السؤال: أحد المشايخ في منطقتنا علّق على ما نشرتموه في موضوع شهر صفر وأنّه لم يثبت كونه شهر حزن بعنوانه، واستدلّ على أنه شهر حزن بعدّة أدلّة، وهي: سيرة العلماء القريبين من عصرنا كالإمام الخوئي، ومن عاصرنا من أساتذتنا العظام كالشيخ التبريزي والشيخ الوحيد وغيرهما من المراجع المقيمين في قم أو النجف، الكاشفة عن وجود سيرة متشرّعية وصلتنا يداً بيد منذ عصر المعصوم، ولا أقلّ من كون ذلك محتملاً؛ لأنّهم لا يعملون مع هو مخالفٌ للاحتياط، مع كراهة لبس السواد في الشرع، وهذا يؤكّد وجود سيرة أو دليل لفظي. وأيضاً إنّ معالم الحزن في شهر صفر من مصاديق إحياء الأمر؛ لما في هذا الشهر من أحزان جرت على أهل البيت. وأيضاً التمسّك بإطلاق نصوص لبس السواد، فإنّها غير محدّدة بشهر محرم الحرام ولا بالعشرة الأولى، بل هي مطلقة شاملة لكافّة الأوقات والأيام حزناً على أبي عبد الله الحسين، وصفر شهر مصائبهم عليهم السلام. وأيضاً ما جاء في كتاب المحاسن من أنّ العلويّات لبسن السواد والمسوح بعد عودتهنّ من كربلاء إلى المدينة، وهذا يدلّ على جعل أيام صفر أيام حزن وأسى؛ لأنهنّ قد دخلن المدينة في أوائل شهر ربيع الأوّل، وقد اتخذن تلك الأيام التي جرت فيها المصائب أيام حزن يرتدين فيها لباس أهل المصيبة. وأيضاً المقرّر في محلّه أنّ الشعائر الحسينيّة تنقسم إلى شعائر منصوصة وشعائر مخترعة، والمخترعة تشملها العمومات الدالة على مشروعيّة كلّ شعيرة شعيرة. والقول بتوقيفية الشعائر ممنوع، كما فصّل في محلّه. وأيضاً ما جاء في المستدرك من ارتداء العلويات بل القرشيات السواد في الشام بعدما أذن لهنّ يزيد بالرجوع، وهذا دليل على لبس السواد خلال شهر صفر المظفّر، وقد أمضى الإمام زين العابدين فعلهنّ، ما يكشف عن محبوبيّة ذلك فضلاً عن مشروعيّته، ويمكن أن يستشرف ذلك من خلال رواية أحمد بن إسحاق الواردة في عيد ربيع المولود، فإنّ اتخاذ يوم التاسع منه يوم عيد يكشف عن الخروج من حالة حزنٍ وأسى ودخول في حالة فرح وسرور، ولا يبعد أن يكون ذلك لنزع السواد الذي كان متخذاً لشهري محرم وصفر، فتأمّل. بل قد تضمّنت الرواية المذكورة التصريح بأنّه يوم نزع السواد، وهذا يساعد على ما ذكرناه من ارتداء الأسود خلال هذين الشهرين حتى حلول يوم العيد. وقد يؤيّد المقام وأنّ السواد شعار كلّ مؤمن يعيش الحزن على الحسين بما فعله العباسيّون في ثورتهم باتخاذهم السواد شعاراً، مظهرين الحزن على الإمام الحسين، وهذا يكشف عن كون السواد يعدّ مظهراً من مظاهر الحزن والأسى والتفجّع يلبسه كلّ من يعيش الألم والأسى. انتهى.
شيخنا الكريم، هذه تقريباً عبارات الشيخ الذي كان يريد ـ على ما يبدو ـ أن ينتقدكم؟ فما تعليقكم؟ (أحمد).
