السؤال: يقول المرحوم الدكتور مصطفى محمود: إنّ الغرب ﻻ يخشى الإسلام الطقوسي والشعائريّ، بل يخشى الإسلام الذي يدعو إلى العلم والعمل والتقدّم والحضارة. فهل تتّفق شيخنا مع هذا القول؟ هل نستطيع التفكيك بين العمل وبين الشعار؟ أﻻ تخدم الشعائر مسيرة العمل؟ أليس المجاهدون في لبنان يستمدّون طاقة الجهاد والتفاني من الصلاة ومن الشعائر الحسينيّة؟ أوليست الشعائر هي بنفسها تجسّد التفاني والإخلاص والتطوّع والتبرّع بالأموال كما نشاهد ذلك أثناء الشعائر الحسينيّة؟
الجواب: لعلّه حصل خطأ بسيط في فهم ما يريده الدكتور مصطفى محمود بحسب نقلكم، فليس مقصوده ومقصود أمثاله من الذين تحدّثوا عن هذا الموضوع كالإمام الخميني والشيخ المطهّري والدكتور شريعتي وغيرهم، هو القول بأنّ الشعائر الدينية لا قيمة لها أساساً، بل المقصود أنّ التديّن تارةً يكون طقوسيّاً فقط، فنسمّيه بالتديّن الطقوسي، وأخرى يكون تديّناً حياتيّاً وهو الذي تتحوّل فيه الشعائر إلى مادّة خصبة لبناء الحياة والوجود، ولقيامة الدنيا والآخرة، فعندما نجد مجموعةً من الأشخاص همّهم فقط إقامة الصلاة في المساجد وإحياء المجالس الحسينيّة والذهاب للحجّ ونحو ذلك، فيما لا تجد لهم في قضايا الدفاع عن المظلومين، ولا في بناء الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكريّة للأمّة الإسلاميّة دور يُذكر، بل تراهم دعاة راحةٍ ودعة ومسالمة مع المعتدي والظالم والجائر، فهذا هو الإسلام الطقوسي. لقد قال الإمام الخميني يوماً: إنّ أمريكا لا تنزعج من الصلاة، فلنصلّ إلى يوم الدين فهي لا تنزعج، والشاه بنفسه كان يقيم المجالس الحسينية ويدعمها ويشارك فيها شخصيّاً!! إنّ مقولة الإمام الخميني هذه لا تعني أن نترك الصلاة أو الشعائر الحسينية، بل معناها هو استثمار هذه الشعائر في بناء مجتمعٍ سليم، كما يحصل مع المجاهدين في هذا البلد أو ذاك.
ومن هنا وجدنا الكثير من الكلام عند العلماء والمفكّرين النهضويين في القرن العشرين حول الجوانب الاجتماعيّة للعبادات؛ لأنّ المفكّر المسلم رأى ضرورة استثمار العبادات في المجال الاجتماعي وعدم التضحية بالإمكانات التي توفّرها لنا هذه العبادات في هذا المجال، بل رأينا بعضهم يتحدّث عن البُعد الاجتماعي في العقائد وأصول الدين أيضاً، حتى أدرجه السيد محمد باقر الصدر في مقدّمة وخاتمة رسالته العمليّة (الفتاوى الواضحة). إنّه همٌّ كبير حمله علماء النهضة المسلمون في كيفية تثوير العقائد وإخراجها من الجانب النظري السجالي إلى مجال بناء الحياة والمجتمع، وكذلك الحال في العبادات، ولكم أن تراجعوا في هذا المجال كتابات ومقولات أمثال: مالك بن نبي، وروح الله الخميني، وعلي شريعتي، ومحمّد باقر الصدر، ومحمد صادق الصدر، ومحمد عبده، ورشيد رضا، ومرتضى مطهّري، وحسين علي منتظري، ومحمّد حسين الطباطبائي، ومحمّد حسين فضل الله، وإقبال اللاهوري، ومحمّد رضا حكيمي، ومحمّد مهدي شمس الدين، وسيد قطب، وحسن البنّا، ومحمد حسين كاشف الغطاء، ومحمد جواد مغنيّة، ومحمد الغزالي، وموسى الصدر، ومحمد سعيد رمضان البوطي، ومحسن الأمين، ومهدي بازركان، وغيرهم، فضلاً عن الكثير من العلماء المعاصرين.
وعليه، يمكن التفكيك بين الشعار والعمل، بل قد حصلت على طول التاريخ ألوان كثيرة من ذلك، ومن يطالب برفض الإسلام الطقوسي إنّما يطالب برفض الإسلام الذي يجمد على الطقوس ويحوّلها إلى عادات، ويستغرق كلّ طاقاته فيها، ويفقدها بُعدها الاجتماعي والنهضوي والإنساني بالمعنى العام للكلمة.
أعتقد أنّه بهذا الفهم لمراد هؤلاء العلماء والمفكّرين ـ وهو الفهم الصحيح من وجهة نظري ـ يحصل التوفيق بين ما قلتموه وبين ما قالوه.