السؤال: من جملة ما يقوله بعض العلماء المعاصرين المعتدلين من أهل السنّة ـ وهو الشيخ الدكتور (…) ـ في رسالة وجّهها إلى (عقلاء الشيعة) ما نصّه: (بالرغم من حساسية هذا الموضوع لدى بعضكم لكن ليس في الحقّ غموض ولا طلاسم، فالله تعالى أرسل الرسل وأنزل معهم الكتاب ليبيّنوا للناس كلّ شيء: حدّثونا عن سرّ حكاية السرداب، وسامراء؟ هل هو وحي من الله وعلى من نزل وأيّ ملك جاء به؟ فالذي نجزم به ونتعبّد الله به أنّ الوحي قد انقطع بوفاة محمّد صلى الله عليه وسلم! ثم قولوا بربّكم: ألا تستطيع كلّ فرقة أن تزعم كما تزعمون وتنتظر مهديها كما تنتظرون؟ أسألكم بالله لو قدّر الله بأنّ الإمام الحسن العسكري لم يكن عقيماً وأنجب ولداً ألا تستمرّ الإمامة عندكم لتصل إلى الخمسين والستين بدل الاثني عشر؟ وهل يخفى على الله حال العسكري أن جعل الإمامة في سلسلة ستنقطع عنده لو كان الأمر ربّانياً كما تزعمون؟ وعلى افتراض صحّة الواقعة، حدّثونا عن مجريات الأمور هناك كيف حدثت؟ هل يليق عقلاً أن يولد الجنين ويصبح قادراً على الدخول في السرداب بسرعة دون أن يعلم عنه الناس؟ وهل هو زحف من لحظة ولادته للسرداب أم أنه أتمّ عامي الرضاعة أم بلغ رشده ثم دلف إليه!! إنّها أشبه ما تكون بالرؤيا (أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون)؟ إنّكم تعتقدون شيئاً لا يوافقكم عليه تسعون بالمائة من العالم الإسلامي!! وهل يتخيّل عاقل سهولة تصديق مثل هذه الأخبار ذات الطبيعة الخارقة للمألوف؟ ألا ترون أنّ خبر عظيم كخبر كلام عيسى عليه السلام في المهد صدّقناه فقط لما قاله الله القادر على كلّ شيء، ونزل به الأمين جبريل على محمّد الصادق فبلغه للناس، ليؤمن بعضهم بذلك ويكفر البعض الآخر، فكيف بتصديق خبركم الغريب والذي لا يخفى عليكم طبيعته حدثاً وسنداً وروايةً وغموضاً؟!) ما تعليقكم شيخنا الفاضل؟ (جمال، السعودية).
الجواب: كم هي جميلة اللغة الحواريّة الهادئة، وكم هو جميل أن تسود لغةٌ أقلّ عنفاً ممّا هو السائد، وكم هي خطوة طيبة من عالم ينتمي لمذهب معين في التوجّه بأسئلة لعلماء المذاهب الأخرى دون تكفير أو تفسيق، لكن ـ مع ذلك ـ ثمّة وقفات متواضعة مع هذا النصّ، وسوف أقفها من موقع أنّني أواجه عالماً متديّناً سنيّاً يطرح نفسه من موقع الاعتدال، كما سأعلّق بعيداً عن المهاترات المذهبيّة التي لا أؤمن بها من الأساس، وإنّما من موقع الحرص على سلامة المناهج البحثية التي نريد من خلالها دراسة الجدل الكلامي في العالم الإسلامي اليوم، وسأحدّد مركز مناقشتي في النصّ أعلاه، أمّا سائر الموضوعات المتعلّقة بالإمامة والمهدويّة، فلن أتعرّض لها هنا:
1 ـ ابتدأ فضيلة الدكتور الفاضل في النصّ أعلاه بنفي الغموض عن الحقّ، وهذا الكلام غير دقيق على إطلاقه، فالحقّ ليس جليّاً دوماً، بل في بعض الأحيان تلتبس الأمور بسبب الملابسات التاريخيّة والعقليّة، أو بسبب فتن وأهواء الذين سبقونا. ولو كان الحقّ جليّاً وبعيداً عن أيّ غموض دائماً فلماذا كلّ هذا الاختلاف الهائل بين المسلمين، وبين أهل السنّة أنفسهم، في آلاف القضايا الكلاميّة والأصوليّة والفقهيّة والتاريخيّة والحديثيّة والرجاليّة والتفسيرية وغيرها؟! أفهل يرجع كلّه إلى الأهواء (حتى من قبل اللاحقين) ولولاها لانجلت الصورة كاملةً؟! فكلمة (الحقّ واضح