الجواب: بعد الشكر لكم وللشيخ الناقد الموقّر حماه الله (ولو بناءً على احتمالكم كونه ناقداً لي)، لو تسمحون لي ببعض التعليقات، التي سأسير بها على وفق سيركم في ذكر ملاحظاته المشكورة، وأتمنّى أن تُقرأ تعليقاتي بهدوء، وتلاحظ عباراتها وقيودها جيداً؛ رفعاً لأيّ التباس:
أولاً: إنّ الاستدلال بسيرة بعض العلماء المعاصرين غير دقيق هنا؛ وذلك:
1 ـ إنّهم قد يكونون استندوا إلى عمومات إحياء الأمر، وليس إلى اعتقادهم بخصوصيّة صفر، أو أنّهم وجدوا سيرة الناس على ذلك فأقرّوا هذه السيرة؛ كونها توافق المصالح المذهبيّة والمقاصديّة والشعائريّة العامّة، الأمر الذي يسمح بالتغاضي عن إشكاليّة الكراهة الأوليّة في لبس السواد، ومن ثم لن تكون هذه السيرة دليلاً بنفسها ولا بكاشفٍ عن دليل مستقلّ غير ما سيأتي من أدلّة.
2 ـ إنّ الناقد الموقّر نفسه قال بأنّها ـ لا أقلّ ـ تعطي احتمال وجود سيرة متشرّعية متصلة بعصر النصّ، لكن من الواضح ـ كما درسنا جميعاً في أصول الفقه ـ أنّ احتمال السيرة المتشرّعية لا يفيد شيئاً في مقام إثبات حكمٍ شرعي، بل لابدّ للسيرة أن تكون ثابتة، ولهذا ذكر السيد محمّد باقر الصدر رحمه الله في بحوثه الأصوليّة طرقاً عدّة لإثبات السيرة المتشرعيّة في عصر النصّ، وعليه فلا يكفي احتمال السيرة، لا لإثبات حزنيّة شهر صفر بنفسه، ولا لرفع كراهة لبس السواد لو كانت الكراهة الأوليّة ثابتة فيه؛ فإنّ تخصيص العام أو تقييد المطلق لا يكون بالدليل المحتمل، كما هو واضح.
3 ـ أضف إلى ذلك أنّنا نحرز عدم وجود سيرة متصلة بزمن النبي وأهل بيته، فلم يذكر أيّ مؤرّخ ولا محدّث على الإطلاق ـ فيما بدا لنا ـ أنّ الشيعة في القرون الثلاثة الهجريّة الأولى كانت تعيش الحزن في شهر صفر كلّ عام، وأنّهم كانوا يرتدون السواد ولو في بيوتهم ويتداعون له، ولم يُشر أيّ فقيهٍ إلى هذا الموضوع إطلاقاً ليخصّص أو يقيّد به أدلّة كراهة لبس السواد، أو يفتي بموجبه باستحباب الحزن في هذا الشهر بخصوصه، بحيث تكون له ميزة على سائر الشهور، فكيف ندّعي احتمال الاتصال في السيرة، رغم خفاء كلّ هذه المؤشرات التاريخية والحديثية والفقهيّة عبر مدّة تزيد عن ثلاثة عشر قرناً تقريباً؟! وهل يعقل معروفيّة عنوان الحزن لهذا الشهر (صفر) ـ لأنّ السيرة تقتضي العموم والاشتهار عادةً حتى تكون سيرة ـ ومع ذلك لا تشير إليها أيّة وثيقة تراثيّة أو تاريخيّة؟!
4 ـ وأمّا أنّ العلماء المعاصرين لا يعملون بما هو مخالفٌ للاحتياط، فنسأل: هل مخالفة المكروه (لبس السواد) تعدّ مخالفة سيّئة للاحتياط؟ ثم ـ لو سلّمنا ـ فلعلّهم يرون دليل إحياء الأمر حاكماً على دليل الكراهة، فيرتفع بذلك الإشكال عندهم، وسيأتي التعليق على الاستدلال بدليل إحياء الأمر. وأين هذا من خلق فتواهم أو مواقفهم لسيرة متشرّعية تتصل بعصر يرجع إلى أكثر من ألف سنة قبلهم؟!
