السؤال: أحببت أن أستعلم من حضرتكم حول صحّة معجزة منقولة عن الإمام الحسن عليه السلام في كتاب مدينة المعاجز قال: (عنه: قال: حدّثنا [أبو] محمد بن سفيان، عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن منصور، قال: رأيت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد خرج مع قوم يستسقون، فقال للناس: أيّما أحبّ إليكم المطر، أم البرد، أم اللؤلؤ؟ فقالوا: يا ابن رسول الله، ما أحببت. فقال: على أن لا يأخذ أحد منكم لدنياه شيئاً (فأتاهم) بالثلاث، ورأيناه يأخذ الكواكب من السماء، ثم يُرسلها، فتطير كالعصافير إلى مواضعها). هل تصحّ هذه القصّة حسب الموازين العلميّة إسناداً أو متناً من طرق أخرى؟ (موسى).
الجواب: هذه الرواية نقلها الطبري الشيعي (ق 4هـ) في كتابَيه: (دلائل الإمامة: 167؛ ونوادر المعجزات: 101 ـ 102)، وعنه أخذ كلّ من صاحب مدينة المعاجز وصاحب إثبات الهداة فيما بعد، ولكن نقل في (إحقاق الحقّ 5: 156)، قريباً من هذا المضمون عن كتاب مناقب فاطمة وولدها عليهم السلام، بإسناده عن إبراهيم بن منصور. وهناك رأي يقول بأنّ كتاب مناقب فاطمة وولدها هو نفسه كتاب دلائل الإمامة لنفس المؤلّف، ويشهد لذلك تطابق ما نقله الحر العاملي في إثبات الهداة عنه بالسند والمتن مع ما هو الموجود اليوم من كتاب دلائل الإمامة.
والحديث فيه رواة لا ترجمة لهم أو لا توثيق لهم، مثل إبراهيم بن منصور، على تقدير صحّة هذا الاسم، وأمّا إذا كان إبراهيم بن مالك الأشتر عن منصور، فإنّني راجعت كل من سمّي بمنصور في كتب الرجال والتراجم ولم أجد أحداً في هذه الطبقة، عدا بعض المحتملين مثل منصور بن ربعي وهو مهمل جداً، ومنصور بن سلام التميمي وهو مهمل أيضاً، وأمثالهما، كما أنّني من المتوقّفين في أبي محمد سفيان بن وكيع الرؤاسي (247هـ)، كما أنّ الأعمش عندي ثقة لكنّه يدلّس، فالخبر من حيث السند ضعيف، وليس هناك ما يعضده من أسانيد مع قلّة المصادر الناقلة.
وأمّا على مستوى المتن، فإذا كان هذا الأمر واقعيّاً لكان ظاهرةً غريبة جدّاً، ولابدّ من فرضها معجزة توقف قوانين الطبيعة أو العادة، وربما يكون من الإعجاز هنا عدم تأثير هذه الظاهرة على العالم وعلى قوانين الجاذبيّة بين الكواكب. وعلى أيّة حال فأخبار المعجزات هذه لابدّ من تراكم المعطيات فيها للأخذ بها؛ إذا لو وقعت لكثر تداولها في العادة، لاسيما وأنّ الخبر يقول بأنّ الإمام الحسن كان مع قوم ومجموعة من الناس يستسقون، وهو أمر في العادة يتم تداوله وتناقله بكثرة، إضافة إلى أنّه لو وقعت الظاهرة في الخارج فيفترض في العادة أن يراها سائر الناس ولو لم يكونوا مع الإمام عليه السلام، ولمّا لم نجد هذا الحديث سوى في رواية واحدة ينقلها مصدرٌ واحد فقط يبعد عنها ثلاثة قرون، وفي السند مجاهيل، صار من الصعب التصديق بها، ما لم تحشد لها الشواهد والقرائن.
نعم، قد تنفع هذه الرواية ـ لو ضمّت إلى مجموع روايات كرامات الأئمّة الموجودة في مثل كتابَي: مدينة المعاجز، وإثبات الهداة ـ في إثبات مبدأ وقوع بعض الكرامات منهم عليهم السلام في حياتهم، ولو لم نقدر على تعيين هذه الكرامات التي وقعت ولا تحديد عددها، نتيجة عدم إمكان التثبّت من هذه الكرامة أو تلك، وذلك عملاً بقانون التواتر الإجمالي الذي بحثه الأصوليّون والمحدّثون من علماء المسلمين، والله العالم.