السؤال: جاء في الحديث عن عروة بن عبد الله، قال: (سألت أبا جعفر محمّد بن علي ـ عليه السلام ـ عن حلية السيوف، فقال: لا بأس به، قد حلي أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه سيفه، قلت: فتقول: الصدّيق؟! قال: فوثب وثبةً، واستقبل القبلة، وقال: نعم، الصدّيق، نعم الصديق، نعم الصدّيق، فمن لم يقل له الصدّيق، فلا صدّق الله له قولاً في الدنيا ولا في الآخرة). وقد جاء هذا الحديث في كتاب كشف الغمة للإربلي، ج2، ص147 (وفي نسخة أخرى ص360)، باب ذكر ولد أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام. كيف نجيب عن هذه الرواية، فإنّ علماء السنّة يطعنون على الشيعة بها وأنّها موجودة في كتبنا؟ (عبّاس الهاشمي، باكستان).
الجواب: هذا الحديث ليس شيعياً بل هو سنّي، فإنّه ليس كلّ حديث في مصادر الشيعة هو حديث شيعي، ولا كلّ حديث في مصادر السنّة هو حديث سنّي، وهذه قضية يغفل عنها غير المختصّين بتاريخ الحديث ومساراته، فقد دخلت أحاديث شيعيّة في بعض الكتب السنّية المتأخّرة، والعكس هو الصحيح، وسبيل ذلك أن ننظر في مصدر المعلومة، وفي هويّة الرواة ومخرج الحديث، وفي تاريخ الكتاب الأوّل والأقدم لهذه الرواية عند الشيعة، وفي عددّ الكتب التي نقلتها، فنقارن ذلك كلّه بما عند السنّة، ويظهر الأمر. وسوف أطبّق لكم ذلك هنا، فهذه الرواية رواها ابن عساكر (571هـ) في تاريخ دمشق مسندةً إلى عمرو، عن جابر (تاريخ دمشق 5: 454 ـ 455، و54: 283). ونقلها الذهبي (748هـ) في (سير أعلام النبلاء 4: 408)، بالسند إلى عروة بن عبد الله، كما ونقلها بهذا السند ابن كثير (774هـ) في (البداية والنهاية 9: 340)، وذكرها محمّد بن طلحة الشافعي (652هـ) في (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 428)، وابن الصباغ المالكي (855هـ) في (الفصول المهمّة 2: 895). ومصدر الحديث بهذا السند المنتهي إلى عروة يرجع إلى كتب: (حلية الأولياء 3: 184 ـ 185)، و(المنتظم 7: 161) و(صفوة الصفوة) لابن الجوزي (597هـ)، بل نقل ابن حجر الهيثمي هذا الحديث عن الدارقطني معتبراً إيّاه ممّا أخرجه هو (الصواعق المحرقة: 53)، ولعلّ الحديث يرجع أيضاً إلى فضائل الصحابة لابن حنبل (241هـ).
هذا كلّه يعني أنّ الحديث له سندان: ينتهي أحدهما إلى جابر، ومصدر هذا الحديث ـ بحسب ما وصلنا ـ هو ابن عساكر، وثانيهما ينتهي إلى عروة، ومصدره ـ إذا تجاوزنا الدارقطني وابن حنبل ـ هو ابن الجوزي، ولو قارنّا هذا المشهد بالمشهد الشيعي سنجد أنّ هذا الحديث لا ذكر له إطلاقاً في كتب الشيعة إلى زمان الإربلي، وليس له ذكر بعد الإربلي أيضاً، على خلاف الحال عند أهل السنّة، فهو مذكور قبل الإربلي، ومتداول بعده أيضاً في كتب الحديث والرجال وغيرها. فالإربلي توفي عام 693هـ، أي بعد وفاة ابن الجوزي (597هـ) بقرابة قرن، وبعد وفاة ابن عساكر (571هـ) بأكثر من قرن أيضاً، وحيث إنّ الإربلي ذكر هذا الحديث عن عروة دون أن يبيّن أيّ طريق أو سند أو مصدر (بغض النظر عمّا سيأتي قريباً)، فهذا يعزّز احتمال أنّه استعان في بعض معلوماته بمصادر أهل السنّة، ومجرّد ظهور حديث بهذه الطريقة لا يعني أنّه حديث شيعي، بل لو رجعنا إلى سلسلة سند الحديث في مصدريه الأساسييّن، لوجدنا أنّ أغلب رواته لا ذكر لهم أساساً عند الشيعة لا في كتب الحديث ولا في كتب الرجال والجرح والتعديل، بينما نجد لهم بعض التداول عند أهل السنّة، فطبيعة الرواة تساعدنا أيضاً على معرفة هل هم رواة متداولة أسماؤهم عند الشيعة ويشكّلون أسانيد عند الشيعة في كتب الحديث أم أنّ هذه الأسماء عرفت بها كتب الحديث السنيّة فقط.