ثانياً: إنّ الاستدلال بدليل إحياء الأمر، وكذلك الاستدلال بعمومات الشعائر ـ بعد القول بعدم التوقيفيّة في الشعائر ـ هو استدلالٌ لطيف، ونصرف النظر عن المناقشة في أصله، فإنّه خلاف مبنائي، لكن لو تمّ الاستدلالان المشار إليهما (دليل إحياء الأمر ودليل عمومات الشعائر) فماذا يفيدان؟ إنّهما يفيدان الاستحباب العام لإبداء الحزن على الحسين عليه السلام، لكن هل بحثي كان في مطلق إبداء الحزن على الإمام الحسين في شهر صفر، أو في كون شهر صفر بعنوانه شهر حزن في الشرع الحنيف؟ وقد درسنا بأجمعنا عند أساتذة الحوزة العلميّة أنّ هناك فرقاً بين استحباب الشيء بعنوان عام، واستحبابه بعنوانه الخاص، وتكلّمتُ سابقاً عن هذا الموضوع في جوابٍ آخر، فمثلاً العمومات تشير بعموميتها إلى استحباب إحياء الأمر في شهر رمضان أيضاً، لكن هل هذا يثبت أنّ شهر رمضان ـ بما هو شهر رمضان ـ هو شهر حزن حسيني، أو هو مجرّد مصداق للعنوان العام، بلا فرق بينه وبين سائر الشهور من حيث نسبتها إلى الدليل العامّ الآمر بإحياء الأمر؟
لقد قلتُ في جوابي السابق حول شهر صفر ما يلي: (.. لا نملك نصوصاً تتحدّث عن شهر صفر، ولا أعرف مستنداً يدلّ على أنّ الشيعة كانوا قبل العصر الصفوي يعرفون شهر صفر بوصفه شهر بكاء وحزن، مثله مثل العشرة الأولى من محرّم، كما ليس لدينا في الأحاديث الصحيحة ما يفيد ذلك، سوى قضيّة زيارة الأربعين في صفر، والتي لم تثبت بدليل خاصّ، كما بينتُ ذلك في جواب عن سؤال سابق، وإنّما هي ثابتة بدليل عام، والدليل العام لا فرق فيه بين صفر وغيره. من هنا وفي حدود تتبّعي المتواضع لم أعثر على نصوص أو أحاديث أو معلومات تاريخية ثابتة تؤكّد اعتبار صفر بنفسه شهرَ حزن)، إنّ هذا النصّ واضح في أنّه يتحدث عن اعتبار شهر صفر (بنفسه) شهر حزن، لا عن إمكانية تطبيق العمومات عليه، بما لا يميّزه عن سائر الشهور التي يمكن تطبيق هذه العمومات عليها أيضاً.
ثالثاً: أما الحديث عن التمسّك بإطلاق نصوص لبس السواد، من حيث عدم كونها خاصّة بشهر محرّم، فهذا يمكن أن يناقش:
أ ـ هل توجد نصوص خاصّة أصلاً في (الحثّ) على لبس السواد في العزاء ثابتة ومعتبرة (على مبنى حجية خبر الثقة أو على مبنى الوثوق) ولها إطلاق، حتى نتمسّك بها؟ (طبعاً غير مبدأ إحياء الأمر وعمومات إقامة الشعائر، التي تحدّثنا عنها قبل قليل)؟ حبّذا لو يرشدنا إليها الناقد العزيز، مع أنّ الإطلاق الأوّلي للنصوص العامّة في لبس السواد يفيد كراهيته وليس الدعوة إليه، ولهذا بحثوا في كيفيّة إخراج حالة العزاء الحسيني عن تحت إطلاق أو عموم كراهة لبس السواد، فلتراجع كلماتهم. ولعلّني فهمت مراد الناقد الموقّر خطأ. واللافت أنّه هو نفسه قد أقرّ بأنّ لبس السواد مكروهٌ في أصل الشرع، وذلك عند مقاربته للدليل الأوّل الذي ذكره، وهو سيرة العلماء المعاصرين، فراجع.