دوماً) من الكلمات الأيديولوجيّة الموهمة، بل الحقّ قد يلبس لباساً موهماً ويختلط به الباطل، فقد يكون واضحاً وقد يقع الإنسان في موقع عدم رؤية الحقّ، فإنّ الشمس قد لا تُرى عندما يكون الإنسان في سجنٍ تحت الأرض رغم وضوحها، لهذا أختلف مع الدكتور الفاضل في هذه النقطة المفتاحيّة التي تمّ تصدير الكلام بها؛ لأنها مهمّة جدّاً، فمن يدخل الإسلام اليوم لن يرى بسهولة وضوح الحقّ وسط كلّ هذه الاختلافات بين المذاهب، بل سيرى وضوح بعض الأمور، لكن من الطبيعي أن تكون بعض الأمور الأخرى بحاجة لمزيد بحثٍ وتفتيش وتأمّل، والمشكلة أنّنا نقيس مطلق الأمور الدينية على الأمور الفطريّة الجليّة الواضحة كوجود الله سبحانه، فنتصوّر أنّ كلّ أمرٍ ديني هو واضح جليّ؛ لأنّ المسألة الإلهيّة واضحة، ولأنّ القرآن تعامل بوضوح مع أمّهات القضايا الإلهيّة. وإذا كان بإمكان العالم المسلم ادّعاء بداهة إعجاز القرآن؛ لأنّ الأمر واضح عنده بعد النظر والبحث، فإنّ العالم الشيعي يمكنه أيضاً وبنفس المنهجيّة الأيديولوجيّة أن يدّعي الوضوح في مقولاته الكلاميّة، مقابل كلّ موجات التشكيك، وهذا يعني أنّ هذا المدخل من الأساس خطأ، وينبغي أن نستبعد مثل هذه المقولات (وضوح الحقّ، يمكن البرهنة عليه وحسم أمره بثلاث دقائق، وإلا فهو ليس بحقّ لو احتاج إلى مقدّمات)، ونفتح أيّ موضوع كلامي ـ مهما كان واضحاً عند فلان أو آخر ـ على أنّه موضوعٌ بحثي يحتاج لوضعه على الطاولة بغية دراسته بدقّة وفق المعطيات المتوفّرة فيه، وهذا لا يقف عند حدود الدين، بل يشمل مختلف مساحات المعرفة الإنسانيّة، والتي فيها ما هو واضح وما هو بحاجة لتجلية بما لا يرجع غموضه إلى تقصير الساحة الإلهيّة المقدّسة.
2 ـ لم يرسل الله الرسل ليبيّنوا للناس كلّ شيء، بل أرسلهم ليبيّنوا للناس الدينَ والقيم وأصول العلاقة مع الله سبحانه، وحتى لو سلّمنا ذلك ـ وليس الآن مجال بحثنا ـ فالقول بأنّ الله أرسل الأنبياء لتبيين كلّ شيء غير القول بأنّه أودع في كتبه كلَّ شيء، فواقع اشتمال القرآن على كلّ شيء غير كون القرآن يبيّن كلّ شيء؛ لأنّ البيان عبارة عن وجود الشيء في النصّ بطريقة خاصّة تجعله مبرزاً حاكياً عن نفسه، ولهذا احتجنا إلى السنّة الشريفة، إمّا لأنّ القرآن لم يذكر كلّ شيء، بل أوكل بعض الأمور للسنّة، أو لأنّه ذكر كلَّ شيء لكنّ بعض الأمور غير مبيّنة فيه بالنسبة لعموم الناس وتحتاج لروح نبويّة كي تنتبه إلى وجوده في النصّ القرآني، وبهذا نتعرّف على وجود هذه الأمور ـ غير البيّنة للوهلة الأولى ـ من خلال السنّة المطهّرة. وحتى لو تجاوزنا هذه الإشكاليّة فنحن أيضاً اليوم بعد تراكم التفسيرات على النصوص الدينية صرنا بحاجة لجهود كبيرة للوصول إلى البيان القرآني، وإلى حفرٍ مضنٍ لبلوغ الرسالة القرآنية بعد تجاوز كلّ هذا الركام الكبير من التفسيرات عبر التاريخ، وكلّنا يعرف أنّ اللغة بالنسبة إلينا اليوم ليست أمراً بسيطاً، بل هي بنفسها صارت عقدةً متشابكة، بحيث إنّ الوصول إلى المعاني اللغوية يبدو صعباً في بعض الأحيان على الأقلّ، وتجربة المفسّرين والفقهاء وغيرهم تشهد على ذلك، ما أريده هو أن لا نغلق باب المعرفة الدينية والقرآنيّة، وفي الوقت عينه لا نبسّط هذه المعرفة إلى حدّ مبالغ به، بحيث نجعل كلّ الأمور وكأنّها بديهيّة وإلا فهي باطلة.
