السؤال: شيخنا، هل يجوز تقليد الميت ابتداءً بالرجوع إلى فتوى الشيخ إبراهيم الجناتي مثلاً أم لابدّ من الرجوع إلى الأعلم أو محتمل الأعلمية، وبعدها يصحّ أو لا تقليد الميت ابتداءً؟ وإذا كان الميّت داخلاً من ضمن محتمل الأعلمية، فهل يجوز الرجوع إلى رأيه؟ ثم إذا كان معنى التقليد رجوع الجاهل إلى العالم، فهل موت الفقيه يصيّره جاهلاً أم هناك دليلٌ آخر نرجع إليه في عملية التقليد؟ ثم ـ شيخنا ـ عندما أرجع إلى الثقات في عملية تحديد مرجع التقليد، ألا ينبغي أن أرجع إلى أعلم الثقات أو محتمل الأعلمية من الثقات؟ ولماذا لا يتبرّع أحد المراجع ويقول: فلان وفلان أعلم بعدي، وفلان وفلان متساوي الأعلمية؟ لماذا لا تشكّل لجان من أهل الخبرة والمجتهدين من أمثالك تكون بمثابة مكاتب استشارية توجّه المؤمنين وترشدهم إلى المراجع، وتتابع رسائل وأبحاث المراجع، وتعطي رأيها عن مميّزات كلّ مرجع؟ (أبو يوسف، من سلطنة عمان).
الجواب: وفقاً للمعروف، فلابدّ من الرجوع إلى الحيّ الأعلم لكي يجيز لك تقليد الميت ابتداءً ولا يكفي الرجوع لأيّ مجتهد. وإذا كان الميت داخلاً في ضمن محتملي الأعلمية فلا يجوز تقليده ـ بناءً على عدم جواز تقليد الميّت ابتداءً ـ إلا بفتوى الحيّ. كما أنّ الفقهاء لديهم أدلّة أخرى على المنع عن تقليد الميت، ولا يدّعون بالضرورة أنّه بموته يصير جاهلاً، كيف بل قد يصير أكثر علماً بخروجه من عالم المادّة وانكشاف عالم الغيب له بناءً على وجود حياةٍ برزخيّة قبل القيامة. وقد أقرّ غير واحدٍ من الفقهاء ـ منهم السيد الخوئي على ما في بالي ـ بأنّ السيرة العقلائية لا تفرّق في التقليد بين الميت وغيره، ممّا يعني أنّهم مازالوا يرون في الميّت شخصاً عالماً يُرجع إليه من حيث المبدأ لولا أدلّة المنع، وإلا لما شملته السيرة العقلائيّة، بل لخرج تخصّصاً من تحتها. والرجوع في تعيين الأعلم يكفي فيه خبرويّة من ترجع إليه ولو لم يكن مجتهداً، ولا يشترط فيه الأعلميّة بصرف النظر عن تعارض الشهادات. وأما تبرّع المرجع نفسه في الكشف عن المستويات العلميّة لمن يخلفه، فهذا ما حصل في بعض الفترات الزمنيّة ومع بعض الشخصيات، وذلك من خلال إرجاعه المقلّدين في حياته إلى فلان من الفقهاء في الاحتياطات الوجوبية، الأمر الذي يكشف عن قناعته بأعلميّة فلان من بعده، لكن حتى لو قال المرجع بأعلميّة فلان فقد تعارَض شهادتُه هذه بشهاداتٍ أخَر، فهو مجرّد خبير شاهد أيضاً، وليس قوله بفتوى تُلزم مقلّديه بعد وفاته. وأما الحديث عن اللجان الاستشارية من أهل الخبرة فهو شيء جميل جدّاً، مثل فكْرَتَي: المرجعية الرشيدة والمرجعية المؤسّسة، إلا أنّها ما تزال بحاجة إلى أشواط للسير حتى تتحقّق بالشكل الذي يصبو الجميع إليه، فأوضاعنا الحاليّة والتشظيات الموجودة تجعل مقترحكم هذا حقّاً وضرورة، لكنّه ـ مع الأسف ـ غير واقعي في المنظور القريب.
بسمه تعالى
الشيخ حيدر حب الله – الموقر
السلام عليكم من البحرين ورحمة من الله وبركاته :
أشارككم في هذه المداخلة قربة إلى الله تعالى :
– من المراجع الشيعة الأصوليين المعاصرين العظام الذين يجوِّزون تقليد المرجع الديني الميِّت : المرجع الديني الإيراني الكبير الشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتي – دام ظلّه الكريم – ، وحول مسألة الأعلمية وتشخيصها في المرجع الديني المقلًّد يقول سماحته – حفظه الله – : لا تشترط الأعلمية في تقليد المجتهد ، والمقصود بالأعلمية كون المجتهد أكثر مهارة في استنباط الأحكام الشرعیة ، ولا يمكن تصورها بين مجتهدين مطلقين ، لا في مرحلة الظاهر والإثبات ، ولا في مرحلة الثبوت والواقع ، بل بمعنى آخر : أن الأعلم يرتكب أخطاء أقل في إرجاع الفروع والمسائل الحديثة إلى الأصول ، والآخر يرتكب أخطاء أكثر ، كما بيَّنّاه في حاشيتنا الخطية على (العروة الوثقى) ، والأعلمية بالمعنى الثاني ممکنة التصویر (سهل التوضيح) ، إلا أنه من الصعب تشخيص أي من المجتهدين أقلّ ارتكاباً للأخطاء في مجال التفريع حتى يكون هو الأعلم .
وتعقيبا على ذلك يقول سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد حسين فضل الله – رحمه الله – في مسألة تشخيص الأعلمية من بين المراجع الشيعة العظام : الأعلمية تعني كون الفقيه هو الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها، والذي يتم من خلال معرفته بالقرآن والسنة والعلوم المتصلة بهما فيما يتعلق بعالم الاستنباط ومعرفة اللغة العربية… وفي رأينا أن الأعلمية بقول مطلق غير واقعية، خصوصاً في عصرنا الحاضر، وليست شرطاً في التقليد. كما أن الصعوبة بمكان الشهادة الحقيقية بأعلمية شخص معين، لأن ذلك يتوقف على الإحاطة بأبحاث كل المجتهدين البالغين درجة المرجعية وهو غير متيسر للغالبية من العلماء أو غيرهم مما يجعل الشهادة مرتكزة غالباً على حسن الظن بالشخص لاعلى الإحاطة بتميزه على الآخرين .
والسلام عليكم من البحرين والرحمة من الله والبركات الكثيرة .