ب ـ إنّ ما هو موجود بين أيدينا من نصوص لبس السواد في حال العزاء (وقد جمع أكثره الشيخ محمّد سند، في كتاب: الشعائر الحسينية بين الأصالة والتجديد: 383 ـ 390). إنّ ما هو موجود بين أيدينا من نصوص لبس السواد في حال العزاء أغلبه يحكي عن أفعال، وليس عن نصوص لفظيّة لها حيثيّات إطلاقيّة، ولو كان هناك خبر معتبر فيه هذا الإطلاق فمن النافع إرشادنا إليه لنستفيد إن شاء الله، وإذا كانت النصوص تحكي عن أفعال، فهذا معناه أنّ الإمضاء لا يُعلم أنّه راجع لكون لبس السواد بعنوانه ثابت الاستحباب، بل قد يكون لكونه مصداقاً للعمومات، فليست نصوص لبس السواد ذات دلالة أزيد من دلالة العمومات حينئذِ فتأمّل جيداً.
ج ـ إنّه ما دامت كثير من روايات لبس السواد في العزاء عبارة عن أفعال تمّ السكوت عنها، فإنّ غاية ما يفيد ذلك هو سقوط كراهة لبس السواد في العزاء، وثبوت إباحته بالمعنى الأخص، أمّا إثبات استحبابه فهذا لا تفي به الكثير من نصوص لبس السواد في العزاء، فراجع، فعندما تلبس بعض النسوة السواد على شهيدٍ معيّن، ويكون ذلك بمرأى النبي أو الإمام، ثم يسكت، وينطلقن في هذا الأمر من الأعراف العامّة الجارية عند كثير من الشعوب ـ كما قال الناقد العزيز هنا أيضاً ـ ففي هذه الحال، لا يكون السكوت دليلاً على استحباب لبس السواد في العزاء بعنوانه، ما لم تقم قرينة خاصّة، بل دليلٌ على سقوط كراهة اللبس على أبعد تقدير، ومن ثم فالاستحباب يحتاج إلى عمومات إحياء الأمر وغيرها، ولهذا لو تغيّرت الأعراف وصار لبس السواد عنواناً للفرح، ولبس اللون الأزرق هو المتعارف في الحزن والعزاء، فإنّ مقتضى عمومات العزاء وإحياء الأمر هو لبس الأزرق؛ لكونه مصداقاً لها، لا لبس الأسود الذي صار عنواناً للفرح عرفاً، وما ذلك إلا لأنّ استحباب لبس السواد ليس بعنوانه، وإنما لكونه مصداقاً لعمومات إحياء الأمر والعزاء، فلاحظ جيداً.
د ـ إنّ إطلاق لبس السواد في العزاء ـ لو تمّ ـ لا يفيد في كون شهر صفر بعنوانه شهر حزن بالاعتبار الشرعي؛ لأنّ نسبة هذا الإطلاق إلى جميع الشهور واحدة، فلاحظ جيّداً كما أشرنا من قبل، فنحن لا نتكلّم في مطلق العزاء في شهر صفر، بل في كون هذا الشهر يملك خصوصية دينيّة في هذا الموضوع، بحيث يعتبر بنفسه وعنوانه شهر حزن في الدين الحنيف.
