السؤال: يقول أحد العلماء ما نصّه: (يبدو من النصوص وأحاديث أهل البيت عليهم السلام أنّ هناك مقاماً أسمى وأعلى من مقام الفناء في التوحيد (نهاية السير في عوالم لا إله إلا الله) والذي يتحقّق عند كمال العبوديّة لله، فيحصل شهود الصفات والأسماء ويصبح العبد مظهراً من مظاهر وجه الله وآية من آياته، وهذا أقصى ما توصّل إليه الأنبياء من الأمم السابقة، وعند نهاية هذاالمقام يبدأ السير في مقام نهائي لا حدّ له ولا يقبل البيان والوصف؛ لارتباطه بالكلمة الشريفة الله أكبر،أي إنّ هناك مرتبة من القرب أسمى من مرتبة الفناء في الله، والذي يسلك هذا المقام تفاض عليه الولاية الإلهيّة الشاملة، ويصير وجه الله (أين وجه الله الذي إليه يتوجّه الأولياء) واسماً من أسمائه. روى الشيخ المفيد في الاختصاص عن الرضا عليه السلام أنّه قال: إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا على الله عز وجل، وهو قوله تعالى: ولله الأسماءالحسنى فادعوه بها. وروي عن الصادق عليه السلام: نحن والله الأسماء الحسنى، وعندها لا فرق بين أن تقول: يا لطيف الطفني ويا كافي اكفني، وبين أن تقول: يا محمد الطفني ويا علي اكفني، كما ورد في دعاء الفرج، فكما أنّ الأسماء مخلوقة ولا يجوز افتراض الاستقلاليّة في تأثيرها، كذلك أئمّة العصمة فهم مخلوقون ولا يجوز افتراض الاستقلاليّة في ولايتهم وهيمنتهم وسلطتهم (ذكركم في الذاكرين وأسماؤكم في الأسماء، وأنفسكم في النفوس). وبهذه الولاية والأسماء المباركة توسّلت أنبياء الأمم السابقة عند الابتلاء والشدّة (بكم ينفّس الهمّ ويكشف الضرّ، وبكم فرّج عنّا غمرات الكروب). ويبدو من السياق القرآني أنّ هذا المقام كان معلوماً عند أنبياء الأمم السابقة إجمالاً، وعلى أساسه كانوا يتوسّلون بالأئمّة، ولكن يبقى كيفيته وخصائصه بقيت مجهولة لديهم إلى أواخر حياتهم. هؤلاء الأنبياء وصلوا إلى مقامات عالية من الإخلاص والخلوص والعبودية، ولكن كانوا يتضرّعون إلى الله أن يُلحقهم بالمقام الأعلى الذي يشير إليه الكتاب الكريم في توبيخ إبليس: (استكبرت أم كنت من العالين). ولعلّ فيه ما يوحي إلى هذاالمقام العالي لأئمّة أهل البيت عليهم السلام، حيث إنّ أمر السجود شمل جميع الملائكة بدون استثناء، وعليه ينتفي ادّعاء البعض أنّ المقصود بالعالين هم جبرئيل وإسرافيل وميكائيل وحملة العرش أو غيرهم. وقد تكون عبارة زيارة الجامعة إشارة أخرى إلى هذه الحقيقة: (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين)، وأيضاً أحاديث خلقهم من النور الإلهي قبل النشأة بآلاف السنين وآدم بين الماء والطين، كما روي عنهم عليهم السلام. وينصّ الكتاب في حقّ يوسف عليه السلام أنّه من عبادنا المخلصين، ومع ذلك كان يطمح إلى ذلك المقام العالي: (أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين). وفي حقّ إبراهيم عليه السلام الذي كان أمّةً في نفسه وشرّفه الله بمقام الخلّة، يقول القرآن على لسانه: (ربّ هب لي حكماً وألحقني بالصالحين)، وهو هنا أيضاً يتضرّع إلى الله أن يلحقه بأولئك الذين وصلوا إلى ذلك المقام العالي، أعلى حتى من مقام الخلّة، والله لم يستجب دعاءه في الدنيا، بل وعده بذلك المقام العالي في الآخرة: (ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنّه في الآخرة لمن الصالحين). نعم يُستفاد من النصوص القرآنية حصول جذبتين من جذبات الرحمن عند إبراهيم عليه السلام، ولكن ليس بشكل مستمرّ تحقّق له من خلالهما شهود حقائق ملكوتيّة عالية، في