• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
124 تعليقات على ملاحظات نقديّة على كتاب (دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند الإماميّة) 2014-05-12 0 4596

تعليقات على ملاحظات نقديّة على كتاب (دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند الإماميّة)

السؤال: هناك بعض التعليقات النقديّة على كتابكم (دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند الإماميّة)، كتبها بعض الباحثين المعاصرين، وهو الأستاذ.. وقد نشرتموها على موقعكم (نصوص معاصرة)، وأحبّ أن أعرف موقفكم منها؟ وسأذكرها بالترتيب. (عماد البيضاني، العراق).

 
الجواب: أشكركم وأشكر الكاتب الناقد، وسوف أذكر المقاطع التي أوردتموها عن الكاتب الناقد، ثم أعلّق عليها، وهي:

1 ـ يقول الكاتب الموقّر: «استرعى نظري وأنا في مطلع المطالعة عنوان جذبني وهو: مقترح لنهضة رجالية وحديثية. (ص47)، دعا فيه إلى قبول آراء الرجاليين من المسلمين الشيعة و السنّة لبعضهم، على الأقلّ بناء على بعض الاتجاهات. و قد سبق للشيخ شمس الدين أن دعا لمثل ذلك بناء على الوثوق بالصدور. يبدو لي أنّ المؤلف بسّط المسألة كثيراً وجرّدها من تراكماتها التاريخية دون معالجات جدية عميقة. بل اكتفى بتقديم تخريجات مبسّطة جداً على بعض الاتجاهات لدى الفريقين. ويظهر لي إذا تمّت حسب الاتجاه الأول وهو الخبرويّة، فكيف تتمّ حسب الثاني والثالث؟ هل يعتبر الرجاليون من هذا الفريق أو ذاك ثقاتاً في النقل؟ إنّ الفجوة القائمة مردّها إلى أزمة الثقة في النقول ثم التكاذب بين مختلف الأطراف. وعدم قبول قول المبتدع فضلاً عن شهادته! ثم إنّ الناظر لجملة من كتب الرجال وشروح الحديث وكتب المصطلح والدراية وما كتب فيها سيلحظ هناك اتجاهات متشدّدة سعت إلى تقديم تنظيرات لردّ روايات ليس فقط لرواة لمجرّد انتسابهم لفريق معين من قبيل كونه عامي أو رافضي وما شابه، أو لاعتقادهم ببعض المعتقدات، كالرجعة والتفضيل وما إلى ذلك. والمشكلة تكمن في التساهل في رمي كثير من الرواة لهذا الفريق المرفوض أو ذاك ليس بناء على معلومات علمية موثوقة بل بمجرّد النظر في مضامين رواياتهم، فيما إذا كانت تحمل مضامين معيّنة مثل فضائل أهل البيت عليهم السلام، وهكذا بناءً على النظر في متون الروايات، لا يكتفى بردّ تلكم الروايات لمخالفتها لمباني معينة، بل يكتشف منها الاتجاه الفكري للرواة فيرمون بكلّ تهمة مسقطة كالتشيّع مثلاً. و قد جرّ ذلك إلى رمي بعض كبار المحدّثين والمؤرّخين بذلك من قبيل أبي جعفر الطبري والحاكم النيسابوري والنسائي وما إلى ذلك. والسؤال هنا: كيف يمكن الاعتماد على مثل هذه الاتجاهات والمواقف من مختلف الفرقاء، دون مراجعة لهذه القواعد والنظرات السلبية في البداية وتقديم تفسيرات ومراجعات لها. صحيح أنّ الكتاب ذكّر بعدم الاعتماد على من يتهم الرواة لمجرّد الانتماء، ولكن ماذا عن ردّ المرويات بناء على تناولها لفضائل أهل البيت؟ وبناء عليه تمّ إهمال كثير من الرواة ومرويّاتهم حتى في المدوّنات الحديثية الموصوفة بالصحيحة أو المعتبرة عند هذا الفريق أو ذاك. والسؤال الذي يطرح على المؤلّف هو هل يعتمد روايات الصحيحين؟ لأنّ من روى عنهما أو رويا عنه فقد جاز القنطرة، كما قيل. وتالياً ما هو الموقف من المستدركات أو صحيح ابن خزيمة وابن حبان وما شابه، وإن نسبت بعضها إلى التساهل؟ مع العلم بأنّ جملة من رجال الصحيحين نسبوا إلى التدليس ومنهم من نقد من الرجاليين، إلى أمور أخرى لسنا بصددها. وما الموقف من الرواة الذين جرحوا لمضامين مرويّاتهم وليس بناء على معرفة أحوالهم من حيث التوثيق أو التجريح والتعديل؟ فكيف التعامل معهما ومع تصحيحات الجمهور؟ المطلوب تقديم قواعد أو ما يشبهها لا مجرّد طرح أفكار قد تكون مورد جدل بين مستحسن لها ومعترض عليها. وإن كان هذا أيضاً يسهم في تقديم الأفكار على مدى الزمن».

 

