• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
58 الموقف من نقد بعض العلمانيين للفكر الديني بأنّه مثالي أخلاقي غير واقعي يرفع شعارات غير قابلة للتطبيق 2014-05-12 0 2059

الموقف من نقد بعض العلمانيين للفكر الديني بأنّه مثالي أخلاقي غير واقعي يرفع شعارات غير قابلة للتطبيق

السؤال: عندما أناقش بعض العلمانيّين عن القيم والأخلاقيّات وضرورة سيادتهما في سياستنا واقتصادنا ومجتمعنا، يأتيني الجواب فوراً أن لا أتحدّث عن المثاليّات، وأنّنا لم نرَ منذ نشوء الحضارات وإلى يومك هذا ما تتحدّث عنه إلا أفراداً معدودين، تلبّسوا بهذه المثاليات، وحتى من الإسلاميين الذين يتحدّثون دائماً عن أمور مثاليّة هم لا يستطيعون الالتزام والوفاء لها.. فما هو رأيكم شيخنا؟ (أبو يوسف، سلطنة عمان).

 
الجواب: هناك نوعان من الأهداف التي يتجه الإنسان نحوها:

النوع الأوّل: الأهداف الاستراتيجية المثالية العليا، وهي الأهداف بعيدة المدى والتي يدرك الإنسان أنّها من الصعب أن تحصل في المنظور القريب، لكنّه يضطر لوضعها نصب عينيه كي يحدّد مساره الذي يتجه فيه حتى لو كان يعلم بأنّ تحقيق هذه الأهداف غير متيسّر في مرأى النظر. وقيمة هذا النوع من الأهداف:

1 ـ أنّها توجّه مسار الإنسان، فعندما نقول مثلاً: نحن نهدف إلى بناء مجتمع صالح يتعاون فيه الناس ويحبّون بعضهم، أو نهدف على المستوى الفردي أن نتمثّل شخصيّة المعصومين، فهذا لا يعني أنّنا نفترض إمكانيّة تحقّق هذا الأمر بالضرورة، فنحن نعرف أنّه لن نتمكّن من هذا، وأنّه لم يتمكّن أحدٌ على مرّ التاريخ من تحقيق مجتمع إنساني عام مثالي بهذه الطريقة، لكن مع ذلك نحن نجد أنّ حضور هذا المفهوم في وعينا ضروريٌ جدّاً، والسبب هو أنّ هذه المقولات (المثالية) تعبّر عن جهة مسيرنا وليس عن إمكانات المسير بالضرورة، فعندما تقف على مفترق طرق فإنّك تختار أحد الطريقين، وبذلك تكون قد حدّدت جهة مسيرتك، وهذا غير أنّك تملك إمكانات السير إلى نهاية هذا الطريق.

2 ـ كما أنّ قيمة المثل العليا والأهداف بعيدة المدى تكمن أيضاً في تخفيف حدّة النماذج البديلة، فعندما أتحدّث دوماً عن مجتمع مثالي وأصبو لهدف لا ترتفع النجوم عليه، واستحضر القيم المثالية الأخلاقية دوماً، فذلك لأنّني حتى لو لم أتمكّن من تحقيقها كاملةً في حياتي أو في مجتمعي، لكنّ استحضارها يعيق هيمنة البدائل المفترضة لها، أي إنّه يخفّف من القيم غير الأخلاقية التي يمكن أن تسود. ولهذا نحن نجد كلّ التيارات الفكريّة تدعو لقيم أخلاقيّة بما فيها أشدّ التيارات براغماتيةً، فهؤلاء ليسوا كما نتصوّر من أنّهم نفعيّون لا يؤمنون بأيّ قيمة أخلاقيّة (مهما كان المبرّر الفلسفي لهذه القيمة الأخلاقية أو تلك عندهم)، فإنّ العدالة الاجتماعية قيمة أخلاقية تزعم البراغماتية أنّها تحقّقها عبر دفع كلّ شخص لتحقيق مصالح نفسه، فهناك قيمة أخلاقية أيضاً تتجه إليها هذه التيارات. بل لاحظوا الدستور الذي يملكه كلّ بلد من بلدان العالم اليوم، إنّكم ستجدون فيه مجموعة من البنود ذات الطابع الأخلاقي العام الذي نعرف جميعاً أنّه لم يتحقّق في أيّ بلد من بلدان العالم بصورته المثالية. والسبب في هذا كلّه هو أنّ الفطرة الإنسانية أو البُنية الأخلاقية الإنسانية لا تستطيع العيش دون قيم أخلاقيّة رغم أنّها ترى أنّ هذه القيم من البعيد تحقّق أنموذجها الكامل، لكنّ تخيل الأنموذج الكامل يبقى ضرورة للسعي لتمثله قدر الإمكان، ومنع النماذج البديلة من الهيمنة.