3 ـ لو صحّت قصّة السرداب ـ ولستُ بصدد الحديث عنها الآن، فبعض علماء الشيعة لهم وقفة معها ـ فلا حاجة لتكون وحياً، بل هي حدثٌ تاريخي يمكن أن ينقله شخص ما، هذا عن أصل دخوله في السرداب فضلاً عن وجوده هناك، وأمّا أنّه مختفٍ فهذا ما تقول الشيعة بأنّها تأخذه من كتاب الله وسنّة نبيّه، فالشيعة يقولون بأنّ الله بيّن لنا في الكتاب والسنّة النبويّة أنّ أهل البيت هم اثنا عشر شخصاً، وبيّنت سنّة أهل البيت ـ التي ثبتت حجيّتها بالكتاب والسنّة عندهم وأنّها الناطق بعلم رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ أنّ هذا الشخص هو ابن الإمام العسكري الذي سيختفي يوماً ما، فمن الناحية المنهجية لا يوجد خلل علمي في النظريّة حتى هذه اللحظة، وإذا أردنا أن نناقشها فلا يصحّ أن نقول: هل اُنزل بها وحي؟ فإنّ الشيعة حيث تؤمن بالإمامة تعتقد بأنّها ترجع للكتاب والسنّة، وبأنّ سنّة أهل البيت هي جزء من سنّة الرسالة، ولهذا أخذوا بسنّة أهل البيت التي أخبرتهم عن الغيبة، فتكون الغيبة في نهاية المطاف عندهم مخبَرَاً عنها بالوحي الذي نزل على رسول الله، وأعلمه الرسول لأهل البيت، تماماً كما أعلم الرسول الصحابة الكثيرَ ممّا نزل عليه من الوحي، وأخبرونا بذلك وفق ما نقلت لنا كتب الحديث والتاريخ، فأيّ ضير في ذلك؟ ولو لم تكن هذه الأحاديث موجودة في كتب السنّة فإنّ الشيعة تعتقد بأنّ كتب الحديث السنيّة ليست تشتمل على كلّ الحديث النبوي مع احترامنا لها، بل هم يعتقدون بأنّ بعض الحديث النبوي تمّ إخفاؤه من قبل السلطات لمصالح ومن قبل التيارات والجماعات السياسية والمذهبيّة، وأنّ هذا البعض قد وصلنا عبر أهل البيت من طرق الإماميّة. إذاً فطريقة المداخلة مع الموضوع من منطلق التساؤل عن وحيّية قضيّة السرداب غير صحيحة من وجهة نظري المتواضعة، بل لو أردنا مناقشة الشيعة في هذا الموضوع لكان من المناسب أن نناقشهم في الإمامة، وفي حجية سنّة أهل البيت، وفي قيمة الحديث الشريف الموجود في كتب الإماميّة، لا في أمرٍ مترتّب على هذه الأمور مباشرةً، وإلا فهل نقبل بأن يقول لنا مسيحيّ: أهل نزل وحيٌ بعدالة الصحابة؟ وأين هو؟! هل يصحّ استنكاره أم لا؟ إنّه لن يصحّ على أصولنا الدينية، وستكون مداخلته هنا غريبة عن سياقنا الفكري، بل الصحيح أن يناقشنا في أصل إعجاز القرآن وفي أصل نبوّة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، لا أن يناقشنا مباشرةً في تفريعٍ مبنيّ على نبوة محمّد نفسها وهو عدالة الصحابة، علماً أنّ الشيعة حتى لو رأت انقطاع الوحي بنبوّة محمّد، فإنّها ترى أنّ الرسول قد نبّأ عن هذه الغيبة، فلو أردنا مناقشتهم لكان ينبغي أن نناقشهم في الأحاديث التي يزعمونها عن الرسول في ذلك، ولو بواسطة أهل البيت، ولعلّ هذا هو المنهج الأصحّ في الحوار العلمي الهادف بين المذاهب.
4 ـ إنّ كل فرقة تستطيع أن تدّعي مهديّاً؟ لكن هل هذا إشكال على المهدويّة؟ إنّ أكثر المناقشات إثارةً بالنسبة لي هي تلك المناقشات التي يسجّلها الشيعة على السنّة وهم مبتلون بها، أو يسجّلها السنّة على الشيعة وهم مبتلون بها أيضاً، وإنّني هنا أسأل: ألا يصحّ لشخصٍ لا يؤمن بالنبوّات أن يقول: إنّ فكرة النبوّة يمكن لكلّ أمّة أن تدّعيها ولن ننتهي من هذا الموضوع إذاً؟ ألا يحقّ له أن يقول: إنّ كلّ إنسان يمكن أن يتخذ لنفسه فقيهاً يرجع إليه في أمور دينه؟ ألا يحقّ لمن لا يؤمن بالوحي أن يقول: إنّ كل إنسان أو كلّ مجموعة يمكنها أن تدّعي الوحي أنّه نزل على واحدٍ منهم؟ أو يقول: إذا كان الحديث الشريف حجّة فكلّ مجموعة تدّعي أحاديث تنسبها للنبي وتعتبرها حجّة إذاً فأغلقوا حجيّة الحديث النبوي! فهل هذا النمط من الإشكال صحيح أم أنّنا لا نقبله؟ هب أنّ قضيّةً دينية يجري استغلالها سلبيّاً لكن أليست أغلب القضايا الدينية تستغلّ سلبيّاً من قبل المنتفعين والحكّام والوعّاظ والفاسقين والمدّعين والمنافقين والوصوليين والانتهازيين وغيرهم؟ فهل هذه حجّة لرمي الدين جانباً والقول بأنّه يمكن أن يُستغل سلبيّاً فيدّعي كلّ شخص هذه المقولات؟ ليس إمكانيّة ادّعاء كلّ جماعة لنفسها مهديّاً موجبٌ لبطلان فكرة المهدويّة، وإلا صار أصل الدين باطلاً لأنّ كلّ مجموعة تدّعي ديناً لنفسها، بل الصحيح أن نطالب الشيعة وغيرهم بدليلهم على فكرتهم ونحاكم الأدلّة بطريقة علميّة، وإلا فهذا النوع من الإشكالات يطال السنّة والشيعة والمسلمين والمسيحيين وغيرهم، كما تعلمون ذلك أكثر منّي سيدي الكريم.