(حبّ الله): ما لفت نظري هنا هو أنّ الكاتب الموقّر لعلّه لم يلتفت إلى الجملة التي كتبتُها في بداية هذا البحث، وفي نفس الصفحة(ص48)، وإنّما حاكم الفكرة بشكل مباشر، فقد قلت هناك ما نصّه: «ولنا بحثٌ مفصّل جداً في هذا الموضوع عالجنا فيه كلّ الموانع والعقبات نتركه إلى محلّه». وهذا معناه أنّ البحث هنا مبني على الاختصار وأنّ القضيّة لا تخلو من مشاكل وموانع عولجت في دراسة أخرى تفوق الستين صفحة، والسبب في أنّني لم أعالج هذا الموضوع هنا، هو ما قلته مراراً ـ وغاب عن الناقد الموقّر حتى أوقعه في بعض الإشكالات القادمة التي لا ترد ـ من أنّ الكتاب مبنيّ على الاختصار وأنّ اسمه (دروس تمهيديّة) وليس مبنيّاً على التفصيل ولا أنّ اسمه (الدروس العالية)، فقد قلت في (ص9) وأنا أشرح منهجي في هذا الكتاب ما نصّه: «يقوم هذا الكتاب على الاختصار الشديد، ولهذا فهو يحاول أن لا يطيل في رصد المشهد التاريخي وتفصيلاته؛ لأنّ الهدف منه هو أن يكون في جملة مداخل هذا العلم، حيث يتعرّف عليه طالب العلوم الدينية في بدايات اهتمامه به، أو يتمكّن الجامعيّون أو غيرهم من الاطلاع على هذا العلم ولو لم يتخصّصوا فيه». انتهى. كما قلت في آخر مقطع من كتابي (ص451): «هذا، وإذا رأى القارئ الكريم هفوةً أو سقطةً أو خطأ أو نقصاً ـ رغم بنائنا على الاختصار الشديد ـ فليرشدنا إليه وليهدينا..» انتهى. وقلتُ في (ص 14، 15) وأنا أشرح ميزات الكتاب: «ولم نشأ الاعتماد على طريقة حذف بعض الأسماء لصالح التطويل في شرح منجزات أسماء أخرى؛ لأنّنا رأينا أنّ هذه المرحلة تستدعي أن يطّلع الطالب أو القارئ المهتمّ على مختلف الشخصيّات ويعرف أسماءها وكتبها، حتى إذا ما أريد بعد ذلك كتابة حلقة أعلى لتاريخ هذا العلم، فيمكن التوسّع أكثر بشكل عمقي وطولي لا بشكل عرضي، وهو ما له فائدة أكبر علميّاً». وهذا معناه أنّني صرّحت مراراً بأنّ المعالجات في الكتاب قائمة على الاختصار ليس في هذا الموضوع فحسب، بل في مختلف الموضوعات كما يظهر بالمراجعة، وأنّني ذكرت الموانع بالتفصيل في مكان آخر، وذكرت أكثر من مرّة أنّ كتابي مبنيٌّ على الاختصار، فلا أجد وجهاً للقول بأنّني تعاملت مع الموضوع هنا بسطحية وأنّ هناك مانع الثقة وحاجز الثقة، علماً أنّني تحدّثت سابقاً عن حاجز الثقة في كتابي مسالة المنهج وفي سؤال سابق وجّه إليّ. فلو صحّت هذه الطريقة في المحاسبة هنا لكان يصحّ لنا أن نقول للسيد الشهيد الصدر في كتاب الحلقة الأولى: إنّك تعاملت بسطحية مع الموضوعات، وينبغي أن تعمّقها وتوسّع فيها وتضع لها حدوداً وقوانين! هل هذا صحيح؟ وهل من المنطقي أن نطالبه بذلك؟ إذاً فيجب أن نقول للشيخ الفضلي أيضاً: إنّ كتبك تواجه مشكلة لأنّه يجب أن تقدّم قواعد مفصّلة في كلّ أمرٍ ذكرته، وكذلك يجب أن نقول للشيخ المظفر في كتاب عقائد الإمامية وهكذا.. كما أنّني ذكرت في البحث نفسه (ص 49 و50) أنّ هذا الموضوع يمكن تقنينه، وأنّ الخلافات المبنائية كتضعيف شخص لأنّه رافضي أو توثيق كلّ الصحابة هذه يمكن أخذها بعين الاعتبار، فلا وجه للإشكال بالموضوع نفسه الذي أشرت بنفسي إليه، علماً أنّ معطيات الرجاليين لا تقف عند حدود المتهمين بالرفض أو النصب أو الطرف المقابل لهم، فهناك مئات من الرواة لا حديث عن انتمائهم بهذه الحدّة، وكذلك الحديث عن وثائق ومعلومات عن الرواة لا علاقة لها بالجانب التوثيقي، فهذه تدخل في الحسبان ولا يرد عليها إشكال الناقد الموقّر. على أنّني أحب أن أسال الناقد العزيز الذي تحدّث ـ محقّاً ـ عن أنّ الرجاليين يضعّفون بناءً على نظريّتهم لمتون الروايات، أحبّ أن أسأله سؤالاً بسيطاً: أليس يفعل هذا الرجاليون الشيعة؟ فكيف عرفنا أنّ تقويمهم للحديث كان صائباً؟ وهل تحديد طبقة الراوي له علاقة بتقييم متن حديثه وأنه حقّ أو باطل؟! وهل تحديد اسمه له علاقة بذلك؟ وهل تحديد نسبه له علاقة بذلك؟ وهل تحديد موطنه وعمله له علاقة بذلك؟ وهل تحديد أسماء شيوخه ومن تتلمذ على يديه له علاقة بذلك؟ إنّ الاستفادة من أهل السنّة وبالعكس لا يقف عند حدود التوثيق، بل تتعدّى ذلك إلى معلومات أخرى. وقد بيّنتُ بنفسي ذلك حيث قلت في (ص 49) ما نصّه: «وحتى لو لم تؤخذ تقويماتهم الرجالية، يمكن الاستفادة من آرائهم في تقوية وتضعيف الاحتمالات التي قد تمثّل قرائن لقبول أو رفض الخبر، وكذلك يستفاد من آرائهم التي تدخل ضمن الإطار العام لعلم الرجال: كتمييز المشتركات، وتحديد طبقة الراوي ومذهبه و..»، ولعلّ الناقد الموقّر لم يلتفت إلى مثل هذه الجملة الموجودة في النصّ. ثم أليس من حقّ السنّي حينئذٍ ـ بناء على مداخلة الناقد العزيز ـ أن يرفض كلّ كتب الشيعة الحديثية والرجالية للسبب عينه، ويطلق التهم جزافاً في أنّه لا يثق بها؟ فلماذا نعتبر هذا تعصّباً إذاً؟ وإذا عيّرنا على البخاري أنّه لم يرو عن الإمام جعفر الصادق فإنّ السنّي قد يقول لنا: هل روى الكليني عن الصحابة غير الموالين للإمام علي عليه الصلاة والسلام؟ فكيف كان هذا تعصّباً وتلك مفخرة؟ وأمّا السؤال عن أنّني هل آخذ بحديث يرويه البخاري مثلاً، فلا أجد حرجاً في الجواب عنه، أليس العلماء المنادون بمرجعيّة القرآن منذ العلامة الطباطبائي إلى اليوم لا يهتمون بالأسانيد ويعرضون الحديث على القرآن، فإذا جاءنا الحديث من النبي ولو كان في البخاري لماذا لا نعرضه على القرآن فإذا وافقه أخذنا به على مبانيهم؟ وهل خرج البخاري عن هذه القاعدة بنصّ قرآني مثلاً؟

 

