السؤال: تقول الآية القرآنية الكريمة: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (الأحزاب: 7). وقد فسّرها بعض العلماء بأنّها دليل على تقدّم خلق النبي محمد (ص) على جميع الخلائق؛ لأنّه بيّن أنّه أخذ الميثاق من محمّد أولاً ثم رتبهم ترتيباً زمنياً بذكر نوح وابراهيم وموسى عيسى، فيدلّ على أنّ محمداً قد أخذ منه الميثاق قبلهم فيكون مخلوقاً قبلهم، فما هو رأيكم بهذا التفسير؟ (جمال، قطر).
الجواب: لا دلالة في الآية القرآنية الكريمة على هذا التفسير؛ وذلك لمجموع أسباب ومؤيدات:
أولاً: إنّ التقديم والتأخير في اللغة العربية لا ينحصر بالتقدّم الزمني، بل يكون بالتقدّم الرتبي أيضاً، بل يكون بلا فرض تقدّم أساساً، بل هو كثير، فتقديم ذكر النبي على الأنبياء الأربعة الباقين لا يدلّ في لغة العرب على تقدّم خلقه زماناً، كيف وحرف الواو في اللغة العربية ـ على خلاف العطف بالفاء أو بـ (ثمّ) ـ لا يفيد التقدّم والتأخّر الزماني أو حتى الرتبي، كما ذكر النحاة، بل يفيد الاشتراك في الحكم، فأنت تقول ـ بدون استخدام المجاز ـ: لقد حرّم الله الربا والشرك، مع أنّ النهي عن الشرك سابق زمناً على تحريم الربا، وكلّ ما تقصده بواو العطف هو أنّ الربا والشرك اشتركا في الحكم، وهو التحريم، فلا يوجد في اللغة العربية شاهد على أنّ التقدّم لوحده دليل الأسبقية الزمنيّة.
ثانياً: لو صحّ هذا التفسير، لوجب الإخلاص له حتى النهاية، فإنّ الآية تذكر أخذ ميثاق النبيّين، ثم تقول: (ومنك ومن نوح)، وهذا معناه ـ بناء على منهجيّة هذا التفسير الذي ذكرتموه ـ هو أنّ الله أخذ ميثاق كلّ النبيين، وأنّ آخر من أخذ ميثاقهم هم هؤلاء الخمسة، وهذا بعكس ما يريده المستدلّ، فلماذا كان تقدّم (ومنك) شاهد أسبقية خلق محمّد زمناً، بينما تقدّم (النبيّين) والفصل بينهم وبين الخمسة اللاحقين ليس شاهداً على أسبقية خلقهم زمناً على الخمسة أولي العزم؟!
ثالثاً: إنّ هناك الكثير من الآيات القرآنية التي رتّبت ذكر الأنبياء بطريقة لا علاقة لها بالجانب الزمني، قال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) (النساء: 163)، مع أنّ داوود وهارون سابقان على عيسى. وقال سبحانه: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 84 ـ 86)، أفهل كان لوط وإسماعيل بعد عيسى؟! بل في بعض الآيات وردت نفس الأسماء مع اختلاف الترتيب، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى: 13)، فقدّم نوحاً ثم وضع النبي محمّداً بينه وبين إبراهيم وموسى وعيسى بعكس الآية التي نحن فيها الآن، وهذا كلّه ـ وغيره كثير في القرآن الكريم والحديث الشريف ولغة العرب ـ يفيد أنّ عملية الترتيب الذكري مع حرف الواو لا يمكن فهمها زمنيّاً فقط أو غير ذلك، ما لم يكن في النصّ شاهد إضافي؛ لأنّ الترتيب بالواو لا علاقة له بالعنصر الزمني في دلالة حاقّ اللغة.
احسنتم شيخنا على التوضيح، فهل للترتيب مع الواو اي دلالة غير الترتيب الزمني؟
كل المقال كان منصبا لابطال الادعاء المستفاد من الآيات الكريمة على ان الترتيب في هذه الآيات يفيد الترتيب الزمني ،وحاولت ان تثبت انه لايستلزم ترتيبا زمنيا من ذكر الأنبياء في الآيات ،طيب لوكان بعد هذا الاثبات شيخنا عرجت على أصل المطلب وهو ثبوت خلق النبي الاكرم صلى الله عليه وآله اولا
قبل الأنبياء كما هو المستفاد من بعض الروايات بلحاظ ماتعنيه كلمة خلق ليس بالضرورة الخلق المادي بكلماتك الطيبة وبراهينك الناصعة وانت على ذلك لقدير ومحيط .
تقبل تحياتي وحبي .
ر.مهندسين محمود محسن بغداد