الأولى شهد كيفية إحياء الموتى، وفي الثانية اطّلع على لوح أعمال العباد، وفي كلتا الحالتين كان الهدف رفع درجات اليقين عند إبراهيم عليه السلام، وعليّ عليه السلام يقول: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً). وقيل للرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: إنّ عيسى كان يمشي على الماء، فأجاب: لو ازداد يقيناً لمشى على الهواء. وقد نستنتج من جواب الرسول والأمير أنّهما حازا على هذه المرتبة العالية من اليقين التي لم يصل إليها عيسى عليه السلام. والإمام الحجّة (عج) تتحد شهوديّاً في بصره المادي عوالم الملك والملكوت وبدون انقطاع (السلام على ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى)، فإذا كانت السدرة والشجرة وجبرائيل وملائكة السماوات في حدود نظر العين الماديّة لديه، يا ترى ما تكون حدود خياله وعقله، وهذا الفيض الإلهي لا يختصّ بالحجّة وحده، وإنما يشمل جميع الأئمة عليهم السلام. ولكن كيف نفسّر قوله تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً وكلاً جعلنا صالحين)؟ قد يكون الصلاح المشار إليه في هذه الآية هو الصلاح العام الذي يُعطى لجميع الأنبياء والرسل ومنهم إبراهيم وأولاده، وليس الصلاح الخاص الذي كان إبراهيم يرجو الوصول إليه. ومثل الصلاح العام في مرتبته مقارنة مع الصلاح الخاص هو كمثل الإيمان العام إلى الإيمان الخاص، وكمثل الإخلاص العام إلى الإخلاص الخاص، فكلّ له مرتبة وعالم وحال ومقام. أما دليل وصول المعصومين من أهل البيت إلى هذا المقام فهي الآية الناطقة عن الرسول: (إنّ وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصالحين)، فمنطق الآية يشير إلى أنّ الحقّ تعالى يتولّى أمور أصحاب مقام الصلاح الخاص. والرسول بإدّعائه لنفسه الولاية المطلقة للذات الإلهيةابتداءً يثبت لنفسه، وهم في منزلة نفسه، مقام الصالحين العالي (حتى لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا صديق.. إلا عرّفهم جلالة أمركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وثبات مقامكم وخاصّتكم لديه وقرب منزلتكم منه). إنّ أسوأ الأشواك في طريق الكمال والوصول إلى المقامات الروحيّة هو إنكار المقامات والمدارج الغيبية الروحية) انتهى النصّ.
وسؤالي شيخنا: هل الأدلّة القرآنيّة والروائيّة التي يستدلّ بها هذا النصّ أعلاه تورث اليقين؟ وما هي ملاحظاتكم على هذا الكلام؟ هل هذه الآيات تعطي هذه المعاني والتفسيرات حقّاً؟ وهل هذه الأحاديت المنقولة صحيحة؟
الجواب: بصرف النظر عن صحّة أو عدم صحّة أصل الأفكار المذكورة في النصّ جميعاً، سأحاكم طريقة الاستدلال وبعض المستندات وليس جميعها؛ لأن التعليقات كثيرة، ويمكنني التعليق على وجه العجلة بما يلي:
أولاً: حديث (إذا نزلت بكم شدّة فاستعينوا بنا على الله)، ورد في تفسير العياشي (ج2، ص 42) مرسلاً، وورد في كتاب الاختصاص (ص252) بلا سند أصلاً. هذا إذا ثبت أنّ كتاب الاختصاص هو للشيخ المفيد، وهو أمر لا يقبل به بعض العلماء مثل السيد الخوئي (معجم رجال الحديث 8: 130)، فهذا الحديث لم يرد في أمهات الكتب الحديثية عند المسلمين، فضلاً عن بعض الملاحظات على متنه.
ثانياً: رواية (نحن والله الأسماء الحسنى) فيها سعدان بن مسلم، وتوثيقه غير تام إلا بناء على تفسير القمي وكتاب كامل الزيارة، من هنا تكون هذه الرواية تامّة السند عند من يأخذ بأحد هذين الرأيين، وإلا لم تصحّ سنداً، وسيأتي تعليق متني عليها ضمن الكلام الآتي إن شاء الله.