رابعاً: أمّا الاستدلال بلبس العلويّات في الشام، وفي طريق العودة، وعند الدخول إلى المدينة، السوادَ بمرأى ومسمع من الإمام زين العابدين، فهذا لا يُثبت عنوانيّة شهر صفر للحزن شرعاً، بل هو لا يُثبت شيئاً يُذكر، وذلك أنّ سكوت الإمام غاية ما يفيد رضاه عن حزنهنّ الذي جاء بعد الشهادة المباركة، ولا يكشف عن استحباب تكرار هذا الحزن في كلّ سنة في نفس الوقت، وإنّما الدليل على التكرار في محرّم هو النصوص الخاصّة الدالّة عليه، وهذا ما نعرفه من خلال التأمّل فيما درسناه في أصول الفقه في مباحث حجيّة الفعل أو الإمضاء، فإنّ الفعل والإمضاء يحدّدان بحدودهما، وليس فيهما إطلاق إلا بقرينة، فلو كنتَ مع الإمام وتوفّي صديق لك، ثم بكيت عليه، وسكت الإمام عن بكائك، بل امتدح بكاءك، وكان ذلك في شهر جمادى الأولى، فهل هذا يدلّ على أنّ الإمام يعطيك حكماً باستحباب البكاء على هذا الصديق في كلّ سنة في هذا الوقت من جمادى الأولى أو غاية ما يدلّ عليه هو حُسن البكاء على الصديق عقيب موته، بصرف النظر عن خصوصيّة الزمان التي لا تلحظ هنا عادةً؟
ولكي أوضح مرادي أكثر: هل نستطيع من خلال استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في شهر محرّم مثلاً أن نفتي ونقول: يستحب الاستشهاد في شهر محرّم؟ أو أن نقول: إنّ شهر محرّم مجعول شرعاً شهر استشهاد للمسلمين؟ هل يستنتج الفقهاء مثل هذه النتائج؟ إنّ ما حصل هو أنّه صادف أنّ عودتهنّ كانت في شهر صفر، ومن ثم لا نستطيع أن نجعل سكوت الإمام دليلاً على خصوصيّة صفر هنا ما لم تقم قرينة خاصّة في المقام. ولعلّ الناقد الموقّر ظنّ أنّنا نرى حرمة السواد أو العزاء في شهر صفر، حتى يأتينا بأدلّة على وقوعه في هذا الشهر بمرأى من الإمام زين العابدين! مع ضرورة أن أشير أيضاً إلى أنّ بحثي في شهر صفر لا علاقة له بأصل استحباب أو عدم استحباب لبس السواد في العزاء من حيث المبدأ، فهذان موضوعان مختلفان تماماً، وأرجو التدقيق؛ لعدم الخلط بينهما.
خامساً: أمّا رواية أحمد بن إسحاق فـ:
أ ـ بصرف النظر عن المناقشة في سندها ومدى صحّتها صدوراً ومضموناً ومتناً، وفيها كلام ليس بالقليل، وهي من أهم مستندات ما يُعرف بـ (عيد فرحة الزهراء)، وهي رواية غير معتبرة على المستوى الصدوري، لا على مستوى حجية خبر الثقة ولا الخبر الموثوق.
ب ـ لكن هل مجرّد اعتبار هذا اليوم عيداً معناه أنّ ما قبله كان حزناً بعنوانه أو حتى مطلقاً؟ فيوم الجمعة من الأعياد الثابتة في الشريعة، فهل هذا يعني أنّ يوم الخميس هو يوم حزنٍ في الشرع أو أنّ يوم الأربعاء هو يوم حزن؟ وعيد الغدير هو عيدٌ ثابت في النصوص الحديثيّة، بل قد وردت فيه رواية تفيد نزع السواد أيضاً، فهل هذا يعني أنّ ما بين عيد الغدير وعيد الأضحى هو أسبوع حزن بالاعتبار الشرعي الخاصّ؟! كيف يمكن الانتقال من أصل كونه عيداً إلى إثبات كون ما قبله هو شهر حزن بالاعتبار الشرعي الخاصّ والعام؟
ج ـ وأمّا التعبير في الرواية بـ (يوم نزع السواد)، فهذا ـ لو صرفنا النظر عن احتمال أنّه يراد به أنّ عصر فرح الشيعة وانتصارهم بظهور الحجّة سيكون في آخر الزمان في هذا اليوم، فتنزع كلّ مظاهر الحزن من حياتهم بالأخذ بالثأر ممّن قتل الحسين وظلم أهل البيت عليهم السلام ـ هذا التعبير لا يدلّ على كون ما قبله من شهر صفر ومحرّم أيام لبس السواد؛ لأنّ هذا التعبير في لغة العرب لا يعني أكثر من كون التاسع من ربيع يوم فرح، ففي هذا اليوم لا يوجد حزن، فكلّ من لديه حزن ففي هذا اليوم ينزع الحزن عن نفسه، وكأنّه يقول: انزعوا في هذا اليوم كلّ مظاهر الحزن التي قد تكون عندكم، وأعلنوه يوم فرحةٍ وعيد، وإذا لم يصحّ تفسيري لهذه الكلمة وفقاً للفهم الأدبي العربي الذي أزعمه، والذي ينطلق من فهم جنسيّة الألف واللام في كلمة (السواد) وليس العهديّة، فلا أقلّ من كونه محتملاً جداً، فيسقط ظهور الحديث فيما ذكره الناقد الموقّر وتصبح دلالته إشعاراً، والإشعار في الدلالة ليس بحجّة لوحده كما درسنا في أصول الفقه.
