السؤال: بعد الشكر على إجاباتكم، اُعلمكم أنّ المشكلة الأساس أنّني أحاول الاطمئنان إلى براءة ذمّتي شرعاً، في وقت أرى فيه الكثير من الشكوك تحوم حول المرجعيات وعلاقاتها العامة وأساليبها المختلفة، لذلك أتمنى أن تتقبّلوا مداخلاتي هذه وتجيبوني عليها:
أولاً: حول القول بالأعلمية.. يقولون بأنّ القول بوجوب تقليد الأعلم ليس فتوى، إنّما هو حكم العقل، فالسؤال هو: لماذا حكم العقل في هذه المسألة هو من اختصاص الفقهاء، فلو كان ذلك هو حكم العقل البيّن الواضح لما اختلف عليه العقلاء؟! ولو قسنا الأمر على الأطبّاء أو شبّهنا وفق ما يقولون لوجدنا أنّ الأطبّاء لا يوجبون العودة إلى الأعلم أو لنقل بأنّه من الصعب حصر الأعلميّة في عدد من الأطباء، والكلّ كما تعرفون ويعرف الجميع يعود في أموره الطبّية إلى من شهد له الناس على اختلاف تجاربهم بالحذق..
ثانياً: في ما يتعلّق بإعلان المجتهد براءة ذمّة المكلف بعمله وفق مسائل الرسالة العلميّة، فإنّ سؤالي عن نفس نسبة البراءة إلى عمل المكلف استناداً إلى فتوى المجتهد، على اعتبار أنّ هذا المجتهد يرى المعذّرية في استنباطاته بغضّ النظر عن أعلميّته أو الشهادة له بذلك، أوليست براءة الذمّة ـ كما هو متعارف ـ متحقّقة بشهادة اثنين من أهل الخبرة؟!
ثالثاً: في ما يتعلّق بأحكام العقل والقياس يرون حجيّتها حيناً ويبتعدون عنها حيناً، في ما يظهر أنّه اختلال في الهندسة الكليّة لمباني الفقهاء الاجتهادية، فمثلاً ترى أنّهم في كثير من الأحيان يسيرون خلف قاعدة التعبّد بالنصّ ولا يتجاوزونها، ثم تراهم حيناً يستنبطون ويجرون المفاعيل بناءً على علّة يرونها أو قياس عقلي يرون معه براءة الذمة؟! أفلا ترون ضرورةً إلى حركة «انجيليّة» إسلامية تُعيد الاستنباط إلى اتصاله القويّ بكتاب الله وبالخبر وفق رؤيّة فكريّة، ربما تكون بعيدة بعض الشيء عن «التناسل المنطقي»..؟
وأخيراً: أسألكم، على جري العادة وفي جميع الأحوال عن رأيكم بفقاهة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي والسيّد كاظم الحائري وتقليدهما.. ولكم جزيل الأجر والثواب.
الجواب: لو تسمحون لي بعض التعليقات السريعة والمختصرة:
أولاً: لو أنّ كلّ قضية عقلية وعقلائية يجب أن تكون واضحةً لكلّ الناس رغم وقوع جدل حولها نتيجة التباسٍ ما ضمن ظرفٍ ما، لما ثبت شيء سوى البديهيّات، فإنّ القضايا العقليّة التي تقع محلّ خلاف بين الناس لا تكاد تعدّ ولا تحصى، سواء في الفلسفة أم الفيزياء النظريّة أم العلوم الإنسانيّة أم.. فليس الخلاف دليل عدم عقليّة المسألة ولا الاتفاق دليل كونها عقليّة، وليس بهذه الطريقة تحدّد هويّة المسائل من حيث العقليّة وغيرها.
ثانياً: إنّني أقبل بإشكالكم في قضيّة الأطبّاء مع بعض التعديلات، ولهذا لا تجدني أؤمن أساساً بنظريّة لزوم تقليد الأعلم.
ثالثاً: ليس حكم العقل هنا من اختصاص الفقهاء، لكن في أيّ قضية يدور حولها جدل حتى لو كانت بديهيّةً، عادة ما يبتّ أهل الاختصاص في موضوعها، ولهذا يقولون بأنّ البتّ في مسائل علم المنطق التي هو قضايا مرتكزة في وعي العقلاء عامّةً يعود للمناطقة والفلاسفة، ليس لأنّ لهم حقّاً حصريّاً في ذلك، بل لأنّ الموضوع كثر عليه اللبس والجدل، وإلا فمسألة وجوب التقليد وتقليد الأعلم سبق لي أن أشرت في بعض الأجوبة إلى أنّها مبدئيّاً من شؤون عقول الناس كافّة.
رابعاً: بعض الفقهاء يرى الدليل على الأعلميّة من النصّ كبعض الروايات، وعلى هذه النظرية لا يحقّ لغير الفقيه ـ أي لغير المختصّ بهذا المجال ـ أن يبتّ، تبعاً لاحترام الاختصاص.
خامساً: إنّني من أشدّ المؤمنين بفقه قرآني غيّبته تعقيدات التاريخ مع الأسف، كما أنّني مؤمنٌ بأنّ الأصوليّ قد يبني على شيء في الأصول يخالفه في التطبيق هنا أو هناك من حيث لا يشعر، وهذا ما حصل في موضوع القياس وأمثاله، لكنّ هذه مشاكل تطبيقيّة محدودة، لا تحصل عند الفقهاء فقط، بل في العلوم الإنسانيّة المختلفة، بل وغير الإنسانيّة أيضاً.
السلام عليكم شيخي الجليل
لو كنت غير مطمئن لمرجعية واحد من المراجع، مثلا ان الشهادات تقود الى اعلميته، لكنني لا اراه مناسبا لذلك، لعقائده المريبة او المثيرة للجدل مثلا، او لعدم ابدائه رايه الصريح في مواضع الفتن او البدع التي تتطلب من العالم ان يظهر علمه ليخلص الناس من حالة الهرج والمرج الديني، وما شابه..
فهل عدم الاطمئنان هنا – على فرضية ثبوت نظرية وجوب تقليد الاعلم – تتيح لي تجاهل هذه الشهادات لان المطلوب ان اطمأن لمن اقلده؟. ام ان الاطمئنان حالة مهمة واذا ما تقاطع مع الشهادات فأنه يقدم عليها؟.
مع ارق تحياتي العطرة لكم
الصحافي منتصر الطائي
نائب رئيس تحرير جريدة ديوانية الغد
8/5/2015