2 ـ يقول الكاتب الموقّر: «حول بدايات الكذب في الحديث: حول الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله في التحذير عن الكذب عليه، اختار المؤلّف لفظ البخاري في المتن، وذكر في الهامش بأنّها وردت في الكافي باختلاف يسير (ص 54)، ويلاحظ أنّ رواية البخاري لا تتضمّن وقوع الكذب في عصره، ورواية الكافي أخالها من طريق سليم بن قيس تتضمّن بوضوح هذا المضمون ومفاده لقد كثرت عليّ الكذابة.. وهي أكثر تناسباً مع مضمون الفكرة التي استشهد بها الكاتب، إلا لأنّ لدى المؤلّف نظر في السند كما أوضح في مقام آخر. (ص 59) على أنّه في موارد عدّة في الكتاب لم يدقّق في السند. (ص 60، 61، 55). كنت أتوقّع أن يتوقّف المؤلّف وقفة تحليلية موسّعة على هذه الرواية المفصّلة عن أمير المؤمنين عليه السلام، بدل الاكتفاء بشرح المعنى فقط، وهي وثيقة تاريخية مهمّة تشير إلى أمهات العوامل لظهور الروايات المختلفة والمكذوبة. ثم وإن كانت سنداً بها كلام حسب بعض المباني، ولكنّ مضمونها منطقي وينسجم مع التطوّرات التاريخية ومع منطق الأشياء، وتعزّزه روايات أخرى، ومرويّ في الكافي والنهج مع خلاف يسير جداً) انتهى كلام الناقد العزيز.

 

(حبّ الله): أولاً: لقد شرحت الرواية المشار إليها في عدّة صفحات، والكتاب مبني ـ كما قلت مراراً ـ على الاختصار، فقد لا يكون هناك ما يوجب التطويل أو بسط الحديث. يكاد يبدو لي أنّ الكاتب الموقّر قد غابت عنه فكرة الكتاب وهدفه، وأنّه موضوع للاختصار والتعريف للطلاب، فيما المقترحات القيّمة التي يقدّمها تتناسب مع كتب المطوّلات.

ثانياً: إنّني ذكرت أنّ هذه الرواية ضعيفة السند، لكنّني لم ألغها من الحساب، بل أدرجتها واستفدت منها، ومجرّد أنّني ذكرت ضعفها السندي بعد ذلك لا يعني أنّني لم آخذها بعين الاعتبار. بل قد قلت بنفسي في البحث عينه أنّ مضمون هذه الرواية منسجم مع المنطلقات العقلانية ومع طبيعة الأشياء، أي إنّني قلت نفس كلام الناقد الموقّر. كما ذكرت في كتابي دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر (ج3، ص467 ـ 477) ردّاً على أهل السنّة الذين قالوا بأنّ الكذب لم يقع في زمن النبي والصحابة واخترت وقوعه في العصر النبوي، وهذا كلّه يؤكّد أنّني أخذت بمضمون هذه الرواية، حتى لو لم أتمّكن من نسبتها إلى المعصوم بسبب الضعف السندي، فمجرّد ذكري للضعف السندي لا يعني تجاهلها، وإلا لما أدرجتها في الكتاب أساساً، مع كونه مبنيّاً على الاختصار كما قلت.

 

3 ـ ويقول الأستاذ الناقد المحترم: «انتهى الكتاب إلى تأخّر علم الرجال عند الإماميّة كعلم مستقل (ص64)، وكان المطلوب بيان الأسباب والعوامل التي أدّت لذلك، طالما الكتاب تاريخي. وهل هناك أسباب موضوعية تاريخيّة، كما هو الحال بالنسبة لأصول الفقه والفقه التفريعي».

 

(حبّ الله): أعتقد أنّ الجواب صار واضحاً، فالكتاب تمهيدي ولا يصحّ أن نحمّله فوق ما يحتمل، فلم يكن هذا مطلوباً. نعم في الكتاب الموسّع يجب البحث والتفصيل، وقد نقلتُ آنفاً بعض ما يشهد على بناء الكتاب على العرض والاختصار فلا داعي للإعادة. علماً أنّ نفس الجواب الذي يقولونه عن الفقه وأصول الفقه ـ وهو وجود أهل البيت عليهم السلام بين الشيعة ـ هو بنفسه يمكن أن يكون (إذا صحّ) جواباً عن سبب تأخّر علم الرجال عند الإماميّة إلى القرن الثالث، وهو وجود الأئمة ودورهم في الجرح والتعديل، كما يدلّ على ذلك كتاب الكشي.

 

4 ـ ويقول الأستاذ الناقد الموقّر: «كما كنت أتمنى لو قدّم نبذة عن ظهور أبرز القواعد الرجالية عند الفريقين أو أهم القواعد المشتركة عند الفريقين وتاريخ ظهورهما. كما من المهم التوقّف عند بعض الظواهر اللافتة من قبيل تمازج القواعد الدرائية والرجالية مع الفقه الاستدلالي عند الإماميّة، بينما الوضع مختلف عند بعض الفرق الأخرى، بحيث نجد أنّ علوم الحديث والدراية والمصطلح والرجال تكاد تكون منفصلة عن الفقه وأصوله، بل ظهرت موسوعات حديثية صحيحة مستقلة لدى بعض الاتجاهات ووجدت تخصّصات علمية في الجامعات والجوامع تفصل بشكل واضح بين هذه العلوم والمجالات. بينما كثيراً ما نجدها تكاد تندمج عند الإمامية في البحوث الاستدلالية فقهاً وأصولاً».

 