5 ـ إنّ الحديث عن أنّه لو قدّر أن يكون الحسن العسكري عقيماً لبلغ الأئمّة العشرات، غير دقيق؛ لأنّه كفرض التناقض من وجهة نظر إنسان شيعي، وليس بهذه الطريقة يمكن الدخول في حوار منتج مع عقلاء الشيعة من وجهة نظري المتواضعة، فماذا لو كان عبد الله بن عبد المطلب عقيماً، هل كانت شجرة النبوّة ستستمر إلى ملايين الأنبياء الآخرين ولن يكون النبيّ الخاتم؟ هل يصحّ للآخرين أن يقولوا: ماذا لو كان الخطّاب عقيماً، لكان الخلفاء الراشدون ثلاثة وليسوا أربعة؟ فهل هذا إشكال على أهل السنّة في نظرية الخلافة مثلاً؟! إنّ الشيعة يقولون بأنّ الله قدّر أن يكون هناك اثنا عشر إماماً وفّرت لهم ظروف أن يأتوا إلى الدنيا، كما قدّر أن يكون هناك عشرات آلاف الأنبياء الذين وفّرت لهم القدرة والعناية الإلهية ظروف أن يأتوا إلى الدنيا ليقوموا بمهمّاتهم الكبرى في هداية الناس، فالتنصيب الإلهي لاثني عشر إماماً جاءت إلى جانبه عمليّة التقدير التكويني لمجيئهم إلى الحياة، تماماً كما هو التقدير الطبيعي لجعل النبوات، وهذا شيء طبيعي، والخطأ الأكبر هو تصوير الأمور من منظور ذاتي، بدل محاولة فهمها من منظور وأفق تفكير صاحبها. وكما سألنا: هل يخفى على الله حال العسكري لتنقطع الإمامة عنده، يمكن أن نسأل: هل يخفى على الله حال محمّد ووالده عبد الله، لتنقطع حال النبوّة عند محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ إنّني لا أفضّل أن ندخل في حوارات مذهبية تقوم على هذه الأسس التي قد لا توصل إلى نتيجة مضمونة.
6 ـ أمّا ما تفضّل به فضيلة الدكتور رعاه الله من قوله: (وعلى افتراض صحّة الواقعة، حدّثونا عن مجريات الأمور هناك كيف حدثت؟ هل يليق عقلاً أن يولد الجنين ويصبح قادراً على الدخول في السرداب بسرعة دون أن يعلم عنه الناس؟ وهل هو زحف من لحظة ولادته للسرداب أم أنه أتمّ عامي الرضاعة أم بلغ رشده ثم دلف إليه!! إنّها أشبه ما تكون بالرؤيا (أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون)؟).
هذا الكلام قد يصدر من إنسان لا يؤمن بالدين أساساً، لأنّه يرى في القصص الدينية أساطير، لكن لا يمكن أن أتوقّع صدوره من رجل فاضل متديّن بالإسلام، وذلك أنّه لو كان هذا إشكالاً على الشيعة لما بقي حجرٌ على حجر في الدين والقرآن الكريم، فمن قال بأنّه لم يعلم به أحد؟! كلّ ما تقوله الشيعة هو أنّ الذين رأوه هم مجموعة محدّدة كانت حاضرة، وأنّ خبر مجيئه وأنّه الابن المباشر للحسن العسكري معلوم عند الشيعة مسبقاً بنصوص أئمّتهم السابقين، حتى لو رأت مجموعة محدّدة فقط، وأيّ ضير في ذلك؟ هل لي الحقّ مثلاً أن أسال الأسئلة نفسها عن السيّد المسيح عليه السلام، فأقول: هل يليق عقلاً أن يولد شخص ثم يتكلّم في المهد ولا يسمعه إلا أهل قرية صغيرة، دون كلّ البشر، ثم يأتينا القرآن ليدّعي أنّ هذا الشخص نبيّ؟ كيف لي أن أعرف بحصول هذا؟ هل يعقل أن تولد مريم من ملاك من الملائكة ينفخ فيها من روحه دون أن يطّلع على ذلك أحد من الخلق ليأتينا القرآن ويخبرنا عن ذلك؟ فكيف نصدّق هذا القرآن (عقلاً)؟ أليست قصص الناقة، وعصا موسى ويده، وكلام عيسى وإحياؤه، ونار إبراهيم وطيوره التي وضعها على الجبال، أليست قصص الجنّة والنار وهذه الصور حولهما.. أليست هذه رؤيا؟ هل يحقّ للناس أن تقول: (أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون)؟ هل هذه أقلّ من حادثة المهدي عند الشيعة؟ كلا، كلّ ما في الأمر أنّ هذه أنا مؤمن بها ولهذا لا أشعر بغرابتها، أمّا مهديّ الشيعة فلأنني غير مؤمن به فإنّني أشعر بغرابته.. إذاً فعلينا أن لا نلوم الملحد وغير المؤمن بالدين عندما يستغرب كلامنا ويراه خلاف (العقل)، فهل هذه الطريقة في المقاربة صحيحة؟ أليس من الأفضل بدل هذا كلّه أن نسأل الشيعة عن دليلهم التاريخي على هذا الأمر، ثم نناقش في الأدلّة، لا أن نفترض سخافة الموضوع لغرابته، ثم نجعل هذه الغرابة أساساً مسبقاً في الحكم على الموضوع؟ ألم يكن هذا المنهج هو الأفضل من إنسان يؤمن سلفاً بالمناخ الديني العاجّ بالمعاجز والكرامات وفق إخبارات القرآن والسنّة؟ أليس في الحديث الشريف عشرات القصص الإعجازية ذات الغرابة في حقّ الصحابة وأهل البيت وغيرهم، فضلاً عن الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فهل نردّ هذا بحجّة أنّه غريب ومستهجن؟ وهل الاستهجان والغرابة أساسان علميّان سليمان ومنطقيان وحاسمان للحكم أم أنّ غاية ما فيهما أنّهما يتطلّبان منّا التريّث في الحكم؛ لأنّ غرابة الشيء تجعله غير عادي بحسب المأنوس، ممّا يستدعي التريّث في الحكم عليه وجمع المعطيات بشكل أكبر وأوفر؟ ولو أردت سرد ما في كتب الحديث من غرائب تشبه قصّة المهدي في الغرابة لطال المقام، بل أخبار الملاحم والفتن ليست بالقليلة في مصادر المسلمين جميعاً، والكلّ يعلم هذا. نعم من حقّ فضيلة الدكتور أن يسأل الشيعة عن الذين رأوا المهدي، وكيف عرفنا ذلك؟ وما هي الروايات التاريخيّة في هذا الأمر؟ وكم عددها؟ وما قيمتها التاريخية من حيث المصدر والسند والدلالة؟ وغير ذلك من عشرات الأسئلة التي نجد أنّها مشروعة، وأنّ الجواب عنها مشروع، أمّا مجرّد الدخول في محاولة (استغرابيّة) لبناء إشكال على قضية عقديّة دينيّة، فلا أظنّه يوصل إلى توافق أو قناعات مشتركة، لاسيما في ظلّ انتماء الجميع إلى المناخ الديني العام غير البعيد في طبيعته عن عالم الأمور الغريبة غير العادية.
7 ـ يقول الأستاذ الفاضل في نصّه أعلاه: (إنّكم تعتقدون شيئاً لا يوافقكم عليه تسعون بالمائة من العالم الإسلامي!!).
لا أرى صحيحاً مقاربة الأمور بهذه الطريقة؛ لأنّ هذه الطريقة معناها: أيّها المسلمون الذين تبلغون سدس البشر، أنتم تقولون بقولٍ لا يوافقكم عليه خمسة أسداس البشر! فهل الحقّ ـ أستاذي الفاضل ـ يُعرف بعدد البشر الذين يتولّونه؟ ألم يحدّثنا الله عن الأكثرية الضالّة (وطبعاً أنا أنزّه لساني عن تعبير الضالّة في حقّ المسلمين، ولا أحبّ استخدام هذه التعابير)؟ ألم يقل لنا بأنّ أكثر أهل الأرض يضلّون عن سبيل الله؟ متى كان رأي الأكثريّة هو المعيار في العقائد الدينية؟ إنّ هذا النوع من المداخلات غير منطقي، بل المهم هو أن نقدّم الدليل العلمي على بطلان نظريّة المهدوية، لا أن نقول لـ (عقلاء الشيعة) بأنّ هذا الرأي يخالف أغلبية المسلمين، فالإنسان الذي توصّل بالدليل المقنع له بأنّ هذا الرأي هو الصحيح، من الطبيعي أن يرى الآخرين مخطئين، حتى لو كانوا تسعةً وتسعين في المائة من أهل الأرض، ما دام قد اكتشف سبب خطئهم. ومن يكون مخلصاً للعلم يتبع الأدلّة ولا يتبع قول الناس، فعليه أن لا يغترّ بالكثرة العددية، فهكذا يعلّمنا القرآن الكريم، وهكذا يعلّمنا العلم والمنطق، فكم من نظريّات علميّة في مختلف العلوم بدأت لا أنصار لها واستمرّت سنين وقروناً كذلك، ثم صار لها أنصار كثر، فها هم المسلمون اليوم أقليّة في العالم، فهل نطبّق على فكرهم مقولات الأقليّة والأكثريّة؟! إنّ الشيعة لا يؤمنون بنظريّة (لا تجتمع أمّتي على ضلالة) بمعنى أغلبيّة المسلمين عددياً، ولهم فيها مناقشات كثيرة، فكيف نلزمهم بمثل هذه الأصول الفكريّة التي لا يؤمنون بها، دون أن نبدأ الحوار معهم من المنطلقات التحتيّة لهذه الأصول، كي لا نسير بعكس السير أو نقف بالمقلوب؟
8 ـ يقول فضيلة الدكتور حفظه الله: (وهل يتخيّل عاقل سهولة تصديق مثل هذه الأخبار ذات الطبيعة الخارقة للمألوف؟ ألا ترون أنّ خبر عظيم كخبر كلام عيسى عليه السلام في المهد صدّقناه فقط لما قاله الله القادر على كلّ شيء، ونزل به الأمين جبريل على محمّد الصادق فبلغه للناس، ليؤمن بعضهم بذلك ويكفر البعض الآخر، فكيف بتصديق خبركم الغريب والذي لا يخفى عليكم طبيعته حدثاً وسنداً وروايةً وغموضاً؟!).
