• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
14 تدوين التاريخ ومنطق التعتيم وستر العيوب 2014-12-16 0 4889

تدوين التاريخ ومنطق التعتيم وستر العيوب

السؤال: حديث (اذكروا محاسن موتاكم) استغلّ، فنجد أنّه يتمّ تزوير الحقائق وإخفائها بحجّة ذكر محاسن الموتى، فما هو تعليقكم؟ (عواطف).

الجواب: إنّ حديث: (اذكروا محاسن موتاكم) أو (اذكروا محاسن موتاكم وكفّوا عن مساويهم) أو (لا تقولوا في موتاكم إلا خيراً)، حديثٌ أخلاقيّ ممتاز، بصرف النظر عن مناقشات علماء أهل السنّة في سنده؛ بل لعلّ الظاهر أنّ مصدره الأصلي سنّي. هذا الحديث يمكن تطبيقه ـ كما فعل بعض فقهاء المسلمين ـ على حالة ما يمكن أن يرى من جثّة الميّت ممّا لا ينبغي قوله للناس، كما يمكن تطبيقه على سيرته عموماً، وهو من عناوين الستر، حيث ورد الحث على ستر عيوب الآخرين وعدم كشفها، فضلاً عن تتبّعها، فمن تتبّع عثرات المسلمين وعوراتهم تتبّع الله عثراته وعوراته، وفضحه ولو في جوف بيته، كما هو مضمون بعض الروايات أيضاً.

إلا أنّ الفقهاء والمحدّثين أنفسهم أشاروا ـ في سياق هذا الحديث ـ إلى موضوع الميّت المبتدع، فقالوا بأنّه يجوز كشف بدعته لكي تتمّ حماية الناس منه، وبصرف النظر عن المثال الذي ذكروه فإنّه يعطي إيحاءً بأنّ موضوع الستر على الميّت هو موضوع يتصل بالجوانب الشخصيّة التي لا ترجع إلى قضيّة عامّة تمثل حقّاً عامّاً للناس، أو تتصل بقضايا الدين التي لابدّ من حمايتها.

ومن هنا، وجدنا أنّ علماء المسلمين تتبّعوا أحوال رواة الحديث في القرون الخمسة الهجريّة الأولى، وانتقدوا الكثير منهم في وثاقتهم أو دقّتهم أو ضبطهم أو عدالتهم أو عقائدهم، بل ظلّوا يتناقلون عيوبهم حتى لو لم يقتنعوا بها، وبرّروا ذلك بأنّ الستر على العيوب يظلّ أمراً أقلّ أهميّة من تحقيق حال السنّة الشريفة التي يراد بناء الكثير من الدين على نصوصها. وهكذا تجويز الفقهاء لجرح الشهود في المحكمة وأمام القاضي، فإنّ ذلك وإن كان كشفاً لعيوبهم، لكنّه يصبح جائزاً لأجل المصلحة النوعية القائمة على سلامة العملية القضائيّة في المجتمع. وهكذا وجدنا أيضاً أنّ العلماء المسلمين وغيرهم عبر التاريخ قد مارسوا كشف نقاط ضعف بعضهم بعضاً في بحوثهم واستدلالاتهم، ولم يقل أحد منهم بأنّ بيان خطأ هذا العالم في النقطة الفلانيّة هو كشف لعيبٍ وقع فيه، بل اعتبروا أنّ تطوّر العلوم الدينية وغيرها وسلامة البحث العلمي في قضايا الدين والمجتمع، وضمان اكتشاف الحقيقة، أمورٌ تظلّ أهم بكثير من الستر على زيد أو عمرو في هذه القضيّة العلميّة وغيرها، بل نحن نجد أنّ بعض الفقهاء مثل السيد علي الخامنئي عندما يُسأل عن انتقاد الشخصيّات التاريخيّة التي لها آثار علميّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة وأصبح أمرها متعلّقاً بعموم المجتمع، يرى أنّ نقد آرائهم ومواقفهم وأخلاقهم وحتى جزئيّات حياتهم يظلّ أمراً شرعيّاً ما لم يقصد منه محض الانتقاص (انظر: أحمد أبو زيد، محمّد باقر الصدر السيرة والمسيرة 1: 43 (المقدّمة)، نقلاً عن الشهيد الصدر بين أزمة التاريخ وذمّة المؤرّخين: 203؛ نقلاً عن صحيفة المبلّغ الرسالي، العدد 21 ـ شعبان ـ 1415هـ)، بل حتى السيد الخميني نجده يوجّه السيد حميد الروحاني الذي أراد كتابة تاريخ الثورة الإسلاميّة في إيران ويأمره بأن يكتب كلّ الحقائق التي وقعت ولو تضرّر نتيجة ذلك الآخرون ممّن تربطك بهم علاقة، ليكون التاريخ المدوّن مفيداً للإسلام والمسلمين (حميد روحاني، نهضت إمام خميني 1: 11 ـ 12)، وهذه هي مهمّة علم التاريخ ومن دونها يجب إغلاق هذا العلم تقريباً. وقد سبق لي أن تحدّثت عن هذا الموضوع وعن الشفافية في الدراسة التاريخية والتوثيق التاريخي في كتابي (مسألة المنهج في الفكر الديني: 380 ـ 387).