(حبّ الله): لو كان الكتاب معقوداً للبحث المقارن بين الشيعة والسنّة لكان هذا صحيحاً، وإن كنت أعتقد بأنّه سوف يُشكل عليّ بأنّه لماذا تبحث في الرجال السنّي مع أنّ كتابك في الرجال الشيعي؟! وقد أوضحت التسلسل التاريخي لظهور القواعد الرجاليّة عند الشيعة وأشرت في مواضع كثيرة لبعض القواعد الرجاليّة والحديثية، ومتى ظهرت؟ وكيف؟ وما معناها؟ فلم يتضح لي الوجه في القول بأنّني لم أشر إلى هذه الأمور، فقد شرحنا وأشرنا إلى قاعدة توثيق أصحاب الإمام الصادق، وفكرة أصحاب الإجماع، وفكرة التوثيقات العامّة، وفكرة توثيق مشايخ النجاشي، وقضية التقسيم الرباعي للحديث، وأصالة العدالة في الراوي، وقاعدة تصحيح الكتب الأربعة، ومراسيل الثلاثة: محمد بن أبي عمير والبزنطي وصفوان، وقاعدة التوثيق بالوكالة عن الإمام، وقاعدة التوثيق برواية الثقة عن شخص، أو برواية الجليل عن شخص أو بإكثار الثقة عن شخص أو بإكثار الجليل عن شخص أو برواية الأجلاء عن شخص، وشرحنا أيضاً معنى المشيخات ومناهج المحمدين الثلاثة فيها، وموضوع حجيّة الحديث المضمر، وقاعدة تعويض الأسانيد، وقرائن تمييز المشتركات، وأشرنا إلى عدّة علوم كعلم المختلف والمؤتلف، وعلم الجمع والتفريق، وغير ذلك الكثير، فكيف يقال بأنّه لم تتمّ الإشارة إلى هذه المسائل؟ لعلّ الناقد العزيز تصفّح الكتاب فلم يلتفت إلى هذه الأمور المبثوثة فيه. وأما اختلاط الدراية بالفقه والأصول عند الشيعة بخلاف السنّة فأعتقد أنّ الكاتب لم يلتفت إلى أنّني تحدّثت عن هذا الموضوع وتنبّهت له وبيّنت في مقدّمة الكتاب (ص13) عند شرحي المنهج فيه: «ثمّة بحوث رجاليّة كثيرة متفرّقة في ثنايا الكتب الفقهيّة والأصوليّة لبعض العلماء، وهذه لم نحاول الخوض فيها كثيراً؛ إذ قد توجب في هذه المرحلة الإطالة والتشويش على المراجع والمطالع، لكنّنا مع ذلك سلّطنا الضوء على بعضها بشكلٍ من الأشكال، بحيث يكون القارئ على علم بها واطّلاع»، وبالفعل فقد استخرجتُ العديد من المواقف الرجاليّة للعلماء من كتبهم الفقهيّة والأصوليّة كما حصل عند حديثي عن كلّ من: السيد الخوئي، والسيد البروجردي، والمحقّق الكركي، وابن إدريس الحلّي وغيرهم. بل عندما تحدّثت عن الاتجاهات المعاصرة في علم الرجال نبّهت إلى وجود أبحاث رجالية وحديثية في ثنايا الكتب الفقهيّة، فقلت في (ص432): «الفريق الرابع: وقد اهتمّ هذا الفريق بمجال التطوير النقدي والاجتهادي في علم الرجال، على خطى بحوث الكليّات وغيرها التي اشتغل عليها الأعلام الخمسة، من بينهم المرجع الديني السيد موسى الشبيري الزنجاني، والشيخ مسلم الداوري، والشيخ آصف محسني القندهاري، والشيخ محمّد سند البحراني، والشيخ مهدي الهادوي الطهراني وغيرهم الكثير، لاسيّما ما جاء من الأعمال الرجاليّة في ثنايا كتب الاجتهاد الفقهي والأصولي، ممّا يصعب حصره واستقصاؤه». وقلت أيضاً في (ص229): «كانت هذه حصيلة ما تركه المحقّق الكركي من تراثٍ رجالي. ومن الضروري لنا أن نعلّق هنا بأنّ هذه الخطوة التي قام بها المحقّق حسّون ـ جزاه الله خيراً ـ في جمع تراث الكركي، نأمل أن تُعمل لكثيرٍ من العلماء والشخصيّات العلميّة التاريخية البارزة، من الذين لم يتركوا لنا تراثاً رجالياً، سوى ما بثّوه في مصنّفاتهم المختلفة في الفقه والأصول و.. كالشهيد الأول والمقداد السيوري و.. لأنّ ذلك سوف يعرّفنا على مسيرة علم الرجال والنظريات المطروحة في ثنايا الكتب، ممّا قد لا يلاحظه الباحثون في هذا العلم بسهولة؛ نظراً لاختبائه بين سطور كتبٍ تنتمي إلى علومٍ أخر، ولهذا أيضاً أحببنا ذكر المحقّق الكركي هنا». كما ألفت نظر القارئ الكريم إلى المحاضرة الأولى من محاضراتي المنشورة صوتياً حول مصادر الحديث الإمامي والموجودة على موقعي الالكتروني الشخصي المتواضع (ألقيت عام 2012م)، حيث أجبت على أهل السنّة في نقدهم على الشيعة بأنّه ليس لديكم علم رجال، أجبتُ بالتفصيل بأنّ علم الرجال الشيعي يمكن استخراجه من كتب الفقه والأصول على خلاف الحال من علم الرجال السني، وهذا هو بعينه ما يقوله الناقد الموقّر، إذاً فلا اختلاف بيننا إن شاء الله.

 

5 ـ يقول الأستاذ الناقد المحترم: «من جهة أخرى، يلاحظ بعض الباحثين بأنّ بعض تجارب الصحاح بما فيها المعروفة والمعتمدة جدّاً في موارد غير قليلة لم تراعِ قواعد الجرح والتعديل في الرواة على الرغم من أنّها تحمل عناوين الصحاح وما شابه. وفي جميع الأحوال فلكلٍّ أسلوب انعكاساته وآثاره إيجابيّة كانت أو سلبية بحسب المناظير المختلفة».

 

(حبّ الله): لم أفهم ما هي علاقة هذا الموضوع بنقد الكتاب، فلعلّ القصور من عندي، أو لعلّ ذلك من باب الإضافة والمداخلة من الناقد العزيز.

 

6 ـ ويقول الناقد الموقّر: «المرحلة الثانية: صحيح أنّ كتاب الألفاظ لهشام بن الحكم من حيث العنوان مشترك بين المنطق والنحو والأصول، ولكن نظرا لاهتمامه بالجدل ونقض منطق أرسطو و.. نقد المانوية ومذاهب فكرية وفلسفية أخرى، فلا يبعد القول بأنّه في المنطق. ولكن في نفس الوقت، يمكن البحث في مرويّاته الأصولية الكلامية والفقهيّة، فإن كانت لها طابع أو مضمون تأصيلي كما في بعض مرويّات بعضهم كزرارة مثلاً، يمكن أن يستشفّ الكاتب منها ميوله الفقهية والأصولية، إن كانت له، وإن كان لا يمكن الجزم بذلك».

 

(حبّ الله): لم أفهم مقصود الناقد العزيز هنا، ولعلّ القصور من عندي، فإنّ ما قلته في الكتاب هو أنّ رسالة الألفاظ لهشام بن الحكم لا يوجد دليل على ارتباطها بعلم الأصول؛ لأنّ عنوان (الألفاظ) لم يكن موجوداً، وكان مكانه مصطلح (مباحث البيان)، كما في رسالة الشافعي، وما قاله الناقد يؤكّد ما قلناه، لكن لو ذهبنا معه لروايات هشام وحلّلناها ووجدنا أنّ فيها فقهاً وأصولاً، هل هذا يعني أنّ رسالة الألفاظ المنسوبة إليه هي في الأصول؟! لم أفهم وجه الإثبات المنطقي، إذ يظلّ الأمر مجرّد احتمال، ولعلّ عندي ـ كما قلت ـ قصوراً في فهم كلام الناقد العزيز، والملفت لي أنّ الناقد المحترم يرجّح أوّلاً أنهّا في المنطق، وهذا يقف لصالح ما قلتُه في الكتاب تماماً ويصبّ في نفس رأيي، ثم يذهب لاحقاً ناحية دراسة روايات هشام، ثم يختم في النهاية بأنّه لا يمكن الجزم بأنّ الرسالة في الأصول، إذاً فأين نقطة الضعف التي وقعنا فيها في الكتاب عند تحليل رسالة هشام حتى يسجّل ذلك بوصفه نقداً أو ملاحظة؟ ما لم يقصد الكاتب العزيز مجرّد المشاركة والإضافة التي يُشكر عليها.