من قال بأنّ تصديق قضية المهدوية سهل؟ إنّني أضمّ صوتي إلى صوت الكاتب الفاضل في أنّ قضيّة من هذا النوع ليست سهلة، بل تحتاج لبحث ونظر وتأمّل، وإنّنا نختلف مع الشيعة أيضاً في محاولة بعض الناس منهم تبسيط المسألة العقائديّة، إنّ هذه أمور تحتاج لنظر وبحث واحتياط وتروٍّ، تماماً كما تحتاجها أمور كثيرة في الفكر الديني والإسلامي، فكيف يصبح تصديق هذا الخبر مرفوضاً بسهولة، أمّا تصديق ما في صحيحي البخاري ومسلم كلّهما سهلٌ يسير؛ لأنّ أغلبية المسلمين ـ وليس كلّهم ـ تواضعوا على هذا؟ ألا يحقّ للشيعي أن يقول أيضاً للسنّي: أتريدني أن أصدّق بسهولة بصحّة آلاف الأحاديث الموجودة في الصحيحين، وفيها الغرائب والعجائب، كما هي الغرائب والعجائب في الكتب الأربعة الشيعيّة أيضاً؟ أتريدني أن أصدّق بأنّ يد الله تدخّلت لتحول بين الإمام البخاري وبين أن يخطأ؟ أين تدخّلت؟ وكيف؟ ألم يُنتقد البخاريّ ومسلم وسائر الأئمّة من قِبَل العلماء، فلماذا تمّ تجاهل كلّ هذه النقود وصارت القضيّة واضحة هناك فيما لا يصحّ ذلك من الشيعي في قضيّة المهدوية؟ وأمّا الحديث عن النبي عيسى عليه السلام فهو غريب جدّاً، أليس في روايات السنّة مئات الأحاديث عن المعاجز والغرائب التي يصدّقها حتى الكاتب الكريم لأنّها وردت في الصحيحين أو غيرهما بسند معتبر ولم ترد في القرآن الكريم؟ فلماذا يحقّ له التصديق لذلك ولا يحقّ للشيعي أن يصدّق بما جاء في كتبه؟ وإذا كان خبر عيسى عليه السلام قد جاء في القرآن فصدّقه الكاتب الموقّر فلماذا لا يقبل من غير المسلم أن يصف قصّة عيسى في القرآن بأنّها غير قابلة للتصديق وبأنّها غير منطقيّة، بل يقول عنه بأنّه كافر وبأنّه أضلّه الله على علم، وبأنّه حجب قلبه عن سماع الحقّ، وغير ذلك من التعابير المتداولة في ثقافتنا الدينية. هل حقّاً لو لم تأت قصّة عيسى في القرآن الكريم لكنّها جاءت في حديث نبوي مسند صحيح في البخاري مثلاً ألن يقبل بها الكاتب الموقّر؟ لو وردت فيها بعض الأحاديث المسندة ألم يكن ليقبلها؟ فلماذا لا يحقّ للشيعي أن يقبل قصّة المهدويّة التي يقول بأنّها موجودة في مصادره الحديثية بطريقة صحيحة وموثوقة ومؤكّدة فيما يحقّ للكاتب الفاضل أن يصدّق قصّة عيسى بن مريم لو وردت في صحيحي مسلم والبخاري بسند صحيح معتبر ولو لم ترد في القرآن الكريم؟
9 ـ إنّني أعتقد بما يلي:
أولاً: ليس بهذه الطريقة يوجّه الخطاب لعقلاء الشيعة؛ لأنّ (عقلاء) الشيعة يفترض أنّهم يعملون بمنطق (العقلاء)، ومنطق العقلاء هو منطق الاحتكام إلى الدليل، وليست الاستغرابات والاستبعادات والاستهجانات والأكثريات هي المعيار في الحقّ والباطل، ولا ما تربّيت عليه أنا أو أنت، بل المعيار هو الدليل وفقط الدليل، فليكن الحوار في الدليل وكأنّنا نتحاور حول قضيّة كيمائية نعيش الحياد النسبي تجاهها، لنكون علميّين في تناولنا للأمور.
