البيت عليهم السلام، وهو لا يتحدّث عن علومهم الغيبية وغيرها، أو يقوم بنفيها أو إثباتها، فالسيد عبد الحسين شرف الدين كان بصدد الحديث عن المذاهب الفقهيّة الأربعة التي أغلق باب الاجتهاد عند أهل السنّة عليها، وهو بيّن في الفقرات السابقة رجحان مذهب أهل البيت عليها، كما بيّن أنّها كلّها جاءت بعد القرن الأوّل الهجري، وأنّ أصحابها في نهاية المطاف علماء كغيرهم من علماء الأمّة، ولهذا ذكر أنّ هؤلاء لم يكونوا ليرضوا بأن يعتبروا مثل الأنبياء بل هم أعلام العلم ورعاته، فلا يصحّ سدّ باب الاجتهاد بعدهم، وهذا هو نصّ الفقرة الرابعة: (وما الذي ارتج باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في القرون الثلاثة مفتوحاً على مصراعيه؟ لولا الخلود إلى العجز والاطمئنان إلى الكسل والرضا بالحرمان، والقناعة بالجهل، ومن ذا الذي يرضى لنفسه أن يكون ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ قائلاً بأنّ الله عز وجل لم يبعث أفضل أنبيائه ورسله بأفضل أديانه وشرائعه؟ ولم ينزل عليه أفضل كتبه وصحفه، فأفضل حكمه ونواميسه، ولم يكمل له الدين، ولم يتمّ عليه النعمة، ولم يعلمه علم ما كان وعلم ما بقي، إلا لينتهي الأمر في ذلك كلّه إلى أئمة تلك المذاهب فيحتكروه لأنفسهم، ويمنعوا من الوصول إلى شئ منه عن طريق غيرهم، حتى كأنّ الدين الإسلامي بكتابه وسنّته، وسائر بيّناته وأدلّته من أملاكهم الخاصّة، وأنهم لم يبيحوا التصرّف به على غير رأيهم، فهل كانوا ورثة الأنبياء، أم ختم الله بهم الأوصياء والأئمة، وعلّمهم علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين؟ كلا، بل كانوا كغيرهم من أعلام العلم ورعاته، وسدنته ودعاته، وحاشا دعاة العلم أن يوصدوا بابه، أو يصدّوا عن سبيله، وما كانوا ليعتقلوا العقول والأفهام، ولا ليسملوا أنظار الأنام، ولا ليجعلوا على القلوب أكنّة، وعلى الأسماع وقراً، وعلى الأبصار غشاوة، وعلى الأفواه كمامات، وفي الأيدي والأعناق أغلالاً، وفي الأرجل قيوداً، لا ينسب ذلك إليهم إلا من افترى عليهم، وتلك أقوالهم تشهد بما نقول) (المراجعات: 63، ط2، تحقيق الشيخ حسين الراضي).