ثالثاً: فسّر العلامة الطباطبائي رواية الأسماء بما يلي: (وفي الكافي بإسناده إلى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، في قول الله عز وجل: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها قال: نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد إلا بمعرفتنا. أقول: ورواه العياشي عنه عليه السلام، وفيه أخذ الاسم بمعنى ما دلّ على الشيء سواء كان لفظاً أو غيره، وعليه فالأنبياء والأوصياء عليهم السلام أسماء دالّة عليه تعالى وسائط بينه وبين خلقه، ولأنهم في العبوديّة بحيث ليس لهم إلا الله سبحانه فهم المظهرون لأسمائه وصفاته تعالى) (الميزان 8: 367). هذا وقد سبق لي في جواب عن سؤال سابق الوقوف بالتفصيل مع آية (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) فلا أعيد ولا أطيل.
رابعاً: نحن نسأل: لو كنّا مأمورين بنصّ القرآن (فادعوه بها) ـ كما يقول النصّ أعلاه، وهذا غير أن نكون مجازين فقط، فليتأمّل القارئ جيداً ـ أن ندعو الله بالأئمة، فنتوجّه في أدعيتنا لأهل البيت، فلماذا لم ترد أدعية الأئمة التي علّمونا إياها ـ وهي بالعشرات وربما بالمئات ـ منسجمةً مع الأمر القرآني المذكور؟! ولماذا لم يكن عند الشيعة عبر القرون سوى بعض الروايات القليلة جداً (وبعض العلماء يرى أنّ دعاء الفرج ليس برواية أساساً، وأترك الحديث عن هذا الدعاء وتحقيق حاله لمناسبة أخرى) في توجيه الدعاء والخطاب فيه للنبي وأهل البيت عليهم صلوات الله؟! أليس هذا خلاف الدعوة القرآنية والحث والتوجيه والأمر القرآني؟! ألا يعني ذلك أنّ أهل البيت قصّروا ـ والعياذ بالله ـ في تعليمنا أصول الدعاء؟!
ثم لماذا ذكر القرآن الكريم ـ ومعه السنّة الشريفة ـ عشرات الأدعية التي نطق بها الأنبياء متوجّهةً مباشرةً إلى الله تعالى؟! كيف يصحّ أن نطرح كلّ هذه الآيات والروايات التي تبلغ المئات لصالح رواية واحدة أو أكثر بقليل تريد أن تُفهمنا (الأمر) بدعوة الله عبر الوسيط، فإنّ الآية تأمر بأن ندعو الله بأسمائه ولا تجيز لنا ذلك فقط، فكيف ترك القرآنُ وتركت السنّة هذا الأمر؟! وأكرّر بأنّ كلامنا في الأمر لا في الجواز فقط.
قد تقول: إنّ الأئمة من الأسماء، لا أنهم لوحدهم الأسماء.
والجواب: إنّ ظاهر الرواية الحصر، فهي تريد أن تؤكّد أنهم الأسماء في مقابل من يتصوّر أنّ الأسماء شيء غيرهم، ولو أرادت مجرّد بيان أنّهم أحد مصاديق الأسماء لقال الإمام: نحن من الأسماء، ولم يقل: نحن والله الأسماء الحسنى، فهذا مثل قوله: نحن والله خلفاء النبي، ظاهر في الحصر، وإلا لقال: نحن من خلفاء النبي. ألا يكشف ذلك كلّه عن أنّ المراد بهذه الرواية معنى آخر ربما يكون بعض ما ذكره العلامة الطباطبائي، أو يكشف عن وضع هذه الرواية من قبل بعض الغلاة أصحاب الاتجاه المغلّف في الغلوّ والله العالم. ثمّ ألا تعطي الآية الأخرى وهي: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً) (الإسراء: 110) إشارة أوضح في أنّ المراد من الأسماء هي ما كان مثل الرحمن والرحيم، بقرينة المقابلة في صدر الآية؟! وكذلك قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) (الحديد: 22 ـ 24)، ألا يكون من تفسير القرآن بالقرآن أن نجعل المراد من الأسماء ما كان من هذا النوع كما هو المفهوم عرفاً من الكلمة وفي لغة العرب، وهو المعروف بين علماء المسلمين من غير الصوفيّة وبعض التيارات العرفانيّة؟
خامساً: رواية: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً) رغم تداولها لم أعثر لها في هذه العجالة على سند يبيّن كيفية انتقالها لنا، ومن يعثر على سند لها أكون له من الشاكرين.
