السؤال: ما هي قيمة هذه الروايات وفقاً للمعايير السنديّة؟ وكيف تقرؤونها؟
الرواية الأولى: جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام فقال له: إنّ زوجتي عندها حالة من العصبيّة فأرجو أن تعطيني علاجاً لها، فأمره الإمام أن يعطيها كلّ يوم طلح منضود، يعني الموز، وبعد فترة جاء الرجل وشكر الإمام على وصفة العلاج. وهنا جاء العلم الحديث ليقول: إنّ مادّة ترايك توفان ـ وهي مادّة مهدّئة لجسم الإنسان ـ موجودة في فاكهة الموز، وينصح الأطبّاء باستعمالها لمن لديه حالة عصبيّة.
الرواية الثانية: عن أبي بصير قال: سمعت الباقر عليه السلام يقول: إذا أردت أكل التفاح فشمّه، ثم كله، فإنك إذا فعلت ذلك أخرج من جسدك كلّ داء وغائلة، وسكن ما يوجد من قبل الأرواح كلّها (خليل).
الجواب: بصرف النظر عن وجود مشكلة سنديّة في الحديث الذي ذكرتموه، فإنّ مثل هذه النصوص الحديثية كثير، وقد جمع الكثير منها الشيخ الحرّ العاملي في تفصيل وسائل الشيعة، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار، والمحدّث النوري في مستدرك الوسائل، وهي موجودة في كتب الطبّ النبوي وطبّ الأئمّة، ومثله كثير موجود عند أهل السنّة أيضاً في كتب الحديث. ولا مانع من الأخذ بها إذا كانت المعطيات العلميّة الموثقة والموثوقة تدعمها، أو كانت معتمدة وحجّة وفقاً لقواعد حجيّة الحديث، ويمكن اعتبار ذلك شاهد صدق لها، وشاهد الصدق أو قرينة الصحّة لا تساوي دليل الصحّة وبرهانها دائماً، كما هو معلوم.
1 ـ إنّ علينا جيداً أن نعرف أنّ الطبّ القديم (عند المسلمين أو غيرهم، من الصينيين وغيرهم) فيه الكثير من مثل هذا الذي يمكن أن تجد له مؤيّداً هنا أو هناك من العلوم الحديثة. وهذا يعني أنّ تكوين صورة موضوعيّة عن هذا الموضوع يستدعي نظرة استقصائية شاملة ومقارنة في الوقت نفسه للوصول إلى نتائج، بدل الاقتصار على مقاربة عفوية أوّلية تظنّ أنّ هذا الذي يحصل مع هذا الحديث الشريف أو ذاك لا يحصل إلا في الأحاديث، وأنّه لا وجود له في عالم المقارنة بين الطب القديم والحديث.
2 ـ إنّ علينا أن لا نكون ازدواجيّين في تعاملنا مع العلم الحديث ومع الحديث الشريف أيضاً، فبعضنا يصبح العلم عنده هنا دليلاً على صحّة الحديث، في حين يغدو هذا العلم نفسه مجرّد فرضيات أو نظريات لا قيمة لها عندما تعارض حديثاً آخر، من هنا يلزم أن يكون لدينا موقف واضح وموحّد قائم على منهج محدّد المعالم في التعامل مع العلوم الحديثة وعلاقتها بالحديث الشريف.
هذا، ولعلّ أفضل المناهج ـ من وجهة نظري المتواضعة ـ في التعامل مع الحديث الشريف في قضايا الطب ونحوه على مستوى الإثبات، هو الإيمان بمفهوم قرائن الصحّة، بدل مفهوم دليل الصحّة، والفرق بين المفهومين هو أنّ نظام عمل القرائن يشبه عمل القاضي ورجال الشرطة والمباحث الجنائيّة، فإنّ كل عنصر لوحده من المعطيات المتوفرة لا يشكل دليلاً على إدانة الجاني، لكنّ اجتماع هذه العناصر يرفع للغاية من احتمال إدانته وكونه هو المتورّط في ارتكاب الجرم.