السؤال: لقد اتفقنا أنا وزوجتي على الانفصال، والأسباب أنا مجبرٌ عليها، ولكنّ زوجتي حامل في الأسبوع الثاني عشر، ولا أستطيع الاحتفاظ بالجنين، فما هو الحكم الشرعي في إنزاله؟ (فراس).
الجواب: وفقاً لما جاء في سؤالكم، ونظراً لعدم إيضاحكم أسباب عدم استطاعتكم في الاحتفاظ بالجنين، فإنّه لا يجوز عند الفقهاء الإجهاض في هذه الحال. ومجرّد انفصالكما لا يبرّر الإجهاض أبداً، فلا يجوز الإجهاض لمجرّد عدم رغبة الزوجة أو الزوجين في الاحتفاظ بالطفل، وإنّما يجوز الإجهاض:
1 ـ فيما لو كان بقاء الجنين سبباً فاعلاً في وفاة أمّه، فيجوز لها أن تجهضه دفاعاً عن نفسها؛ لأنّه سوف يتسبّب في قتلها، ولهذا أفتى الكثير من الفقهاء بجواز الإجهاض ـ مهما كان عمر الجنين ـ لو كان عدم الإجهاض سبباً في هلاك الأم حتى لو ولجت الجنينَ الروحُ.
2 ـ فيما لو كان بقاء الجنين موجباً لحرج شديد جداً على الأم ولو لم يؤدّ بقاؤه لهلاكها، ففي هذه الحال يجوز لها الإجهاض، شرط أن لا تكون الروح قد ولجت الجنين بالمعنى الفقهي لولوج الروح.
والسبب في هذين الاستثناءين هو:
أ ـ إنّ الإنسان يجوز له الدفاع عن نفسه تجاه من يشكّل خطراً وجوديّاً عليه، فلو هجم شخص عليّ ليقتلني ـ عالماً عامداً أو مخطئاً أو.. ـ جاز لي الدفاع عن نفسي ولو بلغ الأمر حدّ قتل المهاجم إذا لم يكن يمكنني دفعه إلا بقتله، والفقهاء اعتبروا أنّ الجنين ـ سواء ولجته الروح أم لم تلجه ـ عندما يتسبّب بوفاة أمّه فهو كالمهاجم خطأ، فيجوز لأمّه ـ بل قد يجب عليها ـ الدفاع عن نفسها ولو بقتله، ومن هنا جاز لها الإجهاض.
ب ـ إنّ الحرج الشديد لا يبرّر لي قتل إنسان آخر، فلو تسبّب زنا أحد المحارم بحرج اجتماعي كبير لأسرتها لم يجز لهم قتلها لدفع الحرج أو رفعه، ومن هنا حرّم الإسلام ظاهرة (جرائم الشرف)، فالحرج لا يجيز قتل الجنين الذي ولجته الروح، لكنّ الحرج يجيز إسقاط قطعة دم ليس فيها روح ولا يصدق عليها أنّها إنسان، كما لو كان الجنين في شهره الثاني، فقد كان محرّماً إسقاطها بنصّ شرعي خاص لا لأجل حرمة القتل؛ إذ لا يصدق قتل الإنسان هنا، بل لنصّ خاص ورد في حرمة الإجهاض، وهذا التحريم الثابت في الإجهاض لهذا الجنين الذي لم يصر إنساناً بعدُ يسقط بالحرج الشديد، تبعاً لقاعدة نفي الحرج في الدين، ومن هنا أجاز بعض الفقهاء الإجهاض لو تسبّب بقاء الجنين في حرج لا يطاق اجتماعياً للفتاة.
أمّا في غير ذلك، مما يكون الإجهاض فيه لمجرّد رغبة الزوجين في فكّ العلاقة نهائيّاً بينهما لو حصل الطلاق، ففي هذه الحال لا يجوز الإجهاض مطلقاً سواء حصل ولوج الروح أم لا. هذا هو موقف جمهور فقهاء المسلمين في حرمة الإجهاض في مفروض سؤالكم.