سادساً: إنّ كون محمد وأهل بيته من أبرز مصاديق الصالحين والكاملين ممّا لا يناقش فيه أحد، لكن كيف يمكن فهم الصلاح الخاص والعام من الآيات؟ وما المانع أن يكون نبيٌّ من الأنبياء دعا الله أن يجعله من الصالحين ويلحقه بهم بالمعنى العام للصلاح؟ ولماذا لا يكون المراد من الدعاء هو أن يلحقه الله بالصالحين في الجنة ويكون الله قد استجاب له بأن ألحقه بهم، ولهذا قال القرآن في الآية الثانية بأنّه في الآخرة من الصالحين؟! ألم يرد الدعاء في القرآن على لسان إبراهيم أن يجعله الله من ورثة جنة النعيم بعد آيتين فقط من دعائه بالإلحاق بالصالحين (الشعراء: 85)؟ أفهل كان إبراهيم من أهل النار حتى يدعو الله بالجنّة؟ فكما دعا الله بالجنّة مع علمنا أنّه يدخلها قطعاً، كذلك دعاه أن يُلحقه بالصالحين، وهم سائر الأنبياء والأئمة والأوصياء والمؤمنين ليكون معهم عند الله تعالى يوم القيامة؟ فما الموجب لتأويل الآيات بفرض صلاح خاص وصلاح عام وعدم حملها على ظاهرها المتبادر منها؟ أليس في ذلك بعض التكلّف في التعامل مع النصوص على غير أسلوبها العربي المتعارف الذي نزل به الكتاب وصدرت به السنّة. وكيف ميّزنا بين آية وأخرى بافتراض صلاح خاص وصلاح عام فلو صحّ في آيةٍ الصلاحُ العام ـ كما أقرّ بذلك النصّ المنقول أعلاه في سؤالكم ـ فلماذا لم يصحّ في آيات أخر؟!
سابعاً: إنّ قوله تعالى: (أم كنت من العالين) لا يعني بالضرورة ـ لو بقينا نحن والنص القرآني ـ وجود عالين فوق مقام السجود لآدم؛ لأننا في اللغة العربية نقول في مقام التنديد: هل تريد أن تخضع لامتحان الثانوية أم أنك من المستثنين من ذلك؟! وهذا لا يعني وجود مستثنين آخرين، بل هو تعريض بهذا الطرف أنّه لا مبرر له فيما يقول، لأنّه إما مستثنى أو متكبر، وحيث إنه ليس مستثنى كان متكبراً، وهذا بنفسه لا يدلّ على وجود من استثني في المرحلة السابقة. ومثل هذا كثير في لغة العرب، بل نحن نستخدمه في كلامنا كثيراً أيضاً، فالآية تريد أن تقول لإبليس: هل أنت استكبرت أم أنّك حقّاً ذو شأن أعظم من آدم وأنّك ممّن يتفوّقون على آدم في الخلق والمكانة؟ لماذا لا تريد السجود هل تكبراً على الله أم لأنّك بالفعل لا يليق بك أن تسجد لآدم لأنّك فوقه وهو دونك؟! هذا هو المعنى الظاهر من الآيات، ولا أقلّ من أنّ ذاك المعنى يصعب استظهاره قرآنيّاً.
هذا إذا فسّرنا الآية على هذه الطريقة، وهناك قول بأنّ الآية لا تريد بيان وجود عالين هو منهم أو ليس منهم، وإنما مقصودها أن تقول: استكبرت أم أنك من المتجبّرين، فتكون مزيدَ بيان للمقطع الأول، وهذا ما ذهب إليه الشيخ الطوسي في التبيان حيث قال: (استكبرت، يا إبليس، أي طلبت التكبّر بامتناعك من السجود له، أم كنت من العالين، الذين يعلون على الخلق تجبّراً وتكبّراً) (التبيان ج8، ص 581)، فـ (العالين) بحسب فهم الشيخ الطوسي صفة ذم وليست مدح، انسجاماً مع مثل قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ) (الدخان: 30 ـ 31)، فوصف فرعون بأنّه عالٍ وصف ذمّ، وهو الذي استخدمه القرآن في موضع آخر باستخدام صيغة الفعل لا الاسم أو الوصف حين قال: (إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم..) (القصص: 4).