إنّ الكشف عن الواقع في الرصد التاريخي والمعاصر يظلّ مهمّاً جدّاً على المستوى الحضاري العام؛ كونه ينقّح صورنا الذهنية عن الشخصيّات والوقائع والمسارات، ويرفع من مستوى الوعي الاجتماعي والديني العام، ويحمينا من الصور الأسطوريّة التي تُنسج حول الرموز الدينية والسياسيّة والنضاليّة وغيرها، ويرفع من قدرة الأجيال اللاحقة على وعي التاريخ وعياً علميّاً، لاسيما في المجتمعات التي يشكّل التاريخ جزءاً كبيراً من وعيها ونمط عيشها كالمجتمعات الإسلاميّة، فالشخصيّات الكبرى لا تملك نفسها بل يملكها جمهور الناس، ومن ثم فكشف حقيقتها من دون قصد الانتقاص أو التجريح يمثل تصحيحاً لمسار وعيها وفهمها، فكم من وعي دينيٍّ وُلِدَ نتيجة صور أسطوريّة عن بعض العلماء بحيث خضع هذا الوعي لمقولات هؤلاء العلماء نتيجة التربية العامّة السورياليّة هذه، ولو أنّنا قمنا بنقد التاريخ ورموزه بطريقة علميّة وكشف عناصر الضعف والقوّة فيه، لمكّننا ذلك من تحصيل وعي أفضل وأكثر توازناً حتى لقضايانا الدينية. وعليه فقانون الأهم والمهم (وهو القانون العمدة الذي سمح للفقهاء بأكثر الموارد التي استثنوها من حرمة الغيبة، ويمكن مراجعة كلماتهم في هذا الإطار؛ إذا كثير من هذه الموارد لم يقم عليه نصّ معتبر بخصوصه).. إنّ قانون الأهم والمهم والوعي الشمولي للموضوع يفرضان علينا الشفافية العالية في التوثيق التاريخي كي نقدّم واقعنا وتاريخنا لأنفسنا وللأجيال اللاحقة بشكل واضح، شرط أن لا نعيش عقدة كشف النقائص وتصفية الحسابات وإثارة الضجيج واعتماد التسقيط، ولا وهم تكريس الإيجابيّات وتلميع الصور فقط. ومن أراد التأكّد من سلامة استنتاجاتنا هذه فليراجع كتب الرجال والتراجم والسير والتاريخ وقصص العلماء وغير ذلك ممّا دوّنه العلماء أنفسهم مستقلاً او من خلال كتبهم المتفرّقة.

بل إنّ بعض الحالات تنطبق عليها موارد جواز الغيبة التي نصّوا عليها، مثل تجاهر هذه الشخصيّة بالمنكر أو الخطأ الأمر الذي يسمح بكشف ما تجاهر به، ومن ثم يمكّن الأجيال القادمة من وعي الوقائع بدقّة أكبر، كما أنّ كشف حقيقة بعض الأشخاص ضرورة لحماية المجتمع والتاريخ من أضرارهم، يضاف إلى ذلك أنّ بعض الأشخاص من الممكن أن يكونوا قد تعرّضوا للظلم من هذه الشخصيّات هنا وهناك، فمن حقّهم تدوين ما ظلموا فيه حيث يجوز للمظلوم غيبة الظالم، بل لعلّ قانون جواز الغيبة لأجل نصح الأخ المؤمن يمكن تطبيقه هنا؛ لأنّ كشف الوقائع بشفافية عالية نوعٌ من نصح المؤمنين ـ ولو الأجيال اللاحقة ـ أن لا يغترّوا بهذه الشخصيّة أو هذا الفريق من الناس، وينساقوا خلفهم بما يلحق بهم مفاسد على المستوى الثقافي والتوعوي والديني العام. بل بعض الحالات لا يتصل بالغيبة أساساً، وإنّما يتصل بكسر صور وهميّة عن شخصيّة معيّنة أو فريق معيّن، فيوحى إليك أنّ هذه الشخصيّة مثلاً خارقة الذكاء وتُقدَّم معطيات في هذا الشأن، وتقوم أنت بكشف زيف هذه المعطيات، فهنا أنت لم تعب هذه الشخصيّة أصلاً، بل قمت بإبطال الدعوى المزعومة في كونها تمتاز عن غيرها، ومن هذا النوع كشف نقل العلماء والمفكّرين عن بعضهم كثيراً، فعندما تقوم بهذا النقل لهذه الصورة التاريخيّة فأنت لا تريد أن تدين أحداً؛ لأنّ هذا السلوك لم يكن مُداناً في ذلك العصر، بل كان عادياً جدّاً، وإنّما تقصد وضع صورة هذه الشخصيّات التاريخيّة في موقعها الطبيعي بدل المبالغة الأسطوريّة في الحديث عنها، ولهذا الأمر أمثلة كثيرة أخرى أيضاً.