 

7 ـ ويقول الأستاذ الناقد رعاه الله: «بالنسبة لبعض الكتب المؤلّفة التي تحمل العناوين الرجاليّة، كما للعقيقي وابن محبوب ، مع أنّ الأخير لديه كتاب آخر حول معرفة الرواة، وهو قريب الدلالة في المقام. وأذكر أنّ السيد الخوئي رجّح إرجاع البدايات إلى ابن محبوب في بعض بحوثه. ولكن المؤلّف بعد التشكيك في طبيعة كتاب العقيقي الرجالية (ص 68) ذكر بأنّ كتاب العقيقي كان عند ابن داوود ونقل عنه في موارد (ص 81). من وجهة نظري، حينما لا تكون لدى الباحث معطيات واضحة، فإنّ من الطبيعي أن يصار البحث إلى محاولة تجميع القرائن والشواهد والإشارات من قبيل اسم الكتاب أو التشابه في العناوين وميول واهتمامات صاحبه والجوّ العلمي العام ومدى وجود إرهاصات وكلمات المؤرّخين مثل الطوسي وما شابه للبناء عليها. ثم إنّ تواصل التأليف في الرجال بنفس العناوين (الرجال والمشيخات) في القرن الثالث إلى أن ظهرت الكتب الواصلة إلينا يعضد كون العناوين السابقة كانت لنفس المضمون. كما أنّ شهادة الشيخ الطوسي في العدة تؤكّد على أنّ التعامل مع رجال الحديث والتدقيق في أحوالهم كانت عادتهم منذ القدم. وتفيد هذه الشهادة بأنّهم كانت لديهم ألفاظ معينة وتعبيرات متبانى عليها في الجرح والتعديل. وحيث إنّ الطوسي كان قريب عهد بأصحاب الأصول والمصنّفات السالفة وقد اهتمّ بجمعها وتنقيحها وتصنيفها، بل إنّ كلماته وانتاجه المتنوّع يدللان على أنّ كثيراً منها كانت لديه، وفي ضوئه فإنّ شهادته تستند على أصول ووقائع وأعراف وتقاليد في الوسط العلمي امتدت إلى زمانه. ولعلّ ما يعزّزها أنّ الشيخ الكليني كان له كتاب الرجال (لم يشر إليه الكتاب)، وأنّ أبا غالب الزراري كتب في رسالته مشايخ آل أعين، و.. وأستاذ الصدوق بن الوليد كانت له نظرات رجالية واهتمام بالتدقيق في الرواة والصدوق كتب في الرجال، وكان في بعض الأحوال يعتمد على أستاذه، كما أنّ تشدّد بعض القمّيين معروف. والمفيد أيضاً أبدى اهتماماً بها في رسالته العددية، كما ذكر بعض التوثيقات في بعض كتبه التاريخيّة وتأكيد بعضهم في مقدّمات الكتب باعتمادهم على الثقات، مما اعتبرت توثيقات عامة، كما في الكامل وتفسير القمي وغيرهما، إلى أن تأتي النوبة إلى البرقي وأصحاب الأصول الرجاليّة» انتهى كلام الأستاذ الناقد.

 

(حبّ الله): لو يسمح لي الناقد العزيز أن أستغرب قليلاً هنا، فإنّني عندما بحثت في الموضوع في نفس الكتاب كلّ ما قلته هو أنّ اسم الكتاب لوحده لا يكفي للتأكيد، بل لابد إما من وصول الكتاب إلينا أو من تجميع ما نقل عنه أو الأخذ بالشواهد والقرائن. وهذا نفس ما قاله الأستاذ الناقد، فكيف أشكَلَ عليّ في كلام قلته في صفحة معيّنة بأمرٍ أنا بنفسي قلته في نفس الصفحة؟! لقد قلت في (ص68): «فعندما يُنقل لنا مثلاً أنّ للشريف العقيقي (280هـ) كتاب (تاريخ الرجال)، فصحيح أنّ عنوانه يوحي بأنّه كتابٌ رجالي، لكن كيف لنا أن نعرف أنّ الكتاب في علم الرجال؟! فلعلّه كتابٌ في التاريخ تناول فيه مؤلِّفه بعض الشخصيات التاريخية، ولم يكن في صدد اتخاذ مواقف من رواة الحديث، فعلينا أن نبذل جهوداً في تتبّع ما نُقل عن الشريف العقيقي في مصنّفات القريبين من عصره، ليكون هذا النقل شاهداً على ترجيح افتراضٍ على آخر، أو نحاول التعرّف على مصطلح (تاريخ الرجال) في الوسط السنّي؛ لعلّنا نجده معنيّاً بعلم الرجال أو هو نفسه، كما في التاريخ الصغير والكبير للشيخ البخاري الذي عاش في هذا القرن عينه». ما معنى هذا الكلام إلا نفس ما قاله الأستاذ الناقد؟ فلم أنفِ أنّ الكتاب للعقيقي، بل قلتُ بأنّ تأكيد انتماء كتابٍ ما لا يكفي فيه الاسم، بل لابد من البحث، وأين الخطأ في ذلك؟ فهذا هو نفس كلام الناقد. وقلتُ أيضاً في (ص69): «ومن الأمثلة الأخرى هنا أيضاً: كتاب (المشيخة) لابن محبوب (224هـ)، والذي لا سبيل لنا أن نتعرّف على مدى انتمائه للمناخ الرجالي بما له من وعي نقدي؛ فلعلّ الكتاب كان في سرد أسماء شيوخه الذين تلمّذ على أيديهم لا أكثر، ما لم نحشد شواهد إضافيّة». لاحظ معي أيها القارئ الكريم الجملة الأخيرة، وتأمّل فيها فلم أنفِ أنّ الكتاب في الرجال، لكنّني قلت بأنّه لا يصح بهذا فقط إثبات أنه في الرجال. وقلتُ أيضاً في (ص69): «نعم، بعض كتب هذه المرحلة واضحٌ انتماؤه لعلم الرجال، مثل كتاب (رجال البرقي/الطبقات) الذي وصلنا وأمكننا الاطّلاع عليه لمعرفته وتحديد هويّته وبذلك نتجاوز هذه الإشكالية فيه، وبعض هذه الكتب وإن لم يصلنا إلا أنّ بعض مواقفها الرجالية نُقلت لنا، وهي تدلّنا على أنها كُتُبٌ اُلّفت لغرض الجرح والتعديل أو سائر الخدمات الرجاليّة». وقلتُ أيضاً في نص مهم جدّاً (ص70): «لست مصرّاً على هذه المناقشات، ولا أقصد نفي كون هذه الكتب رجاليّةً، بقدر ما نريد أن نقول بأنّ الاحتمالات في أمثال هذه الكتب مفتوحةٌ على جميع الاتجاهات؛ فقد تكون كتباً رجالية بالمعنى الذي نريده اليوم، وقد لا تكون كذلك، فربما تدخل في دائرة التاريخ أو السيرة أو التراجم أو.. فعلاقة علم الرجال مع بعض هذه العلوم لم تكن قد فُرزت آنذاك. وهدفنا من هذه الإشارة أن نعرف أنّ تحديد هويّة هذه الكتب المفقودة راجع إلى الشواهد والقرائن والنقل والمقارنات والمقاربات» وهذا نفس ما قاله الأستاذ الناقد العزيز!! لعلّه لم يتنبّه لكلّ هذه النصوص.