ثامناً: إنّ رواية أنّ عيسى بن مريم (لو ازداد يقيناً لمشى على الهواء)، وردت في كتاب مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليه السلام، وهذا كتاب لم يأخذ به العلماء بمن فيهم العلامة المجلسي صاحب البحار، فضلاً عن النقّاد والمحقّقين الأصوليين وعلماء الرجال، إذ لا سند له ولا طريق له إطلاقاً، وقد سبق أن شرحنا حال هذا الكتاب بشيء من التفصيل في جواب سؤالٍ سابق. ووردت أيضاً في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد بلا سند أساساً. يقول العلامة المجلسي حول كتاب مصباح الشريعة: (كتاب مصباح الشريعة فيه بعض ما يريب اللبيب الماهر، وأسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمة وآثارهم..) (بحار الأنوار 1: 32)؛ ويقول الشيخ مسلم الداوري: (إنّ الكتاب وإن كان غير محتاج إلى طريق، إلا أنّ نسبته إلى الإمام غير محرزة) (أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق: 363)؛ ويقول الآغا بزرك الطهراني (1389هـ): (ورأيت نسخة كتب في حاشيتها نقلاً عن خطّ الشيخ سليمان الماحوزي، ما سمعه الشيخ سليمان عن العلامة المجلسي، أنه كان يقول المجلسي أن مؤلّف (مصباح الشريعة) هو شقيق البلخي) (الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 21: 111). وقد ألّف السيد حسن الصدر (1351هـ) رسالة في أنّ مؤلف هذا الكتاب هو سليمان الصهرشتي تلميذ السيد المرتضى اختصره من كتاب شقيق البلخي، وقال السيد الخميني: (أما رواية مصباح الشريعة، الدالة على التفصيل بين وصول الغيبة إلى صاحبها وعدمه، فلا تصلح للاستناد إليها؛ لعدم ثبوت كونها رواية فضلاً عن اعتبارها، بل لا يبعد أن يكون كتابه من استنباط بعض أهل العلم والحال ومن إنشاءاته) (روح الله الخميني، المكاسب المحرّمة 1: 320).
ولو سلمنا بالرواية فهي لا تدلّ على أنّ النبي قد حاز مرتبة أعلى من مرتبة النبي عيسى، إلا بقرينة خارجية تثبت أنه أعلى يقيناً منه، وإلا فهي في نفسها تثبت وجود مرتبة أعلى لليقين، دون أن تحكي عن انتساب النبي محمد إلى هذه المرتبة حيث لا حديث فيها عن ذلك. والله العالم.
أكتفي بهذا القدر من التعليقات، وأمّا أصل الأفكار التي طرحها هذا النص أعلاه كمسألة الدعاء لغير الله أو مسألة أنّ أهل البيت فوق الأنبياء أو غير ذلك، فهي تحتاج لتفاصيل بحثية لسنا بصددها هنا، وإنّما اكتفيت بالتعليق على أسلوب النصّ المنقول في معالجة هذا الموضوع، وهو أسلوب غير دقيق فيما بدا لي بنظري القاصر. ودائماً كانت تمنياتنا أن نحتكم إلى لغة القرآن العربيّة بمعناها الواسع وإلا فلن يكون لأحد على أحد حجّة، فكلّ إنسان بإمكانه أن يطوّع النصوص كما يريد، وأمّا الاحتجاج بالأدلّة الفلسفيّة أو بمواقف العرفاء هنا فهو بحث آخر؛ إذ كلامنا كلّه كان في خصوص بعض النصوص الدينيّة التي وظّفها النص المنقول في سؤالكم.
السلام عليكم والرحمة العلامة الجليل حب الله كم انا معجب بكم والله يشهد اذكركم وافضالكم وان لكم مستقبلا ان شاء الله في الساحة العلمية كمحققين ومجتهدين فوق ما تعارف عن معاني الاشتهاد والتحقيق تنقون الموروث الروائي والنظرة المتطرفة في الغلو بال البيت ع وشكرا لكم مجددا والسلام