د ـ بل لو سلّمنا بدلالة هذه الرواية على سبق لبس السواد على يوم التاسع من ربيع الأوّل، فهل يدلّ ذلك بالضرورة على أنّ لبس السواد يسبق هذا اليوم إلى بداية صفر؟ هل الرواية تشير إلى هذا التحديد الزمني؟ إنّ غاية ما تدلّ عليه هو كون ما قبله أيّام حزن، ولكنّه لا يحدّد المدى الزمنيّ للحزن الذي قبله، فقد يكون من بداية ربيع الأوّل وحتى التاسع من ربيع هي أيّام حزن في الشرع، فكيف نتأكّد من أنّ هذا الحديث يدلّ بنفسه على كون شهر صفر بعنوانه شهر حزن؟! إنّ السبب الذي دفعنا لتصوّر إشارة الحديث إلى شهر صفر ومحرّم معاً هو اعتيادنا اليوم على كون الحزن يرتفع في نهاية صفر، لكنّ الحديث بنفسه لا يفيد هذا، بل غاية ما يثبته وجود حزن قبل التاسع من ربيع، فنأخذ بالقدر المتيقّن من تحقيق عنوان الحزن قبله ليرتفع فيه، وأين هذا من اعتبار شهر صفر كلّه شهر حزن وبكاء؟ أرجو التدقيق جيداً.
هذا، إن لم نقل بأنّ حياة الشيعي كلّها هي حياة سواد وحزن إلا ما خرج بالدليل، وهو احتمال يتساوى فيه صفر وغيره، وكنت قد ذكرته في جوابي السابق حول شهر صفر فليراجع.
سادساً: وأمّا أنّ السواد هو شعار الحزن وأنّه شعار الحزن عند العباسيّين، فهذا لا شأن لنا به، فنحن ليس كلامنا في لبس السواد، بل في اعتبار شهر صفر بعنوانه شهر حزن، بصرف النظر عن كيفيّة التعبير عن هذا الحزن، فقد تمّ الخلط بين موضوعين في هذا السياق، فليتنبّه جيداً.
وأشير أخيراً، إلى أنّنا عندما نقول بأنّ شهر صفر لم يثبت أنّه شهر حزن بعنوانه في الشرع الحنيف، لا نكون بذلك داعين للفرح والسرور في هذا الشهر أو محاربين لمن يريد أن يحزن، كلّ ما نريد قوله هو أنّ هذا الشهر مثله مثل سائر الشهور في السنة، فمن شاء أن يحزن فيه إحياءً للأمر واستجابةً للعمومات، فعليه من الله البركة إن شاء الله، ومن شاء أن لا يحزن فيه بما لا يؤدّي إلى هتك حرمة القضيّة الحسينيّة، فهذا حقّه الطبيعي وقناعته المشروعة، أسأل الله لي ولكم التوفيق والبصيرة.
ما الذي ورّط هذا الناقد ؟ !!!!!!!
احسنت شيخنا
دمتم بخير وود
هذه النقاشات العلمية والنقود الفكرية تثري حصيلة الجميع
لكن عتابنا ان كثير من اسئلتنا الشخصية لم يتم الرد عليها
واعلم ان ذلك لانشغالاتكم الكثيرة وما يستدعيه الرد من اشغال الفكر بالبحث والتنقيب وترتيب الافكار والجمل
لكم منا التحايا
نشكر الشيخ على هذه المناقشات .
ونرجوا منه ان لايحرمنا ويتصدق علينا بعلمه ونحن محتاجون الى شخصية فكرية تضع الامور على طاولة النقاش الهادئ والموضوعي كما في ابحاثه واطروحاته .
وفقك الله لكل خير يا شيخ حيدر