إنّ مجموعة هذه العناصر عندما يتمّ وعيها بشكل فردي ومجتمعي معاً يمكنها أن تساعد على تبرير الرصد أو التوثيق التاريخي الهادفَين إلى نقل الحقيقة، شرط أن تكون القصود سليمةً لا يراد منها الانتقاص أو محض التجريح، بل يراد منها تحقيق غاية رساليّة نبيلة مثل تصحيح الوعي التاريخي والمستقبلي معاً، وشرط أيضاً أن تكون القضيّة المنقولة ذات صلة بهذا التصحيح، فلو لم تكن ذات صلة وكان فيها انتقاص أو اغتياب لمن لا تجوز غيبته لم يلزم نقلها، بل قد يحرم، فليس النقل هنا لشهوة النقل فقط، بل لصنع وعي تاريخي وزمني اجتماعي عام أفضل وأنضج ويحظى بأولويّة عليا في بناء المجتمعات عامّة.

وفي هذا السياق أيضاً يأتي العمل الإعلامي والصحافي، حيث ينبغي أن يخضع لهذه المعايير ويتحمّل مسؤوليّته في نقل الحقيقة العامّة؛ لأنّ المجتمع من حقّه معرفة هذه الحقيقة. بل عندما تتوقّف مواجهة المنكر ـ مثل الفساد الإداري والمالي والسرقات ونهب خزينة الدولة وتزوير الوثائق والمستندات وتضليل الرأي العام وارتكاب مخالفات قانونيّة بطريقة متحايلة على القانون دون أن تكون شرعيّةً، وكذلك التلاعب بأموال الخمس والزكاة والحقوق الشرعيّة وموارد الأوقاف والصدقات وغير ذلك ـ عندما يتوقّف ذلكة كلّه على كشف الجناة والمفسدين لجعل الرأي العام ضاغطاً عليهم، ممّا يلغي حركتهم الفاسدة أو يُضعفها ويحاصرها ولو جزئيّاً ويحمي الأموال العامّة والمصالح النوعية للمجتمع، فإنّ ذلك يكون شرعيّاً عند كثير من فقهاء المسلمين.

وبهذا كلّه يتبيّن أن ما يحاوله بعض الناس من كشف عيوب الآخرين دوماً، بل وممارسة البهتان في حقّهم أحياناً، ولكن عندما تصل الأمور إلى فئته أو جماعته أو صنفه أو طبقته الاجتماعيّة يقوم بتحريم هذا الفعل تحريماً دينيّاً أو غير ديني! أمرٌ لا يبدو لي واضحاً، تماماً كتلك الدعوة المعروفة إلى يومنا هذا والتي تجيز كشف كلّ حقائق التاريخ سوى ما جرى بين الصحابة، إذ يجب الإمساك عنه وعدم الحديث حتى لو كان حديثاً مؤدّباً وأخلاقيّاً وغير عدواني على أحد!.. والحجج التي تقال عادةً تبدو تبريريّة تعتمد منطق الهواجس أكثر من منطق التوازن العلمي، مع أنّ الكثير من السلف والعلماء السابقين لم يقفوا هذا الموقف بحسب تجربتهم التي تركوها لنا، بل كانوا يذكرون وقائع التاريخ التي تتصل بالصحابة وغيرهم، وتتصل أيضاً بهذه الفئة أو تلك من علماء دين وغيرهم. والملفت أيضاً أنّ بعض الشيعة ينكر أشدّ الإنكار مبدأ سدّ باب الحديث في اختلاف الصحابة ويدافع عن حريّة وعقلانيّة البحث التاريخي ـ والحقّ معه ـ بينما عندما يأتي الدور إلى أصحاب الأئمّة أو إلى علماء الدين يعيد نفس الفكرة التي قالها أنصار سدّ باب الحديث حول خلافات الصحابة! بل الغريب أنّه يهزأ بنظريّة عدالة الصحابة لكنّه يعيد إنتاجها في حقّ علمائه إنتاجاً سلوكيّاً ولو لم يتمّ التنظير له فكريّاً واجتهاديّاً. وللتفصيل مجال آخر.

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36843087       عدد زيارات اليوم : 3285