ما أريد أن أؤكّده هو أنّ القيم الخلقية العليا التي نجد شبه استحالة عمليّة تاريخياً في تحقّقها كاملةً في حياة البشر، لا تكمن ضرورتها في فرص تحقّقها بنحو الكمال والتمام، بل تكمن في وجودها، من حيث تحديدها جهة سير العقل الإنساني والضمير من جهة، وحيلولتها بدرجة جيّدة دون حلول البدائل غير الأخلاقية وهيمنتها على المجتمع من جهة ثانية، وإبقاء الضمير الإنساني حيّاً لكي يساعد بقاؤه على تحقيق أعلى درجة ممكنة من الاقتراب للأنموذج المثالي، فكسل الضمير أو نومه أو شعوره بأنّه لا يُطلب منه شيء بعدُ يشكّل خطراً على سلامة الحياة الأخلاقية في المجتمع والفرد معاً.

النوع الثاني: الأهداف المرحليّة المنظورة، وهي الأهداف التي يضعها الإنسان أمامه وتتسم بطابع: 1 ـ التحديد الزماني. 2 ـ التحديد المكاني. 3 ـ التحديد في الإطار المستهدف. 4 ـ النجاح التامّ هو هدف هنا.

وهذا النوع من الأهداف يخضع لمعايير مختلفة أهمّها:

1 ـ وجود إمكانات لتحقّقه.

2 ـ وجود مقياس يمكن على أساسه تحديد درجة النجاح وعدمه (إمكان الاختبار).

وعلى هذا الأساس، فعندما أضع هذا النوع من الأهداف أمامي، فيجب أن تكون محدّدةً واضحةً ممكنةً مقدورةً يمكن اختبار النجاح أو عدمه فيها ضمن إطار زمكاني واضح ومنظور. أمّا إذا استخدمنا في هذا النوع من الأهداف ما يتعالى عن هذه الأمور فسوف تكون الفوضى، تصوّروا أنّ شخصاً يريد أن يفتح مؤسّسةً تجارية للربح، وأنّه لا يضع دراسةً لإمكاناته والفرص المتاحة أمامه والمدد الزمنية لعمله كي ينتج ربحاً، والفضاء التجاري الذي يريد الاشتغال عليه ونحو ذلك، ثم يقوم بممارسة التجارة قاصداً الربح دون أيّ دراسة ميدانية عملانية تخضع للاختبار تجعل من فتحه لهذه المؤسّسة أمراً معقولاً وممكن الربح، إنّ هذا الشخص غير عملاني وغير واقعي، فهو يضع هدفاً عاماً اسمه الربح لكنّه لا يخضعه لأيّ تخطيط ميداني محدّد الزمان والمكان والفرص والإمكانات والأحوال، ومن الطبيعي أنّ نجاحه سوف يكون خاضعاً للصدفة النسبيّة، وأنّ فرص التعثّر سوف تكون أكبر.

بالعودة إلى سؤالكم، ما هي مشكلة الإسلاميّين أو المتديّنين في القضيّة الأخلاقيّة؟ بل ما هي مشكلة الدين أساساً في هذا المضمار، وهو المتهم بمثاليّته الحالمة؟

إنّني أعتقد أنّ المشكلة هي وضع أهداف من النوع الأوّل بوصفها أهدافاً من النوع الثاني وبالعكس، أيّ الخلط بين الأهداف، فبعض ما هو هدف مثالي بعيد المدى يحدّد جهة سيرنا ويضبط إيقاعه بدرجةٍ ما.. نضعه هدفاً مرحلياً عملانياً أو بالعكس، وفي هذه الحال ستجد أنّ الإسلامي (وأقصد به الذي يتخذ الإسلام منهجاً في الحياة) رجلٌ مثالي غير واقعي؛ لأنّه لا يقرأ الأمور بواقعيّة، فهو يريد تحقيق مجتمع عادل وصالح ومثالي بوصف ذلك هدفاً مرحلياً كأنّه يفترض أنّه سيتحقّق خلال عقد من الزمن مثلاً، مع أنّ هذا الشعار هو شعار ما فوق عملي، بمعنى هو يغطّي مسار عملك لكنّه ليس هو الغرض المباشر للأعمال الخاضعة لإطار الزمان والمكان، وعندما يبتعد الإسلامي عن حساب المصالح والمفاسد وحساب الإمكانات والفرص سيكون مثالياً بالمعنى السلبي للمثاليّة؛ لأنّه يغرق في القيم المثالية العامّة التي لا تخضع لهذا المنطق. والعكس صحيحٌ تماماً، عندما نجد الإسلامي يغرق في المصالح والمفاسد متناسياً القيم التي تحدّد جهة سيره وتصوّب عمله أخلاقيّاً، ففي هذه الحال لن يختلف أبداً عن الآخرين من الذين يتّهمهم بالوصوليّة والانتهازية والفساد.