 

8 ـ ويقول الأستاذ الناقد الموقر حفظه الله: «دور المشاريع المكملة: يبدو لي لو اعتبرت منجزات هذه الفترة كمرحلة مستقلّة تالية ومتواصلة لما قبلها، لكان منطقيا جداً ومتسقاً مع طبائع التطوّر. وبرصد خصائصها والإشارة إلى مظاهرها ورموزها وأهم الأعمال التكميلية التي طرحت فيها وإن اعتمدت في الأصول على المرحلة السابقة، يلاحظ أنّها تحمل سمات مرحلة قد تكون انتقاليّة. كما أنّ الفترة التاريخية الطويلة لما يقرب من أربعة قرون تناسب أن تعتبر مرحلتين».

 

(حبّ الله): لقد قلتُ في مقدّمة الكتاب ما نصّه (ص13): «يمكن تقسيم مراحل هذا العلم بطرق مختلفة ووفقاً لمعايير مختلفة، لكنّنا أحببنا هذا التقسيم السداسي؛ لما رأينا فيه من السهولة والانسجام، وإلا ففي تقديري يمكن بنظرة تحليليّة معمّقة التوصّل إلى تقسيم آخر، قد يكون مزعجاً للقارئ بكثرة مراحله». ويمكنني أن أضيف هنا أنّ المراحل التي يمرّ بها علم ما لا علاقة لها بطول المدّة وقصرها، فليس هكذا تحسب مراحل علم، فقد يعيش علمٌ الركود ألف عام وكلّها مرحلة واحدة، وأكثر مؤرّخي الفكر الشيعي يعتبرون عصر النص كلّه مرحلة واحدة، مع أنّه قرابة ثلاثة قرون، فلا أجد طول المدّة معياراً مرجّحاً لتقسيم المراحل. وهذه المرحلة التي وضعتُها ليست أربعة قرون، بل هي من بدايات عام 300 مع ابن عقدة الزيدي إلى نهايات عام 600 زمان وفاة ابن بطريق، وهذه نسبة جيدة، تقارب الثلاثة قرون. كما أنّ منجزات ابن شهر آشوب والشيخ منتجب الدين ليست بتلك المثابة العظمى بحيث تُفرد على أنّها مرحلة مستقلّة، وللعلم فلو راجعنا كتب هذين العالمين لرأينا أنّه غالباً ما يستفاد منها في علم التراجم وليس علم الرجال.

 

9 ـ ويقول الباحث الناقد: «العلامة وتضعيفات ابن الغضائري: ذكر أنّ العلامة الحلي اعتمد تضعيفات ابن الغضائري إلا عند تعارضها مع توثيقات غيره، وهو مخالف لقاعدة أنّ الجرح مقدّم على التعديل (ص 140)، والواقع أنّ القاعدة ليست على إطلاقها، بل هناك من قيّدها فيما إذا كان الجرح معللاً، وينظر في أسبابه وعلله. ثمّ إنّ ذلك قد يعني بأنّ العلامة غير متيقن أو مقتنع بتضعيفه أو تعامل معه على خلاف التضعيف».

 

(حبّ الله): لعلّ الناقد العزيز لم تتضح له الفكرة التي أردتُ إيصالها هناك، فلو كان مقصود العلامة الحلّي هو التفصيل في قاعدة الجرح والتعديل لما صحّ له رفض تضعيفات ابن الغضائري مطلقاً عند معارضتها بتوثيقات غيره، بل كان لابد له من التفصيل بين الحالات تبعاً لمبرّرات الجرح، وعدم تفصيله شاهد أنّه يقدّم التعديل هنا على الجرح مطلقاً. كما أنّه إذا كان العلامة الحلي غير مقتنع بتضعيف ابن الغضائري فكيف أخذ به عند عدم التعارض مع غيره؟! ولو كان مقتنعاً فلماذا لم ير له قيمة عند التعارض حتى لدرجة أن يسقط مع غيره حينها؟! ثم إنّني لم أقل شيئاً في هذا البحث، وإنّما اقتصرت على نقل الآراء في الموضوع، وقد ذكرت في الهامش أنّ هذا الكلام كلّه الذي قلته أنقله عن الشيخ جعفر السبحاني والشيخ محمد تقي التستري، فلو كان هناك إشكال فيرد عليهما.

 

10 ـ ويقول الباحث العزيز: «الأصول الأربعمائة: توقّعت أنّ الكتاب سيتناول ظهور مصطلح الأصول الأربعمائة الذي أخاله ظهر زمن المحقّق، وما إذا كان له علاقة بما قيل عن الرواة الذين جمعهم ابن عقدة عن الإمام الصادق عليه السلام، وخلفياته ومعانيه واستعمالاته من قبل الرجاليين واعتبار المتأخّرين أنّها قرينة إيجابية في بعض الأحوال».