هذا كلّه لو أخذنا فقط هذا المقطع من الحديث الذي تحدّث به لنا الإربلي، لكنّنا لو أردنا أن نتأمّل أكثر في كتاب الإربلي لوجدناه ينقل نصوصاً بأكلمها عن كتب غيره، ثم يقول في آخر الكلام بأنّ هذا آخر ما أردت أن أنقله من كتاب فلان وفلان، وعندما ننظر في هذه الصفحة التي ورد فيها هذا الحديث بعينه، نجد أنّه قال النصّ التالي: (…آخر ما نقلته من كتاب قطب الدين الراوندي رحمه الله تعالى. وقال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمان بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله في كتاب صفوة الصفوة: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، أمّه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، واسم ولده جعفر وعبد الله وأمّهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، وإبراهيم وعلي وزينب وأمّ سلمة… ـ إلى أن قال ـ أسند أبو جعفر عليه السلام عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عباس وأنس والحسن والحسين، وروى عن سعيد بن المسيب وغيره من التابعين، ومات في سنة سبع عشرة ومائة، وقيل: ثماني عشرة، وقيل: أربع عشرة، وهو ابن ثلاث وسبعين، وقيل: ثمان وخمسين، وأوصى أن يكفّن في قميصه الذي كان يصلّي فيه. آخر كلام ابن الجوزي في هذا الباب. وقال الآبي رحمه الله في كتابه نثر الدر…) (كشف الغمّة 2: 359 ـ 361). وهذا يعني أنّ الإربلي كان ينقل نصوص العلماء، فنقل كلام الراوندي أولاً، ثم ختمه مبيّناً أنّ هذا نهاية كلام الراوندي، ثم نقل مضمون كلام ابن الجوزي، ولمّا انتهى ممّا اختاره من كلامه بيّن أنّه انتهى كلام ابن الجوزي، ثم نقل كلام الآبي وهكذا، والنصّ المنقول أعلاه في سؤالكم جاء ضمن المقطع الذي نقل فيه كلام ابن الجوزي، وهذا يؤكّد أنّه أخذ هذا الكلام من مصدره، وهو صفوة الصفوة لابن الجوزي، فلا يكون الحديث شيعيّاً، بل يكون سنيّاً نقله عالمٌ شيعي.
نعم، من الممكن أن يقول شخص: كيف نقل الإربلي هذا الكلام، وكيف عبّر بنفسه عن أبي بكر بالصدّيق وأنّه رضي الله عنه؟! ولكنّ هذا الكلام ليس بالغريب، فغاية ما فيه أنّ بعض العلماء الشيعة كان لهم رأي في عملية تقويم تجربة الصحابة أو علماء ورموز أهل السنّة، وكانوا يستخدمون الترضّي عليهم، مثل السيد عبد الحسين شرف الدين الذي كان يترضّى على أئمة المذاهب الفقهيّة الأربعة السنيّة، وربما فسّر بعض الشيعة ذلك تقيةً (ولعلّ احتمال التقيّة يتعزّز هنا إذا عرفنا أنّ الإربلي كانت له صلات بالدولة، كما نقل عن الفوطي في الحوادث الجامعة وغيره). وعلى أيّة حال فهذا غير نسبة الرواية إلى الإماميّة، فليلاحظ ذلك جيّداً.
يرد اشكال على هذا الجواب وهو أن هل بمجرد أن يكون الناقل أو السند سني فتكون الرواية غير صحيحة وغير معتمدة؟ هذا يجعلنا لا نأخذ كثير من الروايات التي دخلت في تراثنا الشيعي لأنها سنية؟ ثانيا: ذكرتم شيخنا في كتابكم (رسالة سلام مذهبي) او في كتاب (حجية الحديث) لا اذكر بالضبط أنه يجب أن نراجع الآلية التي استخدمها العلماء المتقدمين الذين كانوا لا يأخذون الروايات المروية عن طرق أهل السنة لأن الميزان السليم في أخذ الرواية هي المصداقية وليس مذهبية الراوي