ثانياً: لا أرى ضرورةً للحوار مع عقلاء الشيعة ولا عقلاء السنّة في قضاياهم العقائديّة، بل هذه استمراريّة للجدل المذهبي الذي لن ينتهي حسب الظاهر، ولهذا لست ممّن يتفاعل مع أغلب أشكال الجدل المذهبي الذي تعجّ به القنوات السنيّة والشيعية اليوم، وبدل هذا أتوجّه باقتراح متواضع للسيد الفاضل والكاتب الموقّر (صاحب النصّ أعلاه) في أن يدعو عقلاء الشيعة والسنّة معاً لاحترام الآخر، واحترام معتقدات بعضنا بعضاً، والسماح لبعضنا في أن نعتقد بما نراه حقّاً، وأن نمارس طقوسنا بكلّ حريّة وتقدير، وأن لا نتهم بعضنا بالخرافة والأسطورة ما دام كلّ فريق ينطلق من دليل، وأن يدعو عقلاء الفريقين لنبذ لغة التخاصم والتباغض والتسابّ والتلاعن والتشاتم والتكفير والتبديع والتجهيل والتفسيق والتضليل، وأن نعترف بتعدّد الاجتهادات في العقائد كما في الفقه، وبأن نعترف بإسلام بعضنا بعضاً، ويعذر بعضنا بعضاً، وننظّر لذلك كلّه في علمَي: أصول الدين وفروعه.. هذه هي حاجتنا اليوم، وليست حاجتنا في محاكم التفتيش لكي نلاحق الناس هنا وهناك (وكلامي للطرفين) على عقائدهم، ونبحث هل يقول فلان بعدالة الصحابة؟ وهل يقول الآخر بالولاية التكوينية للأئمّة؟ وهل يقول فلان بتفضيل عليّ على الثلاثة؟ وهل يرفض فلان استحباب الشهادة الثالثة في الأذان؟ و.. ليست محاكم تفتيش القرون الوسطى سوى هذه مع تنفيذ الأحكام، فعلينا أن لا ندخل في محاكم تفتيش، بل المطلوب من عقلاء الفريقين أن يسعوا لمحاربة منطق محاكم التفتيش الذي بات يسود، فما معنى أن نوجّه خطابنا إلى عقلاء الشيعة وكأنّنا نُشعر الناس بأنّ أغلبهم من غير العقلاء؟ وكأنّنا نحن العقلاء فقط! هل من المناسب أن يوجّه عالمٌ شيعي خطاباً لعقلاء السنّة وكأنّه يعرّض بالبقيّة منهم وأنّهم غير عقلاء حتى لو كان هذا أمراً واقعيّاً من وجهة نظره؟ هل بهذه الطريقة نبني حواراً مذهبيّاً يرفع مشاكل العصر أو نقرّب الشيعة من الفكر السنّي؟ وما معنى أن نطالبهم بالعدول عن عقائدهم؟ وما المشكلة لو اقتنع الشيعي بوجود مهديٍّ حيّ؟ فلندعه يقتنع، فهل كفر بمحمّد أم بكتابه أم بغير ذلك؟ إنّه ليس سوى رجلٌ اجتهد في العقائد فأخطأ على أبعد تقدير، فتوجيه خطابٍ بهذه اللغة له هو خطاب يحمل روح التعالي وروح محاكم التفتيش، بل إنّه يبعّده منك وتنقض بذلك غرضك السامي من وراء خطابك له. نعم من حقّ السنّي أن يوجّه اليوم خطاباً للشيعة أن لا يجاهروا بسبّ أو لعن مقدّساته ولا يهينوه في عقائده، وسيجد إلى جانبه (عقلاء الشيعة) المستعدّين للتضحية والوقوف في وجه أبناء مذهبهم في هذه القضيّة، وقد فعلوها كما تعلمون. نحن يا أستاذي الفاضل بحاجة اليوم لخطاب لكلّ العقلاء للتواصل والتسامح ونبذ العنف الفكري وغير الفكري، نحن بحاجة لثقافة التفاهم والتحمّل والصبر على آراء بعضنا بعضاً، وعدم الخلط بين مفهوم الاختلاف الفكري ومفهوم التجريح، بدل أن نعيد الجدل التاريخي الذي لن ينتهي حول هذه القضية العقائدية في هذا المذهب أو ذاك، ولنترك الجدل الكلامي ـ إذا كان لابدّ منه ـ للأروقة العلميّة الخاصّة؛ لأنّ هذا ما تحتاجه مرحلتنا الراهنة ونحن نسفك دماء بعضنا بعضاً في غير بلد مسلم. نعم نحن نريد التمييز بين النقد والتجريح، ففي يومٍ من الأيام جاءني أحد العلماء الشيعة يقول: لقد أهان شخصٌ سلفيٌّ الإمامَ العسكري في البقيع في المدينة المنوّرة، فقلت له: وماذا قال؟ فقال: لقد كان واقفاً يتحدّث عن عدم وجود ولد للإمام العسكري وبطلان نظريّة المهدوية الشيعية. إنّني هنا تفاجأت فقلت لهذا الأخ الشيخ الفاضل: وهل إذا انتقد هذا الشخص نظريّة المهدوية يصبح كلامه إهانةً واستهزاءً بالإمام العسكري؟! إذا كان هذا إهانة واستهزاء فكيف يمكن للإنسان إذاً أن يختلف معنا؟ إنّ هذه وجهة نظر، وهي اجتهاد في قضية المهدويّة، ويجب علينا أن نتحمّل هذا الاجتهاد، ولا نضع في عقولنا وأسماعنا وقراً يمنعنا دون الترحيب بسماع هذا النقد، ثم الجواب عليه ـ عندما لا نقتنع به ـ بالطريقة العلميّة الهادئة. مشكلتنا أستاذي الفاضل هي في أنّنا جعلنا أيّ فكرة لا نؤمن بها إهانةً واستهزاء ومؤامرة على الفكرة التي نؤمن بها! هذا ما يجب أن نوجّهه (لعقلاء) الطرفين، لا أن نوجّه خطاباً لعقلاء السنّة أو الشيعة كي يقلعوا عن هذه العقيدة أو تلك، فما الفائدة اليوم في هذا الخطاب عندما يتوجّه من طرف مذهبي إلى طرف آخر؟ وهل يا ترى سيستمع أحدٌ لذلك؟ وهل بهذه الأسئلة البسيطة يمكن أن يقتنع (عاقلٌ) شيعي حقّاً؟ فلنعطِ لكلّ إنسان حقّه في تبنّي العقيدة التي عنده، ونناقشه بطريقة علميّة ومنهجية وبحثية هادئة. إنّني ـ وأنا مجرّد طالب علم صغير ـ أمدّ يدي إليك (وأمثالك) أيها الشيخ الدكتور الفاضل؛ كي نقف معاً في مواجهة موجات العصبية القاتلة الآتية من هنا وهناك، ولنكن جاهزين للإقرار بأخطائنا جميعاً، وليتحمّل كلّ واحدٍ منّا السياط التي ستأتيه من أبناء مذهبه نتيجة ذلك، ولنجعل ذلك لله، ولله وحده، ولنؤجّل تصفية الحسابات وتحديد من هو المسؤول عن وضعنا اليوم لوقت آخر، فاللحظة تاريخيّة، وحقّ لمن يؤمن اليوم بالله ورسوله أن ترتعد فرائصه إزاء ما سيُسأل عنه يوم القيامة من الدور التاريخي الذي كان لابدّ لنا منه لتوحيد المسلمين، قبل أن يصبحوا أثراً بعد عين (يخربون بيوتهم بأيديهم… فاعتبروا يا أولي الأبصار).
ثالثاً: مشكلتنا أستاذي الفاضل أنّنا نجعل عقائدنا أساساً، فنعرض عليها عقائد الآخرين، وكلّ عقيدة تطرح في الساحة، فما وافق عقائدنا فهو الحقّ، وما خالف عقائدنا فهو ليس فقط الباطل، بل هو الغريب والمفاجئ وغير المنطقي وغير العقلاني. إنّني أعتقد بضرورة أن لا يجعل السنّي ولا الشيعي عقائده معيار الصواب والخطأ في العقيدة بحيث يعرض كلّ عقيدة عليها، بل معيار الصواب والخطأ هو العقل والقرآن الكريم وما يثبت صحّته من السنّة الشريفة، وما سوى ذلك فليس معياراً، لا إجماع أهل السنّة ولا إجماع الشيعة، وإذا فتحنا هذا السبيل وتحرّرنا من موروثنا، وحتى من أذواقنا المتشكّلة على أساس هذه الموروثات، فقد نقترب معرفيّاً من بعضنا أكثر.
وفي الختام، أقدّر أي جهد للتواصل والتقارب بين (عقلاء) الطرفين، وأثمّن جهود المعتدلين من الأطراف كافّة، وأشكر فضيلة الدكتور على أيّ عمل تواصلي يقوم به لحقن دماء المسلمين وفضّ الاشتباك فيما بينهم.
السلام عليكم شيخنا الفاضل حيدر حب الله
أحسنتم ، بارك الله بجهودكم الطيبة لرأب الصدع وتوحيد كلمة الأمة على الهدى ..
ودمتم موفقين
اخوكم
علي سيف
نعم شيخنا المعيار هو الفرأن والعقل وما صح من الحديث وحبذا لو طرحت ذلك مفصلا في محاضرة لاحقة مع تقديري
الســــــــــــــ عليكم ورحمة الله وبركاته ــــــــــــــلام
واقعا ان قراءة مثل هذا المقال الجوابي يشعر الإنسان ب السلام والطمأنينة. كثر ﷲ من امثالكم وجعل جهودكم اكثر ثمرة في اتجاه حقن الدماء وسد الثغرات فيما بين الناس
لتسود المحبة والوئام
محبكم حسين
يسألكم الدعاء