 

(حبّ الله): مصطلح الأصول الأربعمائة يرجع لعلم الحديث لا لعلم الرجال، ولم يظهر هذا المصطلح زمن المحقّق، بل ظهر مع ابن شهر آشوب قبله، وكتابي ليس مبنيّاً على استقصاء كلّ ألفاظ الجرح والتعديل حتى يلزم بوضع تعبير (له أصل) في عداد ألفاظ التعديل، ولم يكن هذا غرضه، بل غرضه العرض التاريخي والإشارة.

 

11 ـ ويقول الأستاذ الناقد: «مناقشة الانتقادات: تطرّق الكتاب إلى بعض الانتقادات الموجّهة إلى علم الرجال عند الإمامية وتولّى مناقشتها والإجابة عليها، كما حول ما نسب إلى كتاب النجاشي. وكنت أتمنّى لو توسّع وعمّق المضامين. ويلاحظ هنا أنّه لم يوثق أسماء الكتب والمؤلّفين الذين وجّهوا الانتقادات ولم يذكرهم في الهوامش كما هو المتعارف (ص 129)، ونفس الأمر يلاحظ عند مناقشته لما قيل عن أعمال العلامة الحلي، لم يشر الكاتب إلى أسماء الناقدين ومقالاتهم وكتبهم (ص196)، كذلك الحال فيما قيل بأنّ الإمامية لم يعرفوا علم الرجال في القرون الأولى حسب ابن تيمية، وما إذا كان العلامة الحلي قد تأثر به. يلاحظ عدم التوثيق للمقولات ولا المصادر ولا المؤلّفين (ص 222)».

 

(حبّ الله): هذه ملاحظة في محلّها وأوافق الناقد العزيز عليها وأشكره، مع الإشارة إلى أنّ هذه الإشكاليات قد تمّ نشرها في مقالة مطوّلة لي على أجزاء في الأعداد الأخيرة من مجلّة أهل البيت موثقةً بهوامشها. وكنت أحبّ لو تقدّم الناقد المحترم بتوضيح أكثر لقوله: «توسّع وعمّق المضامين»، فلم تظهر لي زاويته بالدقّة، ولو قدّم أنموذجاً بحيث عمّق هو بنفسه المضامين لكان النقاش أوضح وأكثر فائدةً لي.

 

12 ـ ويقول الأستاذ الناقد رعاه الله: «الانفتاح إلى المنجز السنّي: أشار إلى وجود انفتاح واضح على المنجز السني، ولم يذكر أمثلة كافية تدلّ عليه، باستثناء ما ورد عن الشهيد الثاني أو ما ذكره عن العلامة (ص 236). وفي نظري المتواضع إنّ انفتاح الفكر الإمامي على بقية اتجاهات الفكر عند المسلمين لم يتوقّف، منذ تمركز الزعامة العلمية في بغداد والنجف والحلة، والمساجلات والنتاجات الكلامية والأصولية والتفسيرية والفقهية تشهد على ذلك، بل كان ثمّة تداخل على مستوى الرواية والتتلمذ بين بعض الزعامات الفكرية الكبيرة، حتى لقد نسب بعضهم إلى مذاهب واتجاهات أخرى، كالطوسي والعلامة. والناظر في بعض الأعمال الكلامية للمفيد والمرتضى والطوسي، وفي الأعمال الأصولية والفقهية والتفسيرية لكلّ من المرتضى والطوسي يجد حضوراً كبيراً وواضحاً للآراء المتعدّدة لمختلف الاتجاهات والمذاهب. بل إنّ تفسير التبيان وكتاب الخلاف في الفقه للطوسي يعتبران بحقّ من أوائل الأعمال المقارنة في هذين المجالين المهمّين. ولئن كان طابع المساجلة والانتصار ظاهراً فيها فإنّه يعبّر عن ثقافة العصر بشكل عام».

 

(حبّ الله): إنّ هذا الكلام كلّه يؤكّد ما قلته، علماً أنّني قلت في (ص236): «لقد رأينا انفتاحاً واضحاً على المنجز السنّي ومحاولة للاستفادة منه فيما ينسجم مع المناخ الفكري الشيعي، وذلك مع مثل كتب الدراية والحديث والتقسيم الرباعي وغير ذلك». وهذا يعني أنّني أقصد أنّ علم الدراية الذي ما زال مستمراً إلى اليوم هو نتيجة تفاعل مع المنجز السني وكذلك التقسيم الرباعي الذي حكم علم الحديث الشيعي لثلاثة قرون، ألا يكفي هذان الأمران كشواهد قوية فصّلتها في داخل البحث واختصرتها في خاتمته مع هذه العبارة؟! أليس هذا انفتاحاً لو قسناه بالمرحلة الإخبارية؟ علماً أنّ البحث خاصّ بالرجال وما يرتبط به وليس معقوداً للتواصل مع المنجز السني على مستوى مختلف العلوم الإسلاميّة حتى نفصّل الكلام في التفسير والأصول وغيرهما، وإن كنت أعتقد بكلّ ما قاله الناقد العزيز حول الانفتاح في هذه العلوم.

 

13 ـ ويقول الأستاذ الناقد العزيز: «الشيخ النوري والنقد الموجّه إليه: توقّعت أن يبحث ولو بشكل عام عن مناشئ النقد اللاذع الذي وجّهه السيد الخميني للشيخ النوري (ص 368) مع كونه من المتخصّصين في الرجال والدراية و له جهود معروفة في التتبع والتحقيق وآراء نقدية في المجال. كما ترك تأثيراً على جملة من تلامذته الذين واصلوا البحث وقدّموا أعمالاً علميّة. وهل هناك من يشارك السيد الخميني في نقده؟».

 

(حبّ الله): لمّا كان البناء في هذا الكتاب على الاختصار فليس من مهمّتنا الدخول في تفاصيل موقف الإمام الخميني، لاسيما وأنّ موقفه ـ بحسب النصّ الذي نقلناه في الكتاب ـ يرجع في الغالب إلى الجانب المتني، ولعلّ ما نقلناه عن السيد الخميني كان قاسياً في حقّ كتابٍ ضخمّ في الحديث عند الإماميّة، ممّا استدعى مقترح أخينا الناقد العزيز كي لا يكون النصّ المنقول موجباً لتضعيف الحديث الإمامي، إذ لماذا يجب في هذه النقطة بالذات التفصيل، مع أنّ مثلها في الكتاب عشرات النقاط في تحديد مواقف لهذا من هذا ومواقف لذاك من الأوّل؟ فقد كنت أستعرض في كلّ شخصية اتجاهها وبعض ما يُذكر حولها، وذكرت هذه القصّة، ولعلّه كان من المفاجئ هذا الموقف العنيف من السيد الخميني، وأنا أعتقد بأنّ موقف الإمام الخميني واضح، وهو نقد للمضمون، وعبارته صريحة بهذا، فلا أظنّ أنّه من المطلوب المزيد من التفصيل وكأنّنا بصدد الدفاع عن الشيخ النوري أو كتابه.