المطلوب منّا هو التمييز دوماً في وعينا وثقافتنا بين القيم الأخلاقية بوصفها مؤشرات للمسير وبين الأهداف المرحلية بوصفها نقاطاً نريد في مدّة زمنية الوصول إليها، فإذا ميّزنا بين هذين النوعين ولم نخلط بينهما في وعينا اليومي، أعتقد بأنّ كثيراً من الأمور سوف تتضح. ومن المطلوب أيضاً أن يكون في ثقافتنا هذان النوعان من الأهداف معاً، فكلّ فكر أو دين فيه نوعٌ واحد من هذه الأهداف أو لا يعترف إلا بنوع واحد منها فهو يعاني من مشكلة، فالفكر الذي لا توجد عنده أهداف مرحليّة عملانية مدروسة هو فكر مثالي غير واقعي ولا يسير في هدى منطق الطبيعة والأشياء ولا يأخذ بالأسباب ولا يدرس الموانع والعقبات، وكلّ فكر لا توجد عنده أهداف مثالية عليا يعيشها ويحياها في وجدانه وضميره وعقله، هو فكر قد يهدّد مصالح الإنسان عامّة ويدخل الحياة في ثقافة التصارع والوحشية والعدوانيّة حيث يتسنّى له ذلك. وكذلك الحال في الخطاب الإسلامي ـ السياسي أو غير السياسي ـ فعندما يَغرق بنفسه ويُغرق قاعدته الشعبية في لونٍ واحد من الأهداف فهو يخطأ ويرتبك، ولهذا ترى أنّ التيارات السياسية الدينية عندما تعيش النوع الأوّل من الأهداف في خطابها فهي تبني جيلاً غير واقعي، بل ومتصادم مع الحياة قد تنتهي به الأمور للعدوانيّة أو اليأس، وعندما تعيش فقط مع النوع الثاني من الأهداف فسوف تجدها مصلحيّة وصوليّةً انتهازيّة سلبيّة.

وأحبّ أن أشير أخيراً إلى مسألة لو تسمحون لي، وهي مؤاخذة على بعض نقّاد التجربة الدينية عموماً في العصر الحديث، وهي تجربة يمكن نقد الكثير من عناصرها بالتأكيد، لكنّني ألاحظ على بعض الناقدين أنّهم حائرون أحياناً في نقد التجربة الدينية، فعندما كانت التجربة الدينية تنطلق في بداياتها تعيش حالة من الأخلاقية الكبيرة كان هؤلاء ينتقدون التجربة الدينية في أنّها غير واقعيّة وأنّها غير مرنة، وأنّها لا تملك وعياً للمصالح والمفاسد، وأنّ منطقها هو منطق الثورة وليس منطق الدولة، فكانت تُتهم بالمثالية مقابل الواقعيّة بهذا المعنى. وعندما دخلت التجربة الدينية الفضاء الذي كانوا يطالبون به وصارت تشتغل على حساب المصالح والمفاسد المتغيّرة في الزمان والمكان، بحيث صارت تغيّر مواقفها السياسيّة أو غيرها تبعاً لمتغيّرات الوضع المحيط، أخذ هؤلاء يأخذون عليها بأنّها صارت غير أخلاقيّة وبأنّها منفعيّة وصولية وبأنّها بعيدة عن القيم وبأنّه ليس لديها ثبات في مواقفها. لست أريد تبرئة أحد ولا اتّهام آخرين، لكن في بعض الأحيان تجد بعض الأشخاص إذا كنت أخلاقياً قالوا عنك بأنّك ساذج ومثالي، وإذا صرت واقعيّاً كما يريدون قالوا عنك بأنّك منفعي غير أخلاقي، وبأنّك تركت القيم الروحية والأخلاقية.. نعم الجمع بين الأمرين ضروريٌّ، أي المثالية والواقعية معاً، فمفتاح الحلّ في الجمع هذا والتوفيق.

 

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36698302       عدد زيارات اليوم : 640