 

14 ـ ويقول الباحث الناقد الموقّر: «أشار الكتاب في أكثر من موضع (ص 248، 362) حول محاولات النظم في علم الرجال في بعض المراحل، وتوقّعت أن يذكر أمثلة منها».

 

(حبّ الله): لعلّه من باب السهو وعدم الانتباه لم يلتفت الناقد العزيز للأمثلة التي ذكرتها في الكتاب عينه حول التصنيف في النظم والأراجيز، فقد ذكرت ذلك عندما تحدّثت عن السماهيجي (ص322 و323). ولم أدّع في هذه المرحلة سوى أنّ باب الأراجيز قد فُتح، وقد بيّنت ذلك مع السماهيجي، كمثال على ظهور نمط جديد من التصنيف الرجالي.

 

15 ـ ويقول الباحث الناقد: «منهج المجلسي: تطرّق الكتاب إلى بعض أعمال وإسهامات المجلسي في مجال الرجال وتصنيف الحديث على الرغم من كونه أقرب إلى منهج المحدّثين (ص 314)، وكنت أتمنى أن يشير إلى منهجه في التصنيف ومصطلحاته الخاصّة به كما تظهر في مرآة العقول، بحيث كثيراً ما نجده يصرّح بما مفاده ضعيف على المشهور صحيح عندي، وما شابه، مما يدلّل على تميّزه ووجود قواعد خاصّة به ومصطلح خاص به».

 

(حبّ الله): لقد تحدّثت عن العلامة المجلسي وعلّقت على طريقته في مرآة العقول (ص 310 إلى 317)، مع أنّ كتابي مخصّص لعلم الرجال، وقد نقلنا أنّه مختصر، وأنّه يركّز على التأليف الرجالي، لا الحديثي، والمقدار الذي ذكرته كافٍ، فليراجع.

 

16 ـ يقول الأخ الناقد: «مباني متشدّدة: ذكر الكاتب بأنّه حسب بعض المباني كما للسيد الخوئي والعاملي صاحب المدارك، تسقط آلاف الروايات عن الحجيّة (ص 254، 399) وكنت أتمنى لو يوضح كيف تعامل هذان العلمان مع هذا الوضع؟ وهل انعكس بهذه القوّة على آرائهما؟».

 

(حبّ الله): لقد بيّنت في بحثي عن السيد الخوئي وغيره وبقدر من التفصيل فليراجع. وليس من الضروري في كتاب معدّ لبيان تاريخ علم الرجال أن نذكر كيف تعامل الخوئي مع الفقه والأصول، بل هذا يدرج في تاريخ الفقه والأصول أكثر، فلو دخلنا في هذه الموضوعات لوقعنا في استطرادات.

 

17 ـ ويقول الناقد العزيز: «أشار الكتاب بأنّ الاتجاه الموروث ـ حسب تعبيره ـ الذي أصّل له السيد الخوئي من نقده لعدد من القواعد الرجالية في مجال توثيق الرواة حسب مبنى الوثاقة السندية التي انتصر لها السيد الخوئي، يتعرّض للتحول نحو مبنى الوثوق الخبري والمضموني والاطمئناني الشخصي من جراء المخاوف والمحاذير على التراث الحديثي وحفظ الهويّة (ص 410). وأشار الكاتب إلى ما أسماه بمظلوميّة السيد الخوئي بعدم وجود دراسات أو مؤتمرات علميّة حوله على الرغم من جهوده وإسهاماته الكبيرة في العلوم الحوزوية (ص 412)، و قد بدى لي طغيان الطابع الإنشائي والأسلوب الخطابي العاطفي هنا. فلم يقدّم أمثلة واضحة على ذلك، وقدّم تفسيراً سريعاً له. مع أنّ مبنى الوثوق ليس جديداً، بل له جذوره في الفكر الإمامي، وهو أقرب إلى الاتجاهات البحثية الحديثة التي لا تعوّل كثيراً على التوثيقات السنديّة. ثم إنّ هناك نقد غير قليل تعرّض له مبنى الوثاقة وأساليب التوثيق السندي، حتى أنّ ابن خلدون ذكر بأنّه أسلوب لا يتناسب مع البحث التحليلي في تاريخ العمران البشري. نعم كنت أتمنّى لو أنّ الكاتب ذكر أبرز نقاط القوّة والضعف لكليهما، وبحث في تاريخيهما، و ذكر كيف يمكن تفادي نقاط ضعفهما معاً».

 

(حبّ الله): إنّ كتابي ليس كتاباً تقويميّاً أو استدلاليّاً يهدف لتقويم جهود العلماء حتى أطالب بتقييم مدرسة السند أو مدرسة الوثوق، بل هو كتاب تاريخي توصيفي مع بعض التحليل. كما أنّني عندما أذكر تحليلي للمشهد المعاصر، فمن الطبيعي أن أتحدّث بوصفي شاهداً معاصراً، وهذا طبيعي، وليس إنشاءً أو خطابة، فكلّ الدراسات المعاصرة والتحليلات السياسية والاجتماعية تعتمد أيضاً عنصر المشاهدة المحسوسة، وإن كان الأفضل هو ذكر شواهد فهذه نقطة مقبولة.

 

18 ـ ويقول الباحث الناقد: «لم يشر إلى بعض الأعمال من قبيل العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل للعلامة عقيل وكذا إلى كتاب ثقات الرواة للإصفهاني، على الرغم من رصده وتتبّعه الواسعين».

 

(حبّ الله): إنّ الكتاب عنوانه «دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند الإماميّة»، وليس عند الشيعة كلّهم بمن فيهم الزيدية والإسماعيليّة وبعض شيعة أهل السنّة كما يعبَّر عنهم، فلا موجب للحديث عنهم في كتاب خاصّ بالمذهب الإمامي ويؤرّخ له خاصّة، فيما يبدو لي.

وفي النهاية أتقدّم بجزيل شكري وامتناني للناقد العزيز الذي أتحفنا بكلّ هذه الملاحظات القيّمة، وسوف نسعى في الطبعة اللاحقة لتفادي بعض النواقص في الكتاب إن شاء الله تعالى، فجزاه الله خيراً ومنّ علينا بدوام نقده وتوجيهه، آمين.

 

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36542759       عدد